الاثنين، 15 مارس 2010

مثلث المحاصصات والانتخابات الأخيرة


رائد الحامد* 
لابد لنا من التمهيد بقراءةٍ سريعة للمشهد السياسي خلال السنوات الأربع التي سبقت انتخابات 2010 بما لها وما عليها، وضرورة إزاحة الائتلاف الحكومي الطائفي بأيّ شكلٍ كان، وبأية طريقة تتناسب مع جسامة خطر التجديد الذي يهدد الجميع بما فيها دول وشعوب المنطقة.
العمل المطلوب من جميع العراقيين، هو إسقاط حكومة المالكي بأيّة وسيلةٍ كانت، إذ لا يختلف اثنان على أنّ المالكي أثبت خلال السنوات الأربع ممارسات طائفية واضحة، ومحاولات جادة للاستفراد بالقرار وفرض شكلٍ جديد من أشكال الدكتاتورية على أنقاض ديمقراطية الاحتلال الزائفة.
السنوات الأربع لم تكن سوى تأكيد جازم لولاء المالكي المزدوج لكلّ من أمريكا وإيران، فيما غاب العراق وحلَّ مكانه بناء المجد الشخصي والحزبي له عبر الاستغلال البشع لإمكانات الدولة العراقية ونفوذ إداراتها لتقوية حزب الدعوة الذي يقوده المالكي، ومعروف إن حزب الدعوة هو حزب النخبة، ولم يكن حزباً جماهيرياً في يوم ما منذ قصة تأسيسه المعروفة أواخر خمسينيات القرن الماضي، وقد عمل المالكي منذ فترة على خلق امتدادات اجتماعية لحزبه، خاصة في وسط العراق وجنوبه، مركزاً هذه المرة على شيوخ العشائر العربية الذين أجرى معهم عشرات اللقاءات المكثفة في بغداد وغيرها من المحافظات العراقية وفي خارج العراق أيضاً، مغدقاً عليهم المزيد من الأموال في عملية استغلال بشع لواقع انعدام الرقابة على خزينة الدولة العراقية لكسب ولائهم وشراء ذممهم وأصواتهم لأغراض انتخابية تصب في صالح طموحاته الشخصية في فرض القبضة الحديدية وكتم أنفاس من يعارضه من العراقيين، ثم في صالح حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه.
المنطلق الأساسي من رؤيتنا هذه أنّ الهدف الإستراتيجي سيبقى دائماً وأبداً هو الاحتلال، وان الرهان الاستراتيجي المنطقي الوحيد هو الرهان على سلاح المقاومة، ويبقى القول إن العمل المطلوب باتجاه تحقيق الهدف المرحلي لا يعني التخفيف من الفعل المضاد للاحتلال، بل يجب أن يكون ناجماً فقط عن الجهد المضاف إلى الجهد الأصلي وليس تقليلاً من زخمه، أما تحقيق الهدف المرحلي للقوى العراقية، فهو العمل على إسقاط حكومة المالكي وإفشال عملية التجديد له لأربع سنين قادمة كما أسلفنا، وبعد أن ذهب العراقيون إلى صناديق الاقتراع دون أن يتمكنوا من إسقاط المالكي حسب النتائج الأولية، فإنّ المرحلة المقبلة ستكون أشدّ خطراً على العراق ومستقبله.
لا يجوز بأي شكل من الأشكال الاستهانة بقوة المالكي وحكومته، كما نقرأ ونسمع من الكثيرين، كما لا يجوز التسويق ثانيةً لمقولة إن حكومة المالكي حكومة وحدة وطنية غير طائفية.
يخطئ من يظن للحظة إن المالكي هو رجل أمريكا وحدها في العراق، فالمالكي هو رجل كلّ من أمريكا وإيران في ذات الوقت، وكلا الطرفان يحاولان التجديد له ثانيةً تدفعهما مصالح كل منهما للإبقاء عليه واستمرار وجوده على رأس القرار العراقي المقيد أصلاً، وقد أجاد المالكي التوفيق بين مصالح كل من أمريكا وإيران وخدمتهما معاً في العراق على حساب مصالح الشعب العراقي وأشقائه العرب.
لقد تمكنّ المالكي من بناء ميليشيات خاصة به لا تخضع لأي من سلطة الاحتلال أو الحكومة العراقية، بل تأتمر به شخصيا، وقد شكلها على خلفية خطة فرض القانون باسم لواء فرض القانون ثم تمت تسميته لواء أمن بغداد الذي يعسكر في المنطقة الخضراء، وهذا اللواء يعمل بملاك عدة فرق عسكرية حيث يبلغ تعداده أكثر من أحد عشر ألف عنصر، وهو أشبه بميليشيات إجرامية تنفذ سياسات المالكي، ومؤخراً توجهت عناصر من تلك الميليشيات إلى مدينة الموصل واختطفت عشرات الشخصيات الفاعلة لحرمان بعضها من الترشيح للانتخابات، وهؤلاء هم من المعارضين للحكومة من أبناء المدينة، وهم خيرة الاجتماعيين والدينيين والعسكريين السابقين، وقد تمَّ اقتيادهم إلى جهةٍ مجهولة دون تنسيق مع السلطات المحلية في محافظة نينوى أو علمها، وبعد أيام كررت ميليشيات المالكي ذات جريمة الاختطاف في تكريت ثم في ديالى والرمادي وبابل وبعض الأحياء المدنية الآمنة في بغداد كالسيدية والأعظمية وأبوغريب والدورة.
جملة أمور تقود قوى الضد، كالمقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأمريكي والحكومة العراقية، إلى تجربة التفاعل الجدي مع العملية السياسية لإسقاط نظام المحاصصات الطائفية أولاً والعرقية ثانياً، كهدفٍ أساسي من أولويات الهدف الاستراتيجي المركزي الذي تتبناه تلك القوى، وأمور أخرى تقود القوى السلطوية المتمثلة بالمعارضة المسلحة والمعارضة السياسية (الوطنية) للوصول إلى السلطة بغض النظر عن بقاء العراق تحت الاحتلال الأمريكي العسكري أو غيره.
إسقاط المحاصصات الطائفية منطقياً يمر عبر إسقاط دعاتها، وفي مقدمتهم الائتلاف الحكومي الطائفي الذي يقوده نوري المالكي، وبعد أنْ باتَ مؤكداً أو شبه مؤكد عن طريق الفرز النزيه أو التزوير حصول قائمة المالكي على المركز الأول، وهي النتيجة التي تؤهله لتشكيل الحكومة الجديدة، وبعد أن بات واضحاً أنّ النشاط المكثف والضخ الإعلامي الذي جيَّش الشارع العراقي الرافض للطائفية والتدخل الإيراني معاً، لم يحققْ هدفه في إسقاط الائتلاف الحكومي الطائفي، لكنه حقّق نجاحاً مهماً في كسر أحد أضلاع مثلث المحاصصة القائم، الائتلاف الشيعي الحاكم (رئيس الوزراء نوري المالكي)، والتوافق السني المشارك (رئيس مجلس النواب إياد السامرائي)، والتحالف الكردي الذي يمثل المحاصصة العرقية (رئيس الجمهورية جلال الطالباني)، حيث أقصت صناديق الاقتراع قائمة التوافق السني ليعاد تشكيل أضلاع مثلث المحاصصة الحاكم بشكله الجديد، الائتلاف الطائفي الشيعي والتحالف الكردي العرقي والقائمة العلمانية التي يقودها إياد علاوي.
ليس هناك ما يؤكد دعم قوى المقاومة المسلحة لأية قائمة انتخابية، لكن المؤكد أن أغلب قوى المعارضة السياسية القريبة من المقاومة المسلحة أو ما تسمى بالمقاومة السياسية الطامحة بأن يكون لها مكان ما في العملية السياسية القادمة، مارست علناً نشاطات مكثفة بين الجماهير في الداخل والخارج أو في وسائل الإعلام لإسقاط الائتلاف الطائفي الحاكم، وفوز القائمة العلمانية بعدد من المقاعد التي تؤهلها لتشكيل الحكومة المقبلة، وهذا التوجه لم يكن مرفوضاً من المقاومة المسلحة، بما فيها تلك التي أعلنت رسمياً مقاطعتها العملية السياسية وعدم مشاركتها في الانتخابات، كما أنها لم تمارس أي ضغط ميداني تحذيري أو مسلح أو حتى نشاط جماهيري أو إعلامي ضاغط لمنع جماهيرها من الإدلاء بأصواتهم، كما لم تحثهم على مقاطعتها.
رغم إن النتائج الرسمية لم تعلن حتى الآن، إلاّ أن النتائج الأولية أسقطت توقعات الأسابيع الماضية، وبدت الخارطة السياسية واضحة إلى حد ما في تحديد شكل الحكومة المقبلة، وقد لا تؤثر النتائج الرسمية التي ستعلنها المفوضية العليا للانتخابات على النتائج الأولية إلا بحدود غير مؤثرة على نسب الفوز للقوائم الرئيسية، وهي نسب متقاربة تعقّد إمكانية التوصل بسهولة إلى تشكيل حكومة جديدة تنال الثقة في مجلس النواب الجديد.
تشكيل الحكومة القادمة بلا شك ستكون عملية معقدة جداً، لكنها قد لا تستغرق وقتاً طويلاً كما حدث في الانتخابات التي سبقتها، إذ سيكون الأساس فيها التحالف بين القوائم لتشكيل الحكومة الجديدة التي ستبنى حتماً على الصفقات الخفية والابتزاز والمساومات والتنازلات عن البرامج والثوابت المعلنة في برامجها السياسية أو أثناء حملاتها الانتخابية، ويبقى العراق ومصيره ومستقبله هو الخاسر الأكبر، فيما ستحقق الكتل السياسية مكاسب مادية وشخصية وسياسية على حساب المصالح العليا للعراقيين، بعد أن تمكنت تلك الكتل من خداع القوى المعارضة للاحتلال والحكومة بأوهام التغيير والخلاص من الاحتلال وافرازاته والتخلص من النفوذ الإيراني في العراق.
النتائج الأولية للانتخابات أزاحت المزيد من الضغوط التي كانت تواجهها المقاومة المسلحة من أطراف سياسية تدعي قربها من المقاومة، لذلك لم تتمكن المقاومة المسلحة من دعوة جماهيرها لتبني موقفاً مماثلاً احتراماً منها لإرادة الجماهير، والتصريح بموقفها الرافض بالمطلق للعملية السياسية، وهو الموقف الذي يتناقض مع الموقف الشعبي لعموم العراقيين الذين وقعوا تحت مطرقة الآلة الإعلامية الهائلة التي غذّت عموم العراقيين بوهم التغيير عبر الانتخابات، وليس عبر الخيار المسلح كخيار طبيعي وناموس كوني تعارفت عليه الأمم والشعوب عبر التاريخ، فهل لازال العراقيون، بغض النظر عن وجود قوات الاحتلال أو عدمه، يرون إمكانية التغيير عبر ديمقراطية الانتخابات للخروج من الأوضاع المأساوية الشاذة التي خلقها الاحتلال، والتخلص من الواقع المرير الذي يجسده بأبسط أشكاله انعدام شبه تام للخدمات والاستقرار الأمني ومصير غامض ومستقبل مجهول؟، أم العودة ثانية إلى تبني خيار المقاومة المسلحة كخيارٍ وحيد يمثّل إرادة الأمم والشعوب المقهورة بالاحتلال؟، ولنا في تاريخ أمتنا العربية الإسلامية عبرةً وعظةً لمن أراد أن يعتبر.
11 آذار 2010







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق