الاثنين، 15 مارس 2010

رسالة إلى السيد الرئيس / محمد حسني مبارك


بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة إلى السيد الرئيس / محمد حسني مبارك 
 مستشفى هايدلبرج الجامعي – ألمانيا
رسالة بالفاكس: 004962215633955
تحية طيبة وبعد
الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته. . الحمد لله الذي استسلم كل شيء لقدرته .. الحمد لله الذي ذل كل شيء لعزته .. الحمد لله الذي خضع كل شيء لملكه .. الحمد لله الذي بيده مقاليد كل شيء .. الحمد لله الذي بيده العفو والعافية ..
أيها الرئيس : أذكرك ونفسي بتقوى الله في السر والعلن ، وأذكرك ونفسي من مغبة الظلم فأنتم تدرون أنه من أشد المحرمات ، وكيف لا وقد حرمه الله على نفسه وحرمه بين عباده ، ومن منا لا يقع في الظلم سواء عن قصد أو دون قصد . . ولا أظنك تجهل عقوبة الظلم ووعد الله حين قال عن دعوة المظلوم " وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين " ولكن الكثيرين ينسونها أو يتناسونها ويتساهلون في ظلم غيرهم ، وقد تنام عين الظالم ولكن عين الله لا تنام ، فقد قال الله تعالى( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) ويقول الله تعالى في محكم التنزيل ( إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )  وكيف يفلحون وهم ظالمون, إن الظالم لا ينجح له سعي, والظلم لا يدوم, فهذا ما يقرره القرآن الكريم وما تؤكده سنن الله في خلقه, وهكذا يقول التاريخ وهكذا يقول الواقع, ولكن رحمة الله ولطفه بعباده قضت أن يعطى الظالم مهلة حتى يتذكر فيها من تذكر فإما أن يستفيق ويرد المظالم إلى أهلها ويعود إلى ربه عوداً حميداً, وإما أن يكون ممن قال الله فيهم في الآية التي ترتعد لها الفرائص, وتوجل منها القلوب المؤمنة (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)  ، (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) .
أيها الرئيس : أذكرك ونفسي بأن الدنيا ساعة قد تطول وقد تقصر ، وفي نهاية المطاف ليس لنا بد إلا من الوقوف أمام الواحد الديان ، وسيأتينا ملك الموت قابضاً فهل أعددنا لهذا اليوم ؟ (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) لا نائب ولا وزير ، لا زوجة ولا أبناء . . أيها الرئيس تذكر أن الجيش لن يرافقك إلى القبر ، ولن ترافقك كتائب الأمن المركزى ولا عساكر حكمك ، لن يرافقك إلا عملك . فهو سندك وهو المجيب ، وستسئل أنت لا غيرك فهل تستطيع الأجابة ؟ ، سيتم سؤالك عن قراراتك وقوانينك ، وعن الملايين من أبناء الشعب الذين يتضورون جوعاً ، سؤالك عن الأمراض التي استحدثت في فترة حكمك فيروس الكبد والسرطانات التي تسبب فيها بطانتك ، ستسئل عن غرقى العبارات وانهيار المباني نتيجة الرشوة والفساد المستشري في كافة الإدارات والمحليات . فهل أعددت للسؤال جواباً؟
سيدي الرئيس : إن الله قد منحك فسحة من الوقت فهل من تصرف سريع وتحرك من أجل وقف هذه القرارات والقوانين والتبرؤ من هذه التصرفات والتوبة إلى الله وطلب العفو والسماح من أبناء الشعب المصري وإعادة الحقوق لأصحابها وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وقوانين الطواريء والمحاكم العسكرية وكل ما ترتب عليها . فنصوص الكتاب والسنة تنص على أن الحاكم الجائر الظالم لا يغفر الله ظلمه إلا بالتوبة النصوح والاعتراف بالحقيقة وطلب العفو ممن ظلمهم وتعدى على شرفهم وحرياتهم ومنعهم من حقوقهم المشروعة بالكتاب والسنة وحتى بمقتضى الدستور والمواثيق الدولية.

أيها الرئيس : إن الأمور عند الله تقاس بمضامينها وجواهرها لا بأشكالها ومظاهرها, حيث يقول الله تعالى للذين يظنون أن هذه الإملاءات وهذا الإمهال, ربما كان تكريما لهم ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم به مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ ),  الأمر ليس كما يظن البعض فهذا غرور وتبجح, كلما أصابتهم نعمة ظنوا أنهم عباد الله المصطفون, الغرور بهذا الإمهال ربما كان وراء هذه الغفلة والسذاجة من الظالمين فيستمرون على ظلمهم, ويصرون على طغيانهم حتى تفاجئهم لحظة الحقيقة , واسمع ماذا يقول الله تعالى ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ ) ها قد واجهتم لحظة الحقيقة أيها الظالمون المغرورون بالرئاسة وبقوتكم وحاشيتكم التي لن تغن عنك من الله شيء ..
( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي فمرات الْمَوْتِ والملائكة باسطو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) لا جنود ولا أتباع, ولا هتافات, ولا وداع, ولا استقبال, وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ,هذه لحظة الحقيقة.
مما لا شك فيه أن الأمة الإسلامية هي أمة الشهادة على الناس وعلى الأمم وعلى الأحياء والأموات ولا أحد ضد الثناء على موتى المسلمين بالخير إن كانوا كذلك ، وإنما ضد شهادة الزور على بعض الموتى سواء رئيس أو ملك أو حاكم والشعوب العربية والإسلامية تنظر إلى شهادة الأنظمة لبعض رجالها ورموزها بعين الريبة والشك ولو صدرت من بعض شيوخ الأزهر.
إن الله سبحانه وتعالى يقص الحق وهو خير الفاصلين, وسننه نافذة لا محالة ( فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا به الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) الريح, العاصفة, الفيضانات, الزلازل, والبراكين, والمرض ، كل من جنود الله, وما يعلم جنود ربك إلا هو ، وأنت على فراش المرض هل تتذكر الشعب المصري والظلم الواقع عليه في كافة نواحي الحياة المعيشية : الفقر .. المرض .. قانون الطواريء منذ أن توليت حكم مصر في أكتوبر 1981 وما ترتب على قانون الطواريء من اعتقالات وتعذيب في السجون والعتقلات ومقار مباحث امن الدولة .. المحاكم العسكرية وأحكام الإعدام التي صدرت وتم تنفيذها بحق ابناء الشعب المصري .. الظلم السياسي .. الظلم الاقتصادي .. الفساد المستشري في كل مكان من أرض الكنانة .

 ولقد شخص القران الكريم نماذج للظلم ونهاياته ، فرعون الذي أبدع القرآن فيه، وذكره في مواضع كثيرة : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) ، فهو متأله لا يعرف إلا القتل والسجن والتشريد والاستبداد، ( مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى ) ، ( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) ، ( ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ) ، لان اتخذت إله غيري، ( لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ) ، غرور بشع، وهذه الأنهار تجري من تحتي، فماذا كانت نهايته؟ اسمع للقرآن الكريم (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)  نبذناهم كما تنبذ النواة، انظر لهذا التعبير، فنبذناهم في اليم، لم يكلفنا شيء،(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ) الذي حفظ الله فيه موسى، هو اليم الذي اغرق الله فيه فرعون، ليعرف الناس إن الحماية حماية الله وان الرعاية رعاية الله، إن الله هو الوهاب، إن الله هو الذي أعطاك المنصب والجاه، وهو القادر على سلب ما أعطاك، لخلق كله خلق الله، فلا تتكبر وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ، لتكن وجهتك إلى الله ( وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) ، لكن كانت النهاية ، (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ) لا شيء يعجز الله، المطر من جنوده والرياح والعواصف والفيضانات والأمراض ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) ، الملك ملكه وهو فعال لما يريد. انظر إلى الشعوب العربية القديمة" عاد" من الشعوب العربية القديمة، لكنها استكبرت على الرسالات، وظلمت وعتت فللأسف الناس لا يتعظ بعضهم ببعض، عاد من الأمم في الزمن السحيق، قالت كلمة ما زالت تتكرر في هذا اليوم حكما وقولا، (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ ) وثمود أيضا من الشعوب العربية القديمة البائدة، (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ) أرسلنا لهم الرسل وأنزلنا عليهم الهداية  فهديناهم أي مكناهم من الاهتداء فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى، فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون.
سيادة الرئيس: إن مسئولية الحاكم عند الله عظيمة، وعلى قدر عظم المسئولية على قدر ما كان العقاب وعقابه - سبحانه - من أشد ألوان العقوبات والمنصب في الدنيا لا يمنح الحاكم حصانة من العقاب والقصاص العادل من الله تعالى جرّاء قتل الأبرياء وسجن الخصوم بغير وجه شرعي وممارسة أبشع أنواع التعذيب على أبناء الشعب فضلا عن مصادرة حقوق الشعب المشروعة .
فلتعلم أن المظلومين المقهورين يتحرقون للقصاص من الطغاة الظلمة الذي عاثوا في الأرض فساداً وإفساداً ولكن الله تعالى – لحكمة يعلمها- شاءت قدرته أن يفلت الظالم من القصاص العادل في الحياة الدنيا لامتحان إيمان الناس ولولا حكمة الله البالغة لعجل لهم العذاب، وإن إفلات بعض الطغاة الظلمة من محكمة الدنيا إنما هو من باب الاستدراج لهم ومكر الله تعالى بهم، قال تعالى "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين" وقوله تعالى "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار" ، وقال عليه الصلاة والسلام "إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته"، فلا بد للظالم من محكمة ربانية يوم يقوم الناس لرب العالمين، واعلم أن الظلم لا يدوم، ولا بد لكل ظالم نهاية، والأحوال لا تبقى كما هي تتبدل وتتغير، أين الروم؟ وأين الفرس؟ أين هرقل؟ وأين كسرى؟ وأين فرعون؟ مهما كانت القوة بين أيديهم والغرور الذي كان يسكن قلوبهم فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

إذا عجز المظلوم عن القصاص في الدنيا فإن المحكمة الربانية يوم القيامة هي ملاذهم فهي تحفظ الملفات المكتوبة وغير المكتوبة الظاهرة على الجوارح والباطنة في سويداء القلب، قال تعالى (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون)، وقوله تعالى ( ورسلنا لديهم يكتبون ) ، وقال تعالى ( ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) ، وعندها يتعجب الطاغية الظالم من الطريقة المثلى التي حفظ بها ملفه فيقول ( ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) ، ذلك لأن الملفات في محكمة الدنيا قد تتلف وقد يتلاعب بها وقد يخرج منها جزءا ويخفي بقية الملف للإدانة، فمحكمة الدنيا يمكن فيها رشوة القاضي وشراء شهود الزور ويمكن للمجرم أن يطعن في الحكم ويمكن أن يهرب من السجن فرارا من تنفيذ العقوبة وأما المحكمة الربانية العادلة فلا رشوة فيها ولا ظلم ولا وساطة ولا طعن في الحكم ولا تبديل للأحكام الصادرة ولا مجال لشراء الشهود لأن الشهود هي أعضاء الإنسان ذاته .
وفي الأخير : أتمنى لك العافية في الصحة والدين وأن تعود لأرض الكنانة وتقوم بتصحيح الأوضاع من أجل إعلاء كلمة الله ورفع الظلم عن المظلومين وإلغاء المحاكم العسكرية وقانون الطواريء وما ترتب عليهما ، والعمل من أجل إسعاد الشعب المصري والأمة العربية والإسلامية ، وإعادة مصر للقيادة والريادة في كافة نواحي الحياة .
اللهم قد هل بلغت .. اللهم فاشهد

المرسل : ياسر توفيق علي السري
مصري مقيم في بريطانيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق