الاثنين، 15 مارس 2010

النخب الأمريكية تتجاهل جرائمها في العراق


ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد*
     توم فريدمان Tom Friedman الذي بذل جهوداً فردية أكثر من أي شخص آخر لإقناع أكبر عدد من الديمقراطيين والمعتدلين لدعم احتلال العراق، يكتب اليوم: وجهة نظر بوش- الرئيس السابق- بأن هذه المنطقة بحاجة إلى الديمقراطية كانت صحيحة دائماً. ولكن كان يجب ومن الممكن متابعة هذا الهدف بالتخطيط الملائم والتنفيذ الجيد وعلى نحو أفضل بكثير مما تحقق. لقد صارت هذه الحرب مؤلمة وذات تكاليف عالية جداً. ولكن ما كانت الديمقراطية لتولد في بلد مثل العراق الذي لم يسبق له معرفة بها أبداً!!.. (هذا الكلام يتجاهل أو يجهل حضارة العراق القديمة، بل وحتى تاريخ العراق المعاصر، حيث تأسست الدولة العراقية الحديثة على أساس الانتخابات والبرلمان..)..
     يجادل البعض بأن لا شيء يبرر تكاليف الحرب العالية في العراق أبداً. المؤرخون سيركزون على هذا الأمر. من وجهة نظري الشخصية، وفي هذه المرحلة، ينصب اهتمامي على مسألة واحدة فقط، وهي أن تكون الحصيلة في العراق إيجابية على نحو كاف بحيث يقنع هؤلاء، ممن دفعوا الثمن الحقيقي – بفقد أو إصابة أحبائهم.. تدمير وخراب بيوت الناس وتمزيق حياتهم، سواء كانوا عراقيين، أمريكان، أو بريطانيين- بأن العراق يتطور إلى مستوى أفضل يحقق رضاهم مهما كانت التكاليف!! القناعة بأن هذه الحرب منحت العراقيين الحرية وحكومة محل "احترام"، والتي كانوا يفقتقدونا سابقاً!!.. (الحصيلة بناء نظام طائفي إثني تنتهي الانتخابات في مثل هذا النظام إلى إقامة حكومة ضعيفة مغلّفة بالعجز والفساد..)..
     من المؤلم أن هذه الحرب التي ساهمتُ في حصولها وهتفتُ لها، قادت إلى حصول مجازر ومذابح لآلاف الناس الأبرياء (على الأقل).. تهجير وتشريد ملايين أخرى.. والتدمير الكامل لبلد أخر برئ لم يفعل شيئاً ضدنا.. لكني غير معني بإشغال فكري في أي من هذه الأمور!! لا اهتم بهذه الأحداث الناجمة.. يمكن الحديث عنها عندما أكون ميتاً.. وبعد كل هذا.. فكما علّمنا القائد الإنساني العظيم جوزيف ستالين- بقوله: أنتَ لا تستطيع أن تحضر العجة omelette بدون كسر عدد من البيض!! وكما قالت "العالمة العظيمة" وصاحبة الباع في التعذيب- كوندوليزا رايس Condoleezza Rice- علينا فقط أن نغلق عيوننا برفق وهدوء بشأن المذابح الكبيرة وأفعال التدمير الهائلة التي تسببنا فيها في تلك البلاد والبحيرة الكبيرة من اللآلام التي خلقناها، بأنها قادت إلى "ولادة فجائية birth pangs" لشيء جميل على الطريق!!
     بالعودة إلى العام 2003، قلتُ (كاتب المقالة): أشعر بقوة بالسادية المتعطشة للدماء.. الغرض الحقيقي من هذه الحرب بكل مبرراتها المزعومة هي أننا أردنا أن نمتص دماء  suckأكبر عدد من المسلمين حتى نجعلهم يرون بأن غرضنا يتجسد في المصلحة الاقتصادية  business، وبأننا التقطنا العراق  بشكل عشوائي randomly picked لأننا كنا قادرين على ذلك.. (العراق محل نظر ودراسة الأمريكان منذ عقود عديدة لما قبل الاحتلال لإعادته إلى حظيرة الإمبريالية، كما كان الأمر في حلف بغداد..).. وعليك الآن.. وبغية تبرير الكميات الكبيرة من نزيف الدم العراقي التي ساهمتَ فيها وفي المعاناة البشرية الضخمة لشعب العراق.. أن تتظاهر pretend وتزعم بأنك كنت مدفوعاً برغبة نبيلة تتجسد في نشر الحرية!!
     لقد كانت مسألة وقت قبل أن يتخلى النخب الأمريكية عن جرائمهم في العراق.. بالنسبة إلى القوى الوطنية، يمكن لأمريكا أن تخطئ في التخطيط والتنفيذ ولكن لا يمكن أن تخطئ أبداً في الدوافع/ الأهداف.. ليس هناك من شك بأن تمجيد الحرب/ الاحتلال، قد تحقق بفعل الدعاية الإعلامية التلفيقية propagandistic الغربية، ولتؤول إلى عقيدة رسمية official dogma تقول  بِأَنَّ ما حصل كَانَ الشيءَ الصحيحَ المطلوب َعمَله، أَو على الأقل بأنّنا أنتجنَا شيئاًَ عظيمَاً ورائعَاً لتلك البلادِ!! وليس هناك أكثر تقززاً nauseating من مراقبة أولئك المسؤولين وهم يمجدون فعلهم الكارثي أو وفق منطق فريدمان تجاهل النتائج الكارثية لفعلهم على أهل تلك البلاد في سياق المعاناة الواسعة والضخمة التي سببوها بالاستناد إلى مزاعم ومبررات كاذبة، ولكن هذا هو سبب تفضيل داعية الحرب فريديمان لدى النخب الأمريكية.. لأنه يغذيهم بالمبررات المفبركة التي يحتاجونها حتى يشعروا بالارتياح مع أنفسهم.. إنس كل هؤلاء القتلى من الناس الأبرياء والتدمير الواسع الذي تسببنا فيه، لكن هذه الحصيلة ستمارس دورها وفعلها في آخر المطاف..
تحديث:
     يُجادل العِديد من الإشخاص في تعليقاتِهم بِأَنَّ هذا الجُهدِ لتَصوير إحتلالِ العراق كشيء جيد مَدفوع، لَيسَ فقط بالرغبة في التبرئة الذاتية من المسؤوليةِ، لكن أيضاً لتَسهيل حدوث حروبِ مماثلةِ في المستقبلِ.. أنا لا أَعْرف فيما إذا كان ذلك هو الدافع لَكنَّه بالتأكيد يترك تأثيره بأن احتلال العراق أدى على نحو واسع إلى كارثة شنيعة تجعل من الصعب تكرار مثل هذه الغزوات مستقبلاً. من ناحية أخرى فالنتائج الضخمة التي حققتها الحرب للنخب/ المصالح الأمريكية َ تَجْعل الأمر أكثر سهولة بالضرورة لتَبرير الحروبِ المستقبليةِ في تلك المنطقةِ. وبعد كل ما حصل، في حالة الهجوم وغزو بلدانِ إسلاميةِ لا نقبلها، ونعمل من أجل تغيير حكوماتها، وعلى أساس زعمنا بأن ما تحقق هو عملً طيب وصحيح.. ألا يَجب أنْ نَستمرَّ في ذلك؟
ممممممممممممممممممممممممـ
* ترجمة موجزة بتصرف..

American elites abandon their faux regret over Iraq,Glenn Greenwald,uruknet.info, March 10, 2010.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق