الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009

نحو مؤتمر بال فلسطيني (10)

ترجمة الفصل الخاص

بمبادرة جنيف

د. أفنان القاسم / باريس

يجب أن نعرف أولا وقبل كل شيء أن الفلسطيني ياسر عبد ربه والإسرائيلي يوسي بيلين اللذين أعدا خطة السلام هذه غير الرسمية لم يمكنهما القيام بأي اتصال بينهما دون موافقة الموساد، فكان لهما هذا الجهاز القوي بأهدافه وسلطاته ضمانا، وكان هناك بالتالي خط لا يمكن تجاوزه. وما توصل إليه من نتائج أقر به جهاز المخابرات الإسرائيلية قبل أي جهاز، من هنا يأتي كل الشك وكل الحذر اللذان أتعامل بهما مع هذه النتائج. ويجب إضافة أن عبد ربه يجري مفاوضات ليست رسمية، سأقول عنها شخصية، وبالتالي لا يلزم الاتفاق إلا شخصه، ولن تكون له بأي حال من الأحوال الأهلية القانونية للبت في مسائل حيوية يتوقف عليها مستقبل الشعب الفلسطيني ووجوده نفسه.

كل الضجة التي أثيرت حول مبادرة جنيف ليست دون حسابات سياسية فائقة الخطورة، وهي تضر بشرعية الشعب الفلسطيني وأمنه ووجوده، بقضيته وكفاحه من أجل الاستقلال منذ أحوال وأحوال. مع عبد ربه ونايف حواتمه من قبله، الشريكين القديمين في الجبهة الديمقراطية، دوما ما كان أمر "تدجين" الرأي العام الفلسطيني أمرهما، فقد كان من عادتهما أن يرمياه بشعارات مثل "كل السلطة للمقاومة" (لتهيئة كارثة عمان)، "الدولة الديمقراطية" (لتهيئة كارثة لبنان)، "دولتان لشعبين" (لتهيئة كارثة أوسلو)... الخ، وذلك من أجل التمهيد لخطط مريبة يتبناها عرفات وأتباعه فيما بعد – وقد مضى الاستياء الشعبي مع رد فعل الناس الأول، أو، على الأقل، اتخاذه ذريعة لحسابات دنيئة وشنيعة تؤدي إلى التركيع والتخلي. التنازلات التي جرى تقديمها في هذه الخطة فيما يخص الحدود، القدس، وخاصة اللاجئين، لهي إشارة أولى، خطوة أولى من أجل تحقيقها بالفعل، وتصفية القضية الفلسطينية تصفية كاملة، فعلية، ونهائية. ودعم عرفات "للمخلص" له دوما برهان على ما أجملته. وهو دعم مصاحب لكل ما هو مفسد في السياسة، والذي ستتبعه بعد تكييف الشعب سلسلة من الإجراءات الاستسلامية التي لا نظير.

الحدود:

أقرأ بهذه الخصوص: "القاعدة التي يقوم عليها تخطيط الحدود هي الخط الأخضر، خط الهدنة 1948، وهو مشترك الطرف مع تبادلِ أراضٍ لأجل حل أكثر مسائل الصراع تعقيدا، مسألة المستعمرات اليهودية." وأقول على الفور مبدأ تبادل الأراضي لأجل حل مسألة المستعمرات مرفوض مقدما للأسباب التالية:

أولا وقبل كل شيء، ليست المستعمرات إحدى المسائل الأكثر تعقيدا، كما يدعي المتفاوضان السابقا الذكر، لقد أصبحت كذلك، وهي ليست معقدة إلى هذه الدرجة. من داخل منطقي الإتحادي بين الفلسطينيين والإسرائيليين تُحل هذه المسألة بعدة سطور. في الواقع، تمثل هذه المستعمرات جسدا غريبا في امتداد متجانس، الاحتفاظ بها تحت السيادة الإسرائيلية حتى بتبادل أراض أخرى لن يحل من المشكل شيئا، فهي ستبقى جسدا غريبا، وبسلام أو بغير سلام، ستثير رفضا دائما من طرف السكان العرب. ثم، تبادل ماذا بماذا؟ ليس هناك تحديد "محدد". هناك ذكر ل "يقوم هذا التبادل على قاعدة التكافؤ"، ولكن أين؟ على مقربة من المدن والقرى الإسرائيلية كما هو حال مدننا وقرانا يا حبذا، ولكن في "جنوب الضفة وخاصة على طول قطاع غزة"، يعني في أماكن صحراوية ومنعزلة، لا، شكرا. سيحتفظ الإسرائيليون كما هو واضح جدا بأحسن مستعمراتهم في أحسن الأمكنة: جيفات زيف وجيلو في القدس الشرقية، ومعال آدومنين أكبر مستعمرة في الضفة الغربية، وتجمع غوش اتزيون حيث قسم كبير من هذا التجمع ومستعمرات أخرى تلاصق الخط الأخضر. وماذا يبقى؟ سيقول لي المتفاوضان المستحمران: مستعمرات قطاع غزة. ولكن شارون بقراره إخلاء هذه المستعمرات "مجانا" قد أفرغ هذا الاقتراح من كل فحوى وكل مصداقية. وبالنسبة لباقي المستعمرات التي تم "إخلاؤها وتركها سليمة للفلسطينيين" يغرينا ذلك بالضحك! وللعلم إنه ضحك أسود، لأن هذه المستعمرات التي تركت سليمة "ستُملأ" باللاجئين وحقهم في العودة قد تمت تلبيته!

إذن تبادل الأراضي أمر جائر وظالم وغير منصف، أضف إلى ذلك كما سبق لي وقلت، هذا المبدأ التعسفي مرفوض من طرف الشعب الفلسطيني لأنه يكرس تفتيت فلسطين المستقبل. إنه يُبقي سيادة الجيش الإسرائيلي مع فارق بسيط: بدلا من أن ينتشر الجنود الإسرائيليون في كل مكان من الأراضي المحتلة، تجدهم مجتمعين في نقاط استدلال استعدادا منهم للانقضاض عند أقل أمر كما كان الحال مع تلك الانسحابات التي تمت عشرة أمتار حول مدننا وقرانا حسبما اشترطته اتفاقيات أوسلو. إنه شكل أكثر تكتما لانسحاب القوات الإسرائيلية، أقل إضعافا للمعنويات، وخاصة أقل كلفة. وفي هذا الاتجاه، تتكلم مبادرة جنيف عن "قوة متعددة الجنسيات" ترابض في المناطق الفلسطينية التي تم الانسحاب منها. يمثل هذا هموما أقل ونفقاتٍ أقل للعساكر، وفي المقابل يجري تطويق أكثر وإخضاع أكثر للفلسطينيين. لأن ما ينادي به المتفاوضان السابقا الذكر هو فلسطين منزوعة من السلاح، فلسطين في الواقع مسلحة بحضور الجيش الإسرائيلي الخفي أو الحضور الساطع لهذه "القوة المتعددة الجنسيات". ولنضف إلى ذلك "ممرا تحت السيادة الإسرائيلية يقضي بربط غزة بالضفة الغربية"، مع "حق النظر" الإسرائيلي إلى "حركات المتاع والأشخاص في نقاط العبور" و "محطات إنذار"، قواعد حراسة لمدة عشر سنين. وماذا أيضا؟ ما يرمى إليه هنا هو تشريع "نظيف" للاحتلال ومواصلته عشرة أعوام أخرى. بعد ذلك سنرى. وكل شيء ممكن مع القادة الإسرائيليين الذين يمكنهم اختراع أي شيء لتجديد هذه المدة إلى ما لا نهاية. الحقيقة أن هذه المبادرة تكرس الاتفاقيات الجائرة السابقة، ولكنها تعود خاصة إلى أخذ كل المواضيع التي جرت مقاربتها في طابا وعلاجها بمكر ونفاق بشكل أكثر ذكاء لا أكثر.

وعندما يتحدث عبد ربه وبيلين عن روزنامة "قصيرة" للانسحاب قوامها ثلاثون شهرا (ومع ذلك ثلاثون شهرا مدة طويلة جدا جدا) يأتيان "باستثناء"، وفي هذا النوع من الاتفاقيات غير العادلة هناك استثناء دوما: "وادي الأردن الذي سيكون موضوعا لمعالجة خاصة." بالتأكيد! نعود هنا إلى روح الاتفاقيات حول الاتفاقيات لأجل تقنيع جشع وشراهة إسرائيل الرسمية ومراميها الاستراتيجية والاقتصادية.

القدس:

أقرأ بهذا الخصوص: "تتم تسوية وضع القدس حسب مبدأ كلينتوني، يعني سيادة فلسطينية على المناطق المأهولة بأغلبية فلسطينية وسيادة إسرائيلية على المناطق المأهولة بأغلبية إسرائيلية. وينتج عن ذلك التقسيم السياسي للمدينة حيث يستطيع كلا البلدين إقامة عاصمتهما المعترف بها من طرف الجماعة الدولية."

هذا المبدأ الجائر الكلينتوني كما يدعى نسبة إلى الرئيس الأميركي السابق كلينتون لا يمس القدس الغربية لا من بعيد ولا من قريب حيث لا يوجد فيها أي حضور عربي. لماذا يتم إخفاء ذلك ولا يقال "بشجاعة" إن ما يرمى إليه هو تقسيم السيادة بين الإسرائيليين والفلسطينيين على القدس الشرقية، القسم الذي تم غزوه من طرف إسرائيل عام 1967 والمستعمر جزئيا قبل ضمه؟ ها نحن نعود إلى مسألة المستعمرات، حصان طروادة، للانتقاص من أمر السيادة التي تعود إلى الفلسطينيين كاملة على القدس الشرقية عاصمتهم دوما. ولكن ها نحن نرجع أيضا إلى مشاكل أخرى عندما أقرأ: "لا تفلت القدس القديمة من هذا التقسيم. ستمارس إسرائيل سيادتها على الحي اليهودي والكوتل وحائط المبكى."

لقد كانت هذه الأماكن دوما وأبدا تحت حماية الإدارة الأردنية، وبشكل مضمر الفلسطينية، لماذا تمضي الآن تحت السيادة الإسرائيلية؟ تتعايش الديانات الثلاث في القدس القديمة منذ فجر التاريخ وحمايتها تعود للمؤمنين أنفسهم وللهيئات الدينية. إذن هذا المبدأ مرفوض. ومرفوضة أيضا رقابة "فريق دولي" لساحة المسجد الأقصى للسبب نفسه. وعلى العكس، أتفق تماما مع ما "ستشكله البلديتان من لجنة تعاون وتطوير للقدس مسؤولة عن مسائل البناء المشتركة والماء والنقل والاقتصاد والشرطة"، يعني كل شيء. من الواجب إذن حل مسألة القدس: عاصمتان، إدارتان، مدينة واحدة، حسب هذه القاعدة وفقط حسب هذه القاعدة الإدارية لا الإثنية أو العسكرية. وبهذا الخصوص، كل ما يتعلق بمداخل الأماكن المقدسة كما هو محدد في الفصل الرابع من هذه المبادرة، هذه الأماكن المقدسة أينما كانت موجودة، في الخليل، في بيت لحم، أو في أي مكان آخر، يجب أن يعالج إداريا دون أي حضور مهما كان صغيرا لقوة دولية أو غيرها.

اللاجئون:

أقرأ حول هذا الموضوع: "يستطيع اللاجئون ممارسة حق عودة في إطار الدولة الفلسطينية بعد قيامها سواء أكان ذلك داخل الخط الأخضر أو على قطع الأرض التي تخلت عنها إسرائيل. ويستطيعون أيضا اختيار بلد ثالث، إسرائيل، أو البقاء أخيرا في البلد الذي يوجدون فيه."

متفق تمام الاتفاق.

ولكن إذا دخلنا في تفاصيل هذا العرض المشرف سقطنا في حسابات سياسية وفقد هذا البند كل شرف.

أقرأ: "إلا أن لإسرائيل تبقى اليد العليا في تحديد عدد اللاجئين الذين تسمح لهم بدخول الأراضي الإسرائيلية." يعارض هذا حرية الاختيار التي عناها العرض المذكور. وإذا كان عدد اللاجئين هذا المسموح لهم عشرة أشخاص؟ سيجد الوفدان غير الرسميين مخرجا عند الحديث عن "معدل": "تحسب القاعدة المتبعة في هذا الشأن ابتداء من متوسط اللاجئين المقبولين من طرف كل بلد من بلدان الاستقبال الجديدة." وإذا كان متوسط اللاجئين المقبولين مائة؟ لا، كل هذا ليس بالشيء الجاد. يحاول المبادران تصفية هذه المسألة بكل السبل وبأحط ثمن، علما بأن حق العودة حق مقدس معترف به دوليا، ولا يجدر بحال التضحية به على المذبح الإسرائيلي. لا حق لأحد في القيام بذلك، لا من الناحية الإسرائيلية لمسؤوليتهم التاريخية في هذه الفاجعة الفريدة من نوعها، ولا من الناحية الفلسطينية لالتزامهم التاريخي أيضا في الحفاظ على هذا الحق الأكثر من مقدس والدفاع عنه، الحق الجوهري في حياة كل فرد في العودة والإقامة حيث يريد العيش بحشمة وكرامة. بالنسبة لي، عودة الذين يؤثرون هذا الحق الوطني والإنساني لا تعني نهاية دولة إسرائيل، ولا تهدد بالخطر وجودها، لا تمحو صفتها الإثنية. سأعرض كيف ولماذا في خطتي.

أما فيما يخص بند التعويض و التمويل فما ذلك سوى ترقيع لا أكثر ومسخرة صرفة.

* أفنان القاسم: خطتي للسلام، الاتحاد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، دار لارماطان، باريس، ص ص94-100

ترجمة د. بريجيت بوردو – مونتريال

www.parisjerusalem.net

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق