الجمعة، 6 نوفمبر 2009

الشيعة قادمون


نضال نعيسة

(قبل البدء، لا بد من إيراد ملاحظة هامة وهي إن صحت الرواية الإسرائيلية لقصة السفينة التي قيل بأنها تحمل أسلحة إيرانية لحزب الله، فإن ذلك سيكون، ومن دون أدنى شك، موضع فخر واعتزاز وتشريف لإيران ولكل مشارك بالعملية، وليس إدانة أو اتهام لها بأي حال، وكم نتمنى أن توجه مثل هذه "الاتهامات"، المشرفة لبقية ما يسمى بالأنظمة العربية التي في "بالكم"، وتعرفونها جيداً).

يقوم اليوم جزء كبير من خطاب سائد، عام وممنهج على التلويح بالخطر الإيراني والشيعي والتخويف ممن يسمون بالشيعة العرب بسبب ولائهم وميولهم الإيرانية وتحالفهم مع إيران ، ويذهب البعض لوضع ذلك في خانة الخيانة وما شابه ذلك من تعميمات. وربما سيصبح حديث الملك الأردني عن هلال شعي، كما مخاوف الشيخ القرضاوي، حقائق ملموسة.

والحق، إن النفوذ الإيراني، سياسياً ودينياً وعسكرياً، آخذ في التزايد في عموم المنطقة، ويحرز أكثر من إنجاز على صعيد الإطباق على المنطقة إيديولوجياً، وربما عسكرياً مستقبلاً، والشواهد كثيرة على ذلك في أكثر من مجال حيوي وحيز جغرافي من جنوب لبنان، إلى العراق، وصعدة، ناهيك عن "الخلايا الشيعية النائمة" في عموم المنظومة الخليجية الفارسية، التي يشكل السكان الشيعة نسبة معتبرة فيها، والتي قد لا تخفي ولاءها العلني لإيران جراء سياسات العزل، والإقصاء والتمييز والتهميش التي تتعرض لها في هذه البلدان، والخطاب العنصري التحريضي الموجه ضدهم رسمياً في وسائل الإعلام المملوكة للدولة ليس خفياً، كما أن الخطاب الديني الوقفي الرسمي الممول حكومياً، والذي ترعاه وتشرف عليه أجهزة حكومية يكفرهم ويعتبرهم روافضة وهراطقة ومبتدعة...إلخ، ويوغل في ازدرائهم والنظر إليهم باعتبارهم مواطنين درجة ثانية، ومن طبقات بشرية دونية وسفلى لا يجب أن تحظى بأي احترام، كما أن إقصاءهم عن المراكز الحساسة والوظائف العليا والهامة والحساسة في تلك المنظومة كالجيش والأمن والخارجية، يجعل لديهم تربة خصبة للنظر في ولاءات تنصفهم وتحترمهم وتعيد لهم توازنهم المفقود.

وفي حقيقة الأمر، فإن إستراتيجية تصدير الثورة المعلنة التي أطلقها الإمام آية الله روح الله الموسوي الخميني(1902-1989)، مع بدايات ثورته الإسلامية، جارية على قدم وساق منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979، والتي كانت الحافز الأكبر لما سمي، لاحقاً، بالصحوة الإسلامية، وانبعاث براكين الفتاوى الفوضوي، وذلك عبر إطلاق أشهر فتوى أطلقت في القرن العشرين ضد الكاتب الإنكليزي الهندي الأصل سلمان رشدي مؤلف رواية آيات شيطانية الـ Satanic Verses من قبل الإمام الخميني نفسه. وقد ألهبت هذه الثورة الخمينية خيال كثيرين من دعاة وحملة المبادئ والفكر الديني، وما ابن لادن ورهطه سوى إحدى تجليات ذاك الإلهاب الذي يسكن مخيلة الحالمين، لإنشاء إمبراطوريات وممالك وإمارات إسلامية على النمط الإيراني.

وللحقيقة، أيضاً وأيضاً، فإن عامل المواطنة والانتماء الوطني لم يتبلور بعد ولم يتموضع أو يأخذ وضعه الطبيعي في معظم هذه المنظومات، كما لا زالت الانتماءات والولاءات ما قبل وطنية، وما قبل سياسية ومدنية، ناهيكم عن انتشار الديكتاتورية والاستبداد والفساد وتفاقم الظلم والإفقار الممنهج والنهب المنظم للثروات، في عموم المنظومة الشرق أوسطية، وهو ما يفتح فجوات كبيرة في الجدران الوطنية، ويحدث خلخلات بنيوية عميقة يمكن اختراقها بسهولة من قبل مغامر مثل جورج بوش، بداعي إحلال الديمقراطية واستجلاب حقوق الإنسان، أو بدواعي إقامة ممالك وإمارات دينية وأسطورية يسودها الحق والعدالة والمساواة وشرع الله، كما يزعم أصحاب التيار الديني في عملية اختراق وخلخلة البنى الوطنية الهشة والقابلة للتداعي والانهيار.

في عالم اليوم لم يعد بالإمكان تهميش أحد أو إقصائه أو النظر إليه باعتباره سقط متاع و" Second Hand"، ويغفل من الترتيبات والحسابات، ولا يمكن اضطهاد أحد أو ممارسة التمييز الديني والعرقي والثقافي ضده، فالحرب اليمنية المستعرة، اليوم، بين أبناء بلد واحد، تشكل المثال الأبرز على ذاك الاختلال العميق في البناء الوطني، والتداعي الكبير والخطير، وعلى الفجوة المواطنية الكبرى التي لم نعرف كيف ندملها بعد، والجدار المتداعي والمتآكل والذي يـُمـَكـّن أي كان من اختراقه والوصول إليه، وإحداث تلك الإرباكات والإحراجات، والتهديدات لسلامة وبقاء ما يسمى بأوطان، وهي بالقطع، ليست كذلك، من حيث النتيجة والممارسات.

لكن أخطر الأحداث قاطبة، هو ذاك الاختراق، والتغلغل الحوثي الرمزي بعيد الدلالات والقراءات في عمق الجنوب السعودي، الذي خلف قتيلاً وجرحى آخرين، لكن الجروح الأخرى في الذاكرة والقلب والوجدان، هي الأعمق والأكثر إيلاما، والمنذرة بتداعي وانهيار منظومات الأمن الإقليمية وامتداد وانتشار الحرائق الدينية، وعودتها إلى تلك البؤر التي خرجت منها، ذات يوم.

وإطلاق الأصوات لا يجب أن يكون باتجاه الخارج، وتحميله مآسي وممارسات الداخل، لا من خطر شيعي، ولا من غيره، بل باتجاه داخل لم يعد يقو على مقاومة عوامل التفتيت والتفجير الممنهج بسبب سياسات طائشة ولا مسؤولة، ولذا نرى هذه الانفجارات هنا وهناك، والتي قد لا تستثني أياً كان، وفي غير مكان. وحماية الأوطان لا تكون بتحميل أطراف خارجية مسؤولية انفجاراتها المجتمعية، بقدر ما تكون جراء إتباع سياسات، تـُعلـّي من قيمة المواطنة وقيم حقوق الإنسان، وتكرّس مبادئ العدل والأخوة والمساواة، ومن دونها، فالشيعة، كما غيرهم، قادمون، ولا محال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق