الجمعة، 6 نوفمبر 2009

المزايدات حول إعلان عباس

رشيد شاهين

نعتقد بان قلة من صناع القرار الفلسطيني، هم من كانوا على اطلاع بما ينوي الرئيس الفلسطيني إعلانه، وربما كانت هذه المجموعة لا تتعدى الحلقة الضيقة ممن هم حوله.

حيث ما ان أعلن الرئيس عباس عن استقالته، حتى تباينت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض، وبين مشكك في مصداقية الرجل، وبين من رأى ان تلك الخطوة ليس سوى تكتيكا ربما من خلاله يرغب الرجل في الضغط على الجانبين الأمريكي والإسرائيلي وربما العربي أيضا، من اجل منحه ولو الحد الأدنى من مطالب الشعب الفلسطيني، والتي لا تقل عن دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس وسيادة كاملة في الأرض والسماء وحدود واضحة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية وكذلك حل قضية اللاجئين الفلسطينيين.

محاولة البعض إلصاق تهم التنازل بالرئيس عباس لا تستند إلى وقائع بعينها، وهي على أي حال اتهامات كانت دائما موجودة في الساحة الفلسطينية وستبقى ما بقي هذا الصراع مع دولة الاغتصاب، وقد تم اتهام الرئيس الراحل ياسر عرفات بذلك، إلا انه ثبت ان الرجل انتقل إلى جوار ربه دون ان يتراجع شبرا واحدا عن المطالب الفلسطينية، والآن وبعد سنوات على رحيله، فان أولئك الذين اتهموه دوما بالتنازل وتضييع الحقوق، يترحمون عليه بغض النظر عما يمكن ان يكون لنا ولهم من ملاحظات عليه خلال مسيرته النضالية.

من الواضح ان إعلان أبي مازن رغبته في عدم ترشيح نفسه لفترة رئاسية أخرى، جاء نتيجة لتعرضه إلى ضغوط هائلة من الجانب الأمريكي، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال رد الفعل الأمريكي على قرار الرئيس، والذي جاء فاترا بشكل ملحوظ، بل ربما كان فيه من الترحيب أكثر مما فيه من الأسف، حيث أشارت وزيرة الخارجية الأمريكية بان إدارتها سوف تتعامل معه في أي موقع كان، وهذا يعني بالضرورة ان كلينتون إنما تريد القول نحن مع استقالته، في حين انه لو كانت هذه الإدارة ترغب في استمراره لأعلنت على الأقل عن الأسف لقرار الرئيس، لا بل ودعته إلى العدول عنه أو إعادة النظر في القرار.

يمكن القول ان الرجل عندما أبدى رغبته ولم يكن قطعيا في قراره، خاصة وانه دعا ممثلي الفصائل إلى ان تجتمع فيما بينها من اجل اختيار مرشح للرئاسة يحظى بقبول الشارع الفلسطيني، إنما ترك الباب مفتوحا على عدة احتمالات يتمثل إحداها في ان هذه القيادات أو الممثلين سوف يجتمعون فيما بينهم ويقرروا بأنهم لا يجدون سوى الرئيس عباس لشغل هذا المنصب، وعند ذاك فانه سوف ينال "تجديدا للبيعة" من خلال مثل هذا القرار، أو انه يرغب في جس ردود الفعل العربية والدولية والإقليمية وربما الداخلية على مثل هذا القرار، أو انه يرغب في تشكيل حالة من الضغط على هذه الجهات من اجل منحه ما يشاء، وفي حال عدم الاستجابة فانه أشار إلى ان هنالك خطوات أخرى يمكن اتخاذها، وهذا يعني انه ربما يتجه إلى تصعيد آخر مثل التلويح بحل السلطة على سبيل المثال.

إذا كانت رغبة الرئيس حقيقية فهذا يعني كما اشرنا سابقا إلى انه يتعرض إلى ضغوط شديدة من اجل تقديم تنازلات لا يمكنه قبولها، وهو لا يستطيع ان يقوم بمثل هذه التنازلات، وبالتالي فانه يريد ان يترك هذه المهمة – القذرة- إلى آخرين ربما لديهم القدرة على القيام بها، بغض النظر عن كيفية امتلاك هذه القدرة.

القول بان الرجل قام بالتفاوض وانه اتبع نهجا تفريطيا وتصفويا لا يعول عليه كثيرا، ويمكن سوق عشرات الأمثلة التي من خلالها يمكن التدليل على ان معظم تجارب الشعوب التي خضعت للاستعمار إنما فاوضت القوى الاستعمارية، وهي على أي حال تجارب ليست بعيدة- زمنيا- فمعظم الدول العربية، ان لم يكن جميعها، خاضت تجارب ممثالة وتفاوضت مع المستعمر ونالت استقلالها على مراحل.

أولئك الذين "يزايدون" على أبو مازن، نعتقد بان عليهم ان يثبتوا أنهم إنما يمارسون نهجا مختلفا، وهذا ما لا نراه، حيث ان من يدعون انتهاج المقاومة كطريقة وحيدة لحل القضية وإنهاء الاحتلال لا يمارسون ذلك إلا من خلال الفضائيات والبيانات والتصريحات الصحفية، وإلا فليدلنا احدهم على كم من الجنود والمستوطنين يقتلون يوميا أو أسبوعيا أو حتى سنويا، لا بل ليدلنا احدهم على ذلك خاصة منذ انتهاء الحرب العدوانية على غزة على الأقل والتي كانت مجزرة يلزم الرد عليها بتفعيل المقاومة لا الى انتهاج هدنة غير معلنة، ان إطلاق قذيفة بيتية الصنع بشكل موسمي أو إطلاق زخة من الرصاص في الهواء قريبا من الحدود من اجل الإعلان عن قيام هذه الجماعة أو تلك بعملية عسكرية ضد قوات الاحتلال لا تعني بالضرورة ان هذا هو طريق المقاومة أو نهج الثورة، ويمكن لهؤلاء ان يتعلموا من المقاومين في العراق وأفغانستان كيف تكون الثورة والمقاومة لكي نصدق بان نهجهم مختلف عن نهج أبو مازن ومن معه.

6-11-2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق