الاثنين، 15 مارس 2010

المفاوضات غير المباشرة خداع وفشل من جديد


رشيد شاهين
أصبح من الواضح ان السلطة الفلسطينية، تعرضت وما تزال لضغوط أميريكية وغربية مختلفة، من اجل العودة إلى طاولة المفاوضات، وأصبح أيضا واضحا بان تلك الدول مارست ضغوطا على الدول العربية، من اجل ان تمارس هذه ضغوطا أخرى على الطرف الفلسطيني من اجل هذه العودة، بغض النظر عما قيل من ان الطرف الفلسطيني هو من لجأ إلى الدول العربية والجامعة العربية، من اجل توفير غطاء لمثل تلك العودة التي بات واضحا انها غير محببة أو مرغوبة في الشارع الفلسطيني، خاصة بعد ان كانت نتيجة سنوات التفاوض الطويلة معروفة للجميع، وبعد ان صرح أكثر من طرف فلسطيني، سواء شارك وأيد تلك المفاوضات، أو عارض ولم يشارك فيها، بأنها مفاوضات عبثية وغير مجدية ولم تؤد إلا إلى مزيد من تآكل وضعف الموقف الفلسطيني كما يتم تآكل الأرض الفلسطينية.
الموقف الفلسطيني الذي تم الإعلان عنه بعد زيارة بايدن احتجاجا على ما أعلنته حكومة الاحتلال عن بناء آلاف الوحدات الاستيطانية وما حدث من هرج ومرج من قبل الطرف الاميريكي لن يغير من الأمر كثيرا -حتى لا نقول شيئا- خاصة في ظل ما قيل عن قبول الولايات المتحدة للتفسير أو لنقل الاعتذار الإسرائيلي فيما يتعلق بالإعلان عن ذلك تزامنا مع الزيارة هذا التفسير الذي اعتبره البعض أكثر من كاف لعودة الطرف الفلسطيني عن موقفه.
هذا الموقف المعلن للطرف الفلسطيني بعدم العودة إلى المفاوضات لن يصمد طويلا، خاصة وان هذا الطرف عود الجميع على التراجع عن مثل هذه المواقف، وبالتالي فان العودة إلى التفاوض – غير المباشر – هي عودة آتية بدون أدنى ريب ولن تستغرق الكثير من الوقت، ومن هنا فان شيئا لم يتغير ربما سوى التوقيت. ولن يكون مستبعدا ان يتراجع الطرف الفلسطيني عن موقفه خلال الزيارة المرتقبة لجورج ميتشل والتي ستبدأ خلال يومين.
الحديث عن مفاوضات غير مباشرة في المرحلة المقبلة هو كمن يمارس الضحك على نفسه، خاصة في ظل تجربة طويلة مع الخداع الإسرائيلي الذي استمر على مدار 18 عاما من المفاوضات، ولا ندري كيف يمكن لمفاوضات غير مباشرة أن تؤدي إلى نتيجة أفضل مما كانت عليه نتيجة المفاوضات المباشرة التي استمرت كل ذلك الوقت.
الحكومة الإسرائيلية التي لم تضع الكثير من الوقت بعد إعلان الجانب الفلسطيني مدعوما بالموقف العربي عن الموافقة على العودة إلى المفاوضات، حيث أعلنت إسرائيل عن قرارات تتعلق ببناء آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات الإسرائيلية، كما ان رئيس الوزراء الإسرائيلي قال بأنه لن يكون هناك قدس شرقية وأخرى غربية خلال الفترة القادمة وان القدس سوف تصبح كما يافا، وفي هذه المواقف فان بالامكان معرفة النوايا الإسرائيلية التي لم تكن أبدا – حسنة- والتي كانت تطمع دوما في السيطرة على الأراضي الفلسطينية كاملة وتفريغ هذه الأراضي من أهلها وهي الفكرة الأساسية التي قامت عليها دولة الاغتصاب على أي حال.
موافقة الجانب الفلسطيني على العودة إلى المفاوضات كانت كما بررها السيد صائب عريقات على إحدى الفضائيات العربية تأتي على خلفية إحراج الحكومة الإسرائيلية وحتى لا يقال بان الجانب الفلسطيني هو من يرفض التفاوض، وكذلك من اجل وضع العالم في صورة ما سيجري خلال الفترة القادمة ومن اجل كشف الخداع الإسرائيلي.
الحقيقة ان إسرائيل وخاصة خلال الفترة القريبة الماضية كانت محشورة في الزاوية وخاصة بعد الحرب على غزة وبعد تقرير غولدستون، إلا انها استطاعت بحسب ما نرى ان تقلب الموقف لتضع الطرف الفلسطيني ومن خلفه العربي في الزاوية وأنها – إسرائيل- إنما تجنح إلى السلام في حين ان الطرف الفلسطيني والعربي هو من يرفض اليد الإسرائيلية الممدودة، وهنا لا بد من التساؤل عن الكيفية التي من خلالها يمكن للسلطة الفلسطينية ومن خلفها امة العربان ان يتسببوا في المزيد من الإحراج لدولة الاغتصاب فيما لو لم تؤت – وهي لن تؤت- المفاوضات ثمارا يقبل بها أبناء الشعب الفلسطيني.
وبالعودة إلى هذا النمط أو الطريقة الجديدة في التفاوض أي – غير المباشر- إنما هي محاولة لدفن الرؤوس في الرمال، خاصة واننا جميعا نعلم بان هناك من العلاقات التي أصبحت – تاريخية- بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي خلال أعوام المفاوضات الطويلة، وان الإعلان عن قبول مثل هذه العودة تهدف فقط إلى امتصاص غضب الشارع الفلسطيني والعربي في ظل مواقف متشددة تم إطلاقها من قبل القيادة الفلسطينية في عزمها على عدم العودة إلى المفاوضات إلا إذا توقفت إسرائيل عن إنشاء المستوطنات وإعلان تجميد كل القرارات المتعلقة بهذا الموضوع.
الطرف أو الأطراف العربية التي أيدت  ودعمت ودعت إلى العودة إلى مفاوضات مع إسرائيل هي في الحقيقة أطراف لا تملك الكثير من الخيارات، خاصة واننا نعلم بأنها عندما أطلقت المبادرة العربية لوحت وهددت وغضبت، لكن ماذا كانت النتيجة،  إسرائيل تفهم بان قادة العربان لا يملكون إمكانية للغضب، وهم وان غضبوا فهم لن يفعلوا شيئا، لأنهم يتصفون بضعف شديد وتبعية كاملة للسيد الأميريكي، ويتمتعون في الأغلب بعلاقات حميمة مع قادة الكيان، عدا عن ان قادة العربان لا يملكون من الخيارات الكثير ولا حتى القليل، فمن يقول باننا سنعطي للمفاوضات أربعة أشهر عليه ان يمتلك البدائل والتي منها الاستعداد للحرب فهل لدى امة العربان مثل هذه "الجهوزية" والاستعداد.
خلال فترة الشهور الأربعة التي منحها العرب لإسرائيل، سوف تستمر إسرائيل في مخططاتها التي أعلنت عنها، وهي سوف تمارس المزيد من السياسات المسيئة للعرب والفلسطينيين، ولن يكون بإمكان هذه الأطراف ان تفعل شيئا، وإسرائيل تدرك ذلك جيدا، لأنها خبرت هذه الأمة منذ تم تشكيلها، العرب يقولون ولا يفعلون وإسرائيل تمارس ما تقوله على الأرض أمام أنظار العرب والعالم، هذه هي الحقيقة التي لا يريد الطرف العربي أو الفلسطيني الاعتراف بها.
ما يسمعه العرب من ضجيج إعلامي أمريكي لا يسمن ولا يغني من جوع، فالعالم لا يعترف بالضعفاء، وقد سمعنا ضجيجا عاليا عندما جاء السيد اوباما إلى السلطة، إلا ان هذا الضجيج خبا وخفت شيئا فشيئا إلى ان تلاشى مع أول تجربة وتراجع الرجل عن كل ما كان لوح به أو أفصح عنه. اميريكا لن تقف في الخندق العربي على الإطلاق وقد سمعنا نائب الرئيس الاميريكي عندما تحدث مخاطبا الطلاب في تل أبيب متمنيا لو كان يهوديا صهيونيا، انه بذلك يؤكد على الانحياز الواضح والصريح إلى الموقف الإسرائيلي وهو لا يخجل في الإعلان عن ذلك برغم انه يأتي إلى المنطقة على أساس انه وسيطا محايدا، ان من غير المتوقع لرجل مثل بايدن ان يكون نزيها أو محايدا وهو احد الذين دعموا وأيدوا بدون حدود الحرب على العراق وإنهاء هذا البلد عن الخريطة العربية لما يمثله من تهديد ليس كما قالت اميريكا بل لما قد يشكله العراق في المستقبل من تهديد لدولة الكيان الغاصب.
ما لم يتحقق خلال سنوات التفاوض الطويلة لن يتحقق خلال الشهور الأربعة القادمة، وبالتالي فان من المصلحة الفلسطينية ان لا تتم مثل هذه العودة إلى المفاوضات، وبدلا من ان يتم تضييع المزيد من الوقت في مفاوضات معروفة النتائج سلفا فانه يجدر على الأطراف الفلسطينية كافة، ان تبحث في الكيفية التي من خلالها يمكن إنهاء الانقسام الفلسطيني لأنها بذلك إنما تسهم في تقوية الموقف الفلسطيني ليس في وجه الضغوط العربية والخارجية وإنما تسهم أيضا في تحصين البيت الفلسطيني أمام أية تدخلات أو ضغوط قد تمارسها دولة الاحتلال.
14-3-2010


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق