الجمعة، 6 نوفمبر 2009

!!..أبو مازن على حق ...ولكن

د. هاني العقاد

الرئيس أبو مازن, محمود عباس رجل ليس مثل باقي الزعماء الذين اعتبروا أنفسهم ملوكا ،يرغبون أن يدوم ملكهم إلى الأبد دون تغير, لكنه زعيم يعرف انه سيأتي غيره يوم من الأيام, و هو رجل يمتلك طاقة غير عادية من الصبر و القدرة على الخروج من الأزمات بسلاسة و نجاح كما يمتلك كم من الوعي الشامل يمكنه من التعامل بحرص شديد فيما يختص بالملفات الصعبة و الملفات التي تتصل بمستقبل الوطن و مسيرة تحريره و استقلاله, لكن مشكلة هذا الرجل في كونه يعمل دائما في النور و الوضوح الشديد و ليس كالعديد من الزعماء بالعالم العربي و ما يعلن عنه يكون و ما لا يعلن عنه

لا يكون , أي في النهاية زعيم لا يبتعد عن جماهير شعبة و يشغله سعادة و شقاء و عذاب و معاناة كافة أبناء الشعب دون استثناء بغض النظر عن الانتماء السياسي أو الديني أو العشائري و هذا ما جعله يعلن قراره الاخير . لم يأتي قرار الرئيس أبو مازن عدم رغبته في الترشح لمنصب الرئاسة مرة ثانية من مصدر رضي على الواقع الدولي تجاه القضية الفلسطينية و لم يأتي من مصدر قناعة بأن العالم يرغب أن يحقق الحد الأدنى من الطموح الفلسطيني, لهذا لا يستطيع أن يحمل طموح الشعب الفلسطيني إلى فترة ثانية و هو غير متأكد من قناعة الولايات المتحدة الأمريكية التعامل

بعدالة مع الملف الفلسطيني في قضية الشرق الأوسط ,ليس هذا فقط بل أنه أصبح متأكدا من أن الولايات المتحدة الأمريكية أصيبت بالعجز التام فيما يتعلق بسياسة التدخل الايجابي بقليل من الضغط السياسي لإلزام إسرائيل بالقبول بحل الدولتين و الشروع في عملية سلام حقيقية مع الفلسطينيين تضمن إنهاء الصراع الطويل بين الطرفين. لعلنا نقول أن الرئيس على حق في قراره بالتخلي عن رئاسة السلطة الوطنية الفلسطيني للفترة الثانية, و أن الرئيس على حق في اعتبار هذا القرار نوعا من التهديد للسياسة الدولية و سياسة الولايات المتحدة في المنطقة لدفعها اعتماد سياسة

أكثر ايجابية تجاه الوضع الفلسطيني و ليست محاولة من قبل أبو مازن لقلب الطاولة في وجه أمريكا و إسرائيل بهدف خلق موقف أمريكي حقيقي تجاه دفع عملية السلام للأمام , لكن الواضح من طبيعة كلمة الرئيس عباس أنه جاد في قراره لأنه لم يرغب من أحد بمرافقته خلال كلمته للشعب الفلسطيني ,و لوحظ غياب معظم أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن المشاركة أو حضور المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس في مقر الرئاسة , حيث ظهرت علامات الحدة و الغضب على ملامح الرئيس أثناء الكلمة , كما أن كلمة الرئيس لو تأتى عبر تصريح صحفي عادي على هامش التصريحات

المتعلقة بعملية السلام و قدرة الأمريكان إلزام إسرائيل بوقف الاستيطان و إنما جاءت الكلمة بمقر الرئاسة الفلسطينية ليعتبر القرار نهائي و حقيقي و ليس لمجرد التهديد.

في الحقيقة لا يستطيع طرف من القوي المركزية أو القوي العربية بما فيها جامعة الدول العربية و منظمة المؤتمر الإسلامي إقناع الرئيس أبو مازن بالعدول عن قرار ه ما لم يحدث تغيرا حقيقا في دور الولايات المتحدة بالمنطقة و قول كلمة الفصل في موضوع الاستيطان, العقبة الوحيدة أمام السلام الشامل و إلزام إسرائيل بتطبيق بنود خارطة الطريق و الاعتراف بالمبادرة العربية للسلام بالإضافة لاعتراف حكومة نتنياهو بالقرارات الدولية الصادرة بالشأن الفلسطيني , إلا الشعب الفلسطيني الذي له الكلمة الأقوى وله فعل السحر في إقناع الزعماء عادة بالعدول عن

قراراتهم المصيرية, لكننا نقول أن الرئيس ليس له الحق في التخلي عن رعاية و صون طموحات الشعب الفلسطيني و ثوابته الشرعية و السعي إلى تحقيقها , ولو تطلب الأمر للعودة إلى القرار الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية و هو قرار الكفاح المسلح . أن البديل لابو مازن سيكون إما تنازلات كبيره لنصبح على وطن دمية و وطن كانتونات و إما فوضي بالمنطقة العربية و ازدياد تعقيد القضية الفلسطينية ,و معاناة الشعوب بالمنطقة من جديد و فقدان العدالة الدولية مصداقيتها و انهيار تام لمعسكر السلام و ولوج الشعوب في حالة نزاع مسلح ستنعكس أثاره على معظم دول العالم

بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ,لان سياسة الاعتدال التي اتبعتها القيادة الفلسطينية الحالية وصدق رغبتها في تحقيق مشروع الدولتين قد لا يستمر طويلا لان المتغيرات القادمة ستفرض إصرارا أخر وهو حل الدولة الواحدة , دولة الوطن الفلسطيني الكامل من النهر إلى البحر و عندها سيكون مشروع السلام قد ذهب بلا عودة والى الأبد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق