الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009

بيت صدّام هو بيتنــــــــــــــا

بقلم: خليفة شوشان

ومن نكد الدنيا على امرئ أن يرى" صديقا" له ما من "عداوته" بد

(المتنبّي بتصرّف).

هذا شأننا مع بعض أبناء جلدتنا في هذه الأرض الممتدّة من محيطها إلى خليجها، لقد صارت استغاثة الرسول الأكرم إلى ربّه بأن يحميه من شرّ أصدقائه أمّا أعداءه فهو كفيل بهم على كلّ فمّ يستجير بها الرجال من شرّ الخفافيش والغربان التي تظهر بعد أن تضع الحروب أوزارها ويجندل الأبطال في معارك الحريّة والكرامة لتمتصّ الدماء من أوردة الأمة النازفة وتنهش لحمها إرضاء لأسيادها وأولياء نعمتها..

نعلن أوّلا أنّنا نكتب هذا الردّ من باب الدفاع عن الأمّة وليس من باب الدفاع عن الأشخاص مهما كانت مكانتهم في قلوبنا أو مهما بلغ مدى إعجابنا بهم وافتتاننا بشمائلهم وخصالهم، ببساطة لأنّ هؤلاء الأشخاص قد انتدبوا لخدمة قضايا أممهم والتضحية بالنفس من أجل أوطانهم، ولا أظنّ العكس يصح بأن تصبح الأوطان مزارع للأشخاص تسخر لخدمتهم ولخدمة من حولهم من المنافقين والطمّاعين المتكالبين على فتات الموائد..

لقد كتبنا على إثر اغتيال الرئيس صدّام حسين دراسة قاربنا فيها المسألة من وجهة نظر تأثير هذا الاغتيال الإجرامي الذي يعكس قدرا كبيرا من الساديّة والعدوانيّة التي تذكرنا بحفلات الموت القروسطيّة، تأثير هذا الحدث وتداعياته على الفكر القومي العربي أوّلا وعلى الواقع العربي عموما ولعلّنا نلخّصنا في الفقرة التالية:" إنّ اعتقال القائد الكاريزمي و النموذج الذكوري العربي الأكمل الشهيد صداّم حسين و الإمعان في إذلال الرجولة و الكرامة و البطولة العربيّة من خلاله.. وخاصة لحظة إعدامه بتلك الطريقة التراجيديّة مثّلتا كسرا للنظام "الجندري" العربي بقدرما أحدث رجّة في الضمير القومي العربي، فإنّه وفي نفس الوقت مثّل لحظة إعتاق للنموذج الفحولي العربي من قبضة الاستثناء المحرجة. فالبطل في المخيال الجمعي العربي يستشهد ولكنّه لا يؤسّر أو يهان..إنّ لحظة الإعدام وما رافقها وحفّ بها من تناقضات تعكس حال الأمّة العربيّة(من خلال التجسيد الحسّي للرؤيا الإبراهيمية والتضحية بالابن يوم العيد) و استعادة للجريمة الأولى في التاريخ وإنعاشا لغرائز الموت في داخلنا..."

لا أتصوّر أنّ ذلك الكهل العتيق صاحب تسريحة شعر "ذيل الحصان" سابقا، ولا الصبيّ اليافع الخارج لتوّه من تحت جبّة والده واللذين انبريا للدفاع عن سلسلة "بيت صدّام" بإمكانهما اتهامي بــ"القومجيّة" والشوفينيّة كما يحلوا لأرهاط المتفسّخين من المثقفين العرب أن يشتموا حرّاس الأمّة ورجالها..أمّا عن شوقي الماجري فنقول له أنتبه لما تقول فانت لست نكرة يبحث عن الاعتراف ويتوسّل الشهرة..أمّا ملاحظتك عن الجوانب الفنيّة فنذكرك أنّك خير العارفين بأنّ التقني يبقى دائما جسرا وقناة يتوسّل بها الفنّان لإبلاغ فكرته.. فلا تتذاكى علينا كثيرا، فيكون مثلك كمثل البدوي الذي سئل أيّهما أصدق معاوية أو عليّ ؟؟ فردّ " الطعام مع معاوية أدسم والصلاة وراء عليّ أأجر" أم أنّ هدوؤك النسبي كان مقدمة لولوج "عرين صدّام ".

إنّنا نعلن من دون مواربة أنّ باب التأويل والتقييم وإبداء الرأي مفتوح على مصراعيه لجميع أبناء الامّة لإعادة قراءة تاريخهم الحديث بكلّ ما فيه من وثبات وانتكاسات من أجل الوقوف على الأخطاء واستلهام العبرة واستئناف مسيرة الكفاح والبناء على درب الوصول بالراهن العربي إلى أهدافه المتمثلة في تحرير الإنسان والارض واعتاق العقل العربي من وعي الهزيمة والاستسلام الذي تحاول القوى الاستعمارية تأبيده وترسيخه أمرا واقعا يستجيب للنظرة الدونيّة العنصريّة التي كرّسها الإستشراق عموما وعلى رأسه "الإستشراق البريطاني" العنصري، الذي يرى العرب باعتبارهم قوما همجا ميالون بطبعهم إلى الفوضى والعنف واحتقار المرأة، تقودهم أهواؤهم ورغباتهم وشهواتهم الجنسيّة ويتراجع العقل عندهم حدّ الانعدام، كسولون لا يحبّون العمل ويكرهون النظام، إذا تركتهم لحريتهم يفسدون في الأرض لذلك لا تنفع معهم إلاّ الشدّة والقوّة..(بإمكانكم مزيد الإطلاع على صورتنا عندهم بالرجوع إلى كتاب "الإستشراق" لإدوارد سعيد /خاصة ملاحظات بلفور حول مصر).

ماذا تركوا للحيوان..؟؟

إنّ المتابع لسلسلة "بيت صدّام" التي تبثّه قناة "نسمة تي في" لصاحبها ووليّ نشأتها "المافيوزي" سلفيو بارلسكوني ثالث المجرمين بعد "بوش وجروه بلير" الذين دمّروا العراق وسرقوا آثاره وقتلوا أطفاله وهتكوا ستر نسائه ورجاله، برلسكوني رئيس الوزراء المرفوعة عنه حصانته في بلاد الطليان لوضاعة سيرته الماليّة والتلاعب الحاصل في حساباته الأخلاقيّة والمنتجة من طرف قناة "البي، بي، سي" البريطانيّة، لا يستغرب تلك الطريقة الوقحة التي صوّرت بها شخصيّة الرئيس العراقي صدّام حسين، ولا الأسلوب الكاريكاتوري الذي يقطر عنصريّة الذي صيغت به سيرته الذاتيّة بكلّ ما يحفّ بها من علاقات عائليّة وعشائريّة واجتماعيّة ومن روابط وخلافات سياسيّة حزبيّة و من صراعات وحروب عربيّة ودوليّة..إنّ الطريقة والأسلوب التي صيغت بهما السلسلة البريطانيّة لم تكن تتناول شخصيّة صدّام حسين لوحده وإنّما كانت من خلاله ترسم صورة العربي والشرقي النمطيّة بحيث يصبح صدّام حسين نموذجا ومثالا يعكس السمات المميّزة والصفات الثابتة والملازمة "للعرق العربي" القائمة على الفوضى والتخلّف والعدوانيّة والشبقيّة.. وللتدليل على ما نقول ليتسع صدر القراء وليسمح لنا الكهل والصبيّ وبعض الإنسانيين والديمقراطيين جدا ممن انتصبوا للدفاع عن "نسمة الإستشراق الجديد" تحت مسمّى حريّة التعبير، الاستشهاد بهذه الفقرة المقتطفة من الملاحظات التي كتبها العنصري "بلفور" ..نعم "بلفور" نفسه صاحب الوعد الشهير( وعد من لا يملك لمن لا يستحقّ) الذي منح بفضله أجداد بطل "السلسلة الفضيحة" المثل الإسرائيلي متقمّص شخصيّة الشهيد صدّام حسين أرض فلسطين، و يقول فيها موضحا عدم صوابيّة إعطاء حكم ذاتي لشعب مصر مبررا ضرورة مواصلة بريطانيا سياستها الإستعماريّة :"...ويمكن أن تنظر إلى تاريخ الشرقيين بأكمله فيما يسمّى بشكل عام المشرق..دون أن تجد أثرا لحكم الذات على الإطلاق. كلّ القرون العظيمة التي مرت على الشرقييّن – ولقد كانت عظيمة جدا- أنقضت في ظلّ الطغيان، ظلّ الحكم المطلق. وكلّ إسهاماتهم العظيمة في الحضارة الإنسانيّة، أنجزت في ظلّ هذا النمط من الحكم. فقد خلق فاتح فاتحا، وتلت سيطرة سيطرة، غير أنّك في دورات القدر والمصير كلها لا ترى أمّة واحدة من هذه الأمم تؤسس بدافع من حركتها الذاتيّة ما نسميه نحن، من وجهة نظر غربيّة، حكم الذات، هذه هي الحقيقة، وليست القضيّة قضيّة فوقيّة أو دونية.."

هذه هي الحقيقة!!! هكذا يقول العنصري "بلفور" بكلّ بساطة.. حقيقة الشرق التي كتبها عليه القدر والمصير بأن لا يحكم إلاّ من الخارج ولا يزدهر إلاّ تحت حراب وبنادق المستعمرين، أمّا مقولة الحكم الذاتي أو الاستقلال والتأسيس للحركة الذاتيّة فذاك شأن الحضارات الراقية والأعراق الأوروبيّة الغربيّة الحرّة والذكيّة كما شاء لها القدر والمصير أن تكون !!

يقول ولد لمينا النهدي في ردّه على سؤال الصحفي بجريدة الصريح سمير الوافي "إذن هل نشارك في صياغة الموقف الغربي المعادي ونعبّر عنه؟؟": " الفيلم وجهة نظر غربيّة"(عرفها لوحيّد!!) لكنّه قريب جدا من الواقع، لم يتحامل ولم يتجنّ(سعدي بيه) بل قارب الحقيقة (حقيقة عمّك بلفور)..

و يواصل (العزري)حقيقة من يستعمل "العقل أكثر من العاطفة والمنطق أكثر من الشعارات" أو هي حقيقة (عمّو خميّس اللطف عليه وعينوا ما تضرّوا الّي ولّى يقلق برشة من كلمة " العروبة")..

في سبعينات القرن المضي قال أحد قادة النضال الفلسطيني أظنّه وديع حدّاد "إنّ أكثر ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر ".

لعلّه المال -لعنة اللّه عليه- ذلك الفيروس الفتّاك الذي ينخر الضمائر ويصرع المبادئ ويقتل إنسانية الإنسان.. مرّة أخرى ليس دفاعا عن صدّام فهو ليس في حاجة لكي ندفاع عنه، لأنّه وبكلّ بساطة من طينة رجال قلّ أن يجود بمثلهم الزمان(شماتة في خمّوس) بما له وبما عليه.. إنّ العيون الغبيّة والمهانة التي تطيل النظر إلى أضواء الشهرة و بريق الحضارة الماديّة والإثراء السريع من العطايا المجزية التي توهب من صهاينة تل أبيب و روما وبريطانيا لا يمكنها أن تكتشف حقيقة ما جرى وما يجري وما لن يكتب له أن يجري بفضل المقاومة الباسلة التي يجترحها إخوة ورفاق وأصدقاء صدّام الذي كفاه شرفا أن يستقبل الموت ضاحكا من جبن أعدائه مستهزئا بخسّتهم ووضاعتهم، مناديا بالحياة لفلسطين وبالعزّة للأمّة العربيّة..

ما لا يمكن أن يفهمه الكهل المتصابي صاحب تسريحة "ذيل الحصان" ولا الصبيّ الواعد أنّ سلسلة "بيت صدّام" لم تكن سوى محاولة للردّ على ذالك المشهد بالذات الذي هزم كلّ ما فعله الأعداء لإذلال هذه الامّة وإلحاق الهزيمة النفسيّة بها، وهو مشهد صدّام الإنسان وهو يصعد إلى المشنقة مكبّرا ومذكرا أعداءه الأقزام "بالمرجلة" دون أن يخاف أويتعثّر أو يتلعثم أو يهتزّ له جفن..هذا درب الرجال مهما كانت أخطاؤهم، مرّ به من قبله شيخ العروبة عمر المختار..

هيك مرجلة.." أن يبيع الإنسان رجولته وقضايا أمته ويشارك الصهاينة في التمثيل بذكرى رموزها..

لقد كان صدّام بيت كلّ العرب وعمود خيمتهم وحامي تاج عزّتهم في زمن ظنّ فيه الرجال وخرجت علينا فيه الضباع وبنات آوى من جحورها.. لم يكن ملاكا، لم يكن ديمقراطيّا، ولا معصوما من الخطإ، كان مثلنا تماما يغضب ويفرح، يكره ويحب، يخطئ ويصيب، يقسو ويرحم، يبكي ويضحك..ولكنّه كان أكثرنا عروبة ووطنيّة وحبا للأمّة ولفلسطين، وحسما مع الأعداء من الصهاينة والعنصريّين احفاد بلفور وموسيليني الذين لم يتجرؤا على إخراج مسلسلات عن بيوتهم وأوكارهم "بيت موسيليني" و"بيت تشرشر" و"بيت ديغول" و"بيت ايزنهاور" و" بيت البوشين الوضيع والاكثر وضاعة منه" هذه البيوت التي خطّط فيها لنهب الشعوب واستباحة مقدراتها وسرقة تاريخها وآثارها" في حين لم يتردّد الإمّعات في فتح بيوتنا للأعداء، ومشاركتهم في دقّ إسفينهم المسموم في جدرانها وإعمال معاولهم في أساساتها خدمة لحقد أسيادهم و جشعهم الذي لا ينتهي.

بقي علينا أن نوضّح أنّنا في حديثنا لم نقصد التمثيل بمعنى تقمّص الأدوار وتجسيم الأحداث الاجتماعية والسياسيّة وهو المفهوم الفنّي السينمائي لأنّ ما نقصده بالتمثيل الذين ندينه بشدّة هو ما ذهب إليه المفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد باعتباره انشاءا للآخر لا بوصفه حقيقته واقعيّة وإنّما طبقا لما تتصوره وتتخيله الذات المحكومة بأحكام مسبقة ..وبين المفهومين فرق لا أظنّ أنّ ممثلنا الصاعد ومخرجنا الواعد قادر على فهمه، فكيف بإمكاننا إقناعه أنّه "لا يمثّل تمثيله وإنّما يمثّل تمثيلهم له"، فالتمثيل الإنشائي غير التمثيل التقمّصي. لأنّ الأوّل يسعى للتشويه والتنميط والثاني يسعى للتقريب والتجسيم والإثراء، الأوّل تمثيل استعماري عنصري والثاني فنّ إنساني نبيل .. إنّ الممثّلين التونسيين الذين شاركوا في هذا العمل العنصري الذي يستهدف تشويه الشخصيّة العربيّة عموما عبر تشويه النموذج والمثال (العيّنة)، في الحقيقة، يستدعون الشفقة لسببين: الأوّل لأنّه وقع التمثيل بهم و تحقيرهم وامتهان شخصياتهم الحضاريّة في الوقت الذي ظنّوا فيه أنّهم يعبرون إلى سماء النجوميّة والشهرة، والسبب الثاني لأن حصاد مشاركتهم في السلسلة كان فعلا هزيلا وهامشيّا اتساقا مع الصورة النمطيّة الثابتة التي لا تقبل أن يكون الشرقيّ صاحب دور حضاريّ إنسانيّ فاعل ومؤثر ومركزيّ فغاية ما يسعفه به عقله البسيط الساذج واستعداداته الغرائزيّة المتخلفة الحيوانيّة هو أن يكون "كومبارسا في مسيرة الحضارة الإنسانّيّة"، لنلاحظ إن دور البطولة حتى في أبعاده السلبيّة (صدّام البطل المأزوم العصابي/ ما فعله صدّام من بطولات وسرّ صموده أمام محققيه وجلاديه ولحظة إعدامه لا تعود لشخصيته العربيّة القويّة ووطنيته وإنّما تعود لأسباب نفسيّة مرضيّة وإلى عقد كبت وحرمان ، ولعلّ هذا التفسير الإستشراقي العنصري نفسه الذي فسّر به المستشرقون عبقريّة وفرادة شخصيّة الرسول صلى الله عليه وسلّم، وهو م تبنته بعض الأنظمة العربيّة من خلال رجمها كلّ الجنود المصريين أو الأردنيين الذين أقدموا على تنفيذ عمليات ضدّ الصهاينة بالاضطراب النفسي والجنون)، قلنا أنّ دور البطولة لم يسند إلى ممثّل عربي لأنّه لا يستحقه، بل أسند إلى صهيوني من أصول عراقيّة (صهيوني عربي).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق