الاثنين، 15 مارس 2010

بايدن والصهيونية


بقلم: د. فوزي الأسمر
الإهانة التي وجهتها إسرائيل متمثلة بحكومتها لنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن بالإعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية في شرقي القدس أثر وصله إلى تل ــ أبيب، لم تكن مجرد خطأ وقع فيه وزير إسرائيلي، بل كان مخططا له حسابات دقيقة، وأهداف بعيدة وبعلم من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
فهذه الإهانة لم تكن موجهة إلى بايد  فقط، بل للرئيس باراك أوباما ولوزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، ولقادة الدول العربية التي زارتها  كلينتون مؤخرا، وللرباعية العربية، ولجامعة الدول العربية وأمينها العام، عمرو موسى. وطبعا رسالة واضحة لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بأن الأمور لن تسير إلا كما تريد إسرائيل.
فإسرائيل غاضبة على الرئيس الأمريكي لأنه لم يقدم لها الامتياز الذي قدمه لها خلال السنوات الأخيرة كل الرؤساء الأمريكيين. وقد شعرت بأن أوباما يتجاهلها فيقوم بزيارة تركيا والمملكة العربية السعودية ويلقي خطابا في جامعة القاهرة موجها للعلمين العربي والإسلامي، ويعين مندوبا خاصا لأمريكا  لدى المؤتمر الإسلامي، قبل أن تطأ قدماه أرض فلسطين المحتلة بعد أن أصبح رئيسا، وهي "جريمة" بنظر تل ــ أبيب يستحق عليها العقاب.
وقد عبر عن ذلك البروفيسور الإسرائيلي غابي شفر عندما كتب في مقاله أن كل المؤسسات الإسرائيلية، وشخصياتها السياسية والقيادية، وفي مقدمتهم  نتنياهو لن يسمحوا للرئيس أوباما الحصول على تقدم ملموس متعلق بالصراع العربي ــ الإسرائيلي (هآرتس 24 /2/2010).
وهذا العمل أيضا هو تحديا لوزيرة الخارجية كلينتون التي جابت أقطار عربية وأرسلت مساعديها ونوابها لدول عربية أخرى كي تقبل هذه الدول "السماح" للفلسطينيين بالدخول بمفاوضات حتى غير مباشرة مع إسرائيل. وبالفعل قبل العرب، باستثناء سورية، هذا الطلب. وأعطوا الضوء الأخضر للسلطة الفلسطينية كي تقبل هذا المطلب نزولا لرغبة الإدارة الأمريكية. وصدر بيان من جامعة الدول العربية يؤيد هذه المبادرة وقبلت السلطة الفلسطينية ذلك، رغم كل التجارب التي مرت بها بالمباحثات والمفاوضات والإتفاقيات مع إسرائيل التي لم تحترم ولم تنفذ أي منها.
أما بالنسبة لبايدن فكانت الصدمة أكبر حيث أن تاريخه في مجلس الشيوخ يشير إلى مدى تأييده  شبه المطلق لإسرائيل، لدرجة أنه قدم مشروعا يتضمن تقسيم العراق حتى لا يشكل خطرا على إسرائيل، هذا رغم تفاعله الإيجابي مع الفكر الصهيوني لدرجة أنه قال في حديث مع والده: "لو كنت يهوديا لكنت صهيونيا". ورد عليه والده بقوله: "ليس من الضرورة أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا". وفجأة ظهرت الصهيونية لبايدن بوجهها الحقيقي لتقول له ولغيره أن الأمور يجب أن تسير حسب ما نريد نحن، وأن كل ما قدمته لنا ليس كافيا.
وهناك بُعد آخر أعتقد أنه من مهم الإشارة إليه، وهو أن إسرائيل تعمل جاهدة منذ فشلها في حرب لبنان الثانية عام 2006 على إعادة ثقافة الهزيمة إلى قلوب وعقول العرب. واعتقدت أن توجيه ضربة سياسية لحليفتها الكبيرة الولايات المتحدة، ولجامعة الدول العربية، والدول العربية، ستكون إشارة للعرب على مقدرة إسرائيل في تحدي الجميع، وأن الأمور ستسير حسب ما تريدها هي.
وتاريخ إسرائيل في توجيه الإهانات معروفة فبعد إهانة الرئيس الفرنسي جاك شيراك عندما زار القدس القديمة جاءت إهانة السفير التركي، والآن جاء دور إهانة نائب الرئيس الأمريكي. إضافة لعشرات المرات التي أهانت فيها مسؤولين من الدرجة الثانية، بما فيهم مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل
فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل في استطاعة الولايات المتحدة وضع ضغط على إسرائيل كي تخضع لمخططاتها في المنطقة؟ الرد على هذا السؤال له وجهتا نظر: الأولى تقول أن أمريكا محكومة من جانب الحركة الصهيونية والمنظمات اليهودية الأمريكية ولهذا لن تستطيع وضع ضغط حقيقي على إسرائيل. والثانية تقول أن في استطاعة أمريكا وضع ضغط إذا أرادت ذلك.
الجواب الثاني هو الأقرب إلى الحقيقة، وكانت هناك سوابق عندما هدد الرئيس أيزنهاور دافيد بن غوريون بعد حرب 1956 بوقف المساعدات المالية  مما اضطر الأخير بإصدار أوامر بانسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء وغزة. وكانت هناك حادثة أخرى عندما رفض جورج بوش الأب منح كفالة بمبلغ عشرة بلايين دولار إلا إذا تعهدت إسرائيل بعدم استخدام هذه الأموال في بناء وتوسيع المستعمرات اليهودية على الأرض الفلسطينية. وأعطى في حينه وزير خارجية أمريكا جيمس بيكر رقم هاتف البيت الأبيض كي تتصل عليه إسرائيل عندما تقرر، وبالفعل اتصلت بعد أن قبلت الشرط الأمريكي، وخسر إسحاق شامير الإنتخابات لصالح إسحاق رابين.
ولغاية الآن كل ما قامت به الإدارة الأمريكية هو مجرد كلام توبيخ رغم أنه كلام قاسٍ، والذي سمعنا منه الكثير على مدى السنين، وكله كان بلا أنياب وبلا متابعة. هيلاري كلينتون قالت في مكالمتها الهاتفية مع نتنياهو في أعقاب حادثة بايدن: "يجب إلغاء مخطط البناء في شرقي القدس". فهل ستلاحق مطلبها هذا؟ وهل سيقبل نتنياهو تنفيذ هذا الأمر؟ إنني أشك في ذلك. وإذا لم يُنفذ ماذا ستفعل الإدارة الأمريكية؟
الواقع أن هذا الكلام سيكون بمثابة غطاء لاستمرار إسرائيل في عملية بناء وتوسيع مستعمراتها، لأنه، أي هذا الكلام، ليس فيه تهديد حقيقي باتخاذ خطوات عملية في حالة عدم إنصياع  تل ــ أبيب لمطلب واشنطن. ففي أول تعهد أمريكي، بعد طعنة بايدن، تناولته وسائل الإعلام جاء أن واشنطن ستتعهد للسلطة الفلسطينية أن البناء سيتوقف كليا طالما المباحثات مستمرة. ولكن إذا توقفت المباحثات ماذا سيحدث؟
لقد سمعنا الكثير عن غضب الرئيس أوباما، ووزيرة خارجيته، وحتى بعض أعضاء الكونغرس من أصدقاء إسرائيل، ولكننا لم نسمع عن المطالبة باتخاذ أية خطوات عملية. فقد اعتبر الكثيرون من المسؤولين في واشنطن أنه منذ وصول نتنياهو إلى الحكم وهو يتصدى للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة ولكن لم يتحدث أي شخص عن اتخاذ خطوات عملية لوضع حد لمهاترات  إسرائيل، كما تفعل أمريكا مع دول أخرى في مثل هذه الحالة.
وخلاصة الموضوع أن له عدة أبعاد: أولها هل يمكن لأوباما أن يبدأ جديا في إعادة  النظر بالموقف الإسرائيلي؟ أو هل سيصل إلى نتيجة أن تحقيق إستراتجيته في الشرق الأوسط بإقامة دولة فلسطينية تحتاج إلى موقف حاسم من إسرائيل؟
والبعد الآخر هو، أن يتحتم على العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيين أن يعوا بأن إسرائيل، غير معنية بالوصول إلى سلام عادل مع الفلسطينيين، وأنها تسير حسب إستراتيجية لتحقيق أهدافها الصهيونية التي تشمل كل الوطن العربي كلهو في حين يتعامل العرب معها بدون إستراتيجية، معتمدين على ما قد تقدمه لهم الولايات المتحدة التي برهنت على عجزها بوضع ضغوط حقيقية على تل – أبيب. والحل هو وضع إستراتيجية عربية تعتمد على المقاومة، وهي اللغة التي تفهما جيدا إسرائيل.
* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق