الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009

المفاوض الفلسطيني : انحسار خيارات ... أم انهيار ذاتي ؟؟

ماهر أيوب

يبدو المفاوض الفلسطيني ومنذ بداية المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني ـ الإسرائيلي قد أصبح عرضة للانهيار الذاتي على طاولة المفاوضات، وتقديم التنازلات اللامتناهية وذلك لأسباب كثيرة منها ضيق الخيارات المتوفرة للطرف الفلسطيني، لاستثمارها كضاغط مؤثر على الطرفين الإسرائيلي والراعي الأمريكي ، إضافة لأسباب أخرى منها ماله علاقة بعدم الاستفادة من التجارب التحررية الأخرى في المفاوضات كعلم وممارسة، فالقيادة الفلسطينية لطالما تغنت وقرأت التجارب الأخرى مثل الفيتنامية كثورة وتحرر ، أو الايرلندية وتجربة الحكم الذاتي .

ومع إجهاض المقاومة المسلحة والانتفاضة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت عام 1987، وبسببٍ من محاولة استثمارها قبل أن تحقق أهدافها، كان من الطبيعي جرّ الطرف الفلسطيني لمفاوضات تسوية تفتقد إلى مرجعية أممية وقرارات الشرعية الدولية في العودة وتقرير المصير، وتصب في مصلحة اليمين الإسرائيلي خاصة.

ولعل ما يجري اليوم عقب اللقاء الثلاثي (عباس، أوباما، نتنياهو) ليس غريباً أو مستهجناً، فاللقاء الذي لم يسفر إلا عن تغطية مشرعنة لاستمرار الاستيطان ، وتهويد القدس واستمرار الحصار لقطاع غزة ، تحت مسميات كثيرة منها تقليص عمليات البناء الاستيطاني في الضفة والقدس ، كما أن الرئيس أوباما لم ينجح من خلال هذا اللقاء في الضغط على نتنياهو بتجميد الاستيطان ، وما أردت قوله من استعراض لتفاصيل هذا اللقاء الثلاثي هو قراءة مدى ضعف المفاوض الفلسطيني ممثلاً بالسلطة الفلسطينية وفريقها المفاوض، حيث قدم المفاوض الفلسطيني أولى التنازلات بعد هذا اللقاء بطلب رسمي تقدمت به السلطة بتأجيل طرح تقرير القاضي الدولي غولدستون بإدانة جرائم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، هذا الطلب الذي تجاهل أو تناسى ماتمثله هذه الجرائم في كونها جرائم دولية إنسانية، استهدفت الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وشرائحه الاجتماعية والسياسية ومازال الفلسطينيون يعانون مآسي هذه الجرائم التي تعتبر جرائم حرب ممنهجة بإرهاب الدولة حتى هذه اللحظة .

فالمتتبع للعملية السياسية في الشأن الفلسطيني يلحظ مع مرور الوقت والمماطلة الإسرائيلية لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع تحت مسمى "وقائع مادية" أي اغتصاب الأرض؛ انحسار الخيارات أكثر فأكثر أمام المفاوض الفلسطيني، فالفلسطيني الذي دخل يوماً ما إلى مقر الأمم المتحدة حاملاً غصن السلام في يد وبندقية المقاومة والنضال في اليد الأخرى، لاسترداد حقوقه الوطنية المشروعة بات اليوم أمام خيار وحيد هو المفاوضات دون أي داعم فعلي جماهيري مقاوم يجعل منه مفاوض ضاغط متقدم .

أما الحالة التي يتسم بها مفاوضنا الفلسطيني هي حالة مفاوض يمارس عليه سياسة التدمير الذاتي، ذلك بسبب ما أسلفنا من انحسار الخيارات والأوراق الضاغطة، إضافة إلى أن المفاوض الفلسطيني يدخل إلى أي عملية تفاوضيـة على خلفية انعـدام موقف عربي موحد، وانقسـام عربي ـ عربي ممول لانقسام فلسـطيني ـ فلسطيني، وهو ما يتذرع به الإسرائيليون دوماُ بحجة غياب الشريك الفلسطيني، والمطلوب هنا لتدعيم دور المفاوض الفلسطيني هو وحدة وطنية فلسطينية، وإنهاء الانقسام الفلسطيني المدمر وموقف عربي موحد، وانتخابات ديمقراطية تقوم على نظام التمثيل النسبي الكامل لكافة المؤسسات الفلسطينية (مجلس وطني ـ مجلس تشريعي)، إضافة لإحياء وتفعيل هيئات منظمة التحرير الفلسطينية.

والعمل بشعار فلسطيني طرح في نهاية ستينيات القرن الماضي، في أننا كشعب فلسطيني لدينا (البندقية المسيسة ولا وجود لغابة بنادق)، كل ذلك هو المطلوب لإيجاد مفاوض قادر على الضغط وتحقيق خطوات ايجابية وطنية تأتي في صالح الشعب الفلسطيني ، بإزالة المستوطنات في الضفة والقدس ، وإجبار العدو على الانسحاب من الأراضي المحتلة وفك الحصار عن قاع غزة وعودة اللاجئين الفلسطينيين وإقامة الدولة المستقلة، وهذا ما يسميه الفلسطينيون( وما يجب أن يكون خطاُ أحمر بالنسبة للمفاوض الفلسطيني ) بسلام شامل عادل متوازن قائم على أساس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة (242- 194) .

وأخيراً هل سيستفيد الفلسطينيون من كل ما اتضح أمامنا ، أن لا مفاوضات صحية حقيقية متقدمة دون موقف عربي موحد ومقاومة بكل أشكالها، لاسترداد الحقوق الوطنية الفلسطينية كاملة دون استثناء ؟ أم أن الفلسطينيين سيستمرون في عملية تسوية غير عادلة ظالمة تستنزف الفلسطينيين حتى آخر شبر من تراب فلسطين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق