الجمعة، 6 نوفمبر 2009

انحناءة عربية على قبر الشهيد المجيد صدام حسين


إسماعيل أبو البندورة

انه الحنين القومي يشدنا إليك.. والعقل المقاوم الذي يمتد بيننا وبينك.. وبرنامج النهضة الذي أنشأته بإرادتك وعقلك في أرض العرب يوم كانت يبابا وأصبح بهمتك دليلا وكتابا وجوابا.. انه الفضاء الذي اشتققته والنقاء والصفاء العروبي الثوري الذي أسكنته في العقول والأرواح العربية المتعبة فأصبح العرب بفضله ونعمته طلاب حرية ونهضة واستقلال.. وهو طريق الأشواك والمصاعب الذي وطأته بقدمك الجبارة الثابتة وعزيمتك الفائرة تثبيتا لقلوب الرجال وإنهاضا للعزيمة والإرادة.. وهي المبادئ والعقائد الكبرى التي أخرجتها من أعماق التاريخ العربي لكي تكون سلوكا قوميا وملامح جديدة ثابتة للعرب.. وهو العقل المنفتح المتحضر الشجاع الذي أردته أداة وسمة من سمات المرحلة وأداة اشتغال ومواصفة لا تغيب لحظة البناء والانبناء والتأسيس والإنشاء..

نمضي إليك كل عام في ذكرى استشهادك بهذا اليقين القومي العربي وهذا الاعتقاد الواضح الراسخ.. نمضي إليك وحدانا وأفواجا من كل فج عربي لكي نتذاكر ونراجع معك مشروعنا وبرنامجنا القومي العربي المستقبلي الآتي.. ننحني على قبرك نخاطب فيك الجلال والنقاء وصفاء الروح وفكرة الحرية والاستقلال.. نأتي إليك لكي نبدأ أو لكي نستأنف البدء.. ننقد ونراجع ونعيد البناء.. فقد علمتنا الاستمرار والجريان والدوام مهما كانت الصعاب والعواصف.

نأتي إليك بعنفوان عربي وهامات عالية.. فقد علمتنا درس "المنية ولا الدنية" مجسدا فيك وأصبح من خلالك مثالا وتحققا وعنوان لصيرورة الحياة.. نأتي إليك في كل لحظة وجع عربي أو انكفاء وتقهقر وجزر فيذوب الوجع ويتلاشى الغياب ومتاهة الحضور وتتراجع رجفة وأسئلة الانكفاء والانسحاق لأن الجواب يطل من بين أعشاب قبرك وعلى أطراف روحك ومن بين ذرات تراب العراق الذي تحول إلى كتاب ومن بين الأزهار التي تحولت إلى أقمار والأشجار التي استحالت رجالا وثوار ومن داخل فضاء أناره قبرك وطلع منه نجمك وأطلت منه روحك النبيلة الفائرة المرفرفة وابتسامتك التي ترفع الهمم وتعلي رايات النصر.

نأتي إليك من القدس وعمان وصنعاء والرباط زرافات ووحدانا.. نأتي إليك نحمل السلام والمحبة لك.. ننحني على قبرك لكي نتعطر بروحك ونقرأ درسك ونرى ما يلتمع في إنسان عينيك.. نمر عليك لكي نسلم عليك ونلقي عليك تحية ومحبة العرب.. نمر على الروح الوثابة الطاهرة والذراع القوية التي لا تلين ولا تستكين ولا تتعب من رفع الراية.. نمر عليك نروي لكي حكاية الوجع العربي ودرب الآلام الذي يعبره العرب الآن ونحدق من خلالك ومعك في هذه العتمة والانحطاط الطالع والمطل على أرض العرب وهذه الحراب المسنونة التي تمزق قلب وعقل العرب.. نرى بعيونك ومعك العلوج والعجم والتتار وأصحاب المشاريع الشريرة الخبيئة الخبيثة.. نتحاور معك حول الحاضر العربي وكيفيات تحريكه واستنهاضه وزوال غمته كما حاورناك سابقا في المأزق العربي وأسباب استمراره بقائه.. ونتفق معك أن لا وسيلة ولا حيلة إلا بهذا الروح والعقل العربي القومي الناهض وهذه الذراع التي تعلن المقاومة وهذا الحجر الفلسطيني الجبار الذي يفلق الدبابة والصخر والاستبداد والقهر وهذه العبوات العراقية التي تطيح "بالهمر" وتلقي بالقتلة مثل الجرذان في شوارع بغداد والبصرة والموصل وتودي بكل المشاريع والزمر.. نتفق معك ونتعاهد معا ان يكون قبرك مزارا قوميا ونقطة بداية لصنع البدايات الدائمة المسترسلة.. نسلم عليك على أبواب الجنة لكي نفتح للعملاء والتتار والخونة طريق جهنم.

ها أنت تبتسم ابتسامتك العذبة ويهتز كتفك كما كان يهتز مع كل انتصار لبغداد وفلسطين.. تربت على أكتافنا تضمنا إلى صدرك وتحنو علينا بمحبتك ونبل طبعك وأصلك.. إننا في ذكرى استشهادك نتنسم عبق روحك العربية وطلاوة حديثك الجذاب الأمين ونرى الضوء من خلال عينيك ونطل على القدس من حنايا وثنايا قلبك المحب ونمشي في شوارع البصرة وبغداد من وراء قامتك الهيابة الوثابة حاملين راية العرب.. نلتقي وإياك مع الشجعان ورجال عزة الدوري أبو أحمد وأبناء ثورة العشرين.. نمشي بين الرجال والبنادق.. نحتفي بالعيد عيدك من جديد يوم أرادوك قتيلا وأردت وأردناك شهيدا بحجم الأمة والعراق وأرادوك رئيسا فطلعت لهم عاصفة ومقاومة، أرادوك محليا في ناحية ووطن هزيل فأصبحت وعراقك المقاوم الثائر رمزا عربيا وعالميا.

كل هذا يجول في العقول والصدور يوم يؤوب العربي إلى عروبته ونقاءه وصفاءه.. يوم يتذكر لحظة استشهادك وبطولتك.. وعندما يفتش في روحه وعقله فلا يجد إلا درسك الذي واصلت به درس العرب الشجعان ودرب الحرية والثورة والنهضة.. كل هذا وأزيد ينبثق في العقول والصدور العربية المؤمنة بخط الامة كلما اقترب الأعداء من أرواحنا وكلما أحسسنا بالفراغ وكلما حاصرتنا الخطوب والمحن وكلما رأينا عربيا ينقلب إلى أعجمي أو استعماري خائب وآبق وخائن.. لقد علمتنا أن لا نهون ولا نخون وفتحت قرآنك الذي نزع منه التتار الفاتحة وكان رفيقك وباعث الإيمان والدفء التاريخي فيك وأنت في وكر الأوغاد والتتار.. فتحته لنا على آية "ولا تهنوا و لا تحزنوا وأنتم الأعلون" لأنك أردت للأمة أن تغير بالمبادئ نفسها وتنقلب على ذاتها الغائبة وتحمل قيم العرب الكبرى في العلو والشهامة والبطولة وعدم الهوان.

ونقول الآن إن هذا هو المعنى الأعمق والأكبر في سيرة الشهيد "وهو ما حدث حقا!" وغير ما تصوره البعض انه قد حدث وهذا ما استقر في عقل العرب عن الشهيد بلا تحريف أو تأويل وهذا ما سيحدث عند كل قراءة للتاريخ فهذا الشهيد العراقي النبيل السيف اصدق دائما انباءا من الكتب وهو كان سيفا وكتابا بنقاطه وحروفه الواضحة وليس بمقدور أحد مهما كان أن يضع فيه وعليه نقاطا جديدة ومستحدثة لأن حروف الكتاب بارزة وواضحة ومطرزة بحب العرب وكل ما فيهم من عنفوان.. ولشدما نخاف عليه من القراءات و التأويلات العاجلة حتى ولو كانت ممن نحترم وممن اقتربوا منه وهو في الأسر أو في لحظاته الأخيرة إذ أنها تصبح وحتى لو كانت من المريدين والأحبة اشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند.

لقد قرأ العرب كتاب ودرس الشهيد بلا وسائط أو تأويلات ومن العنوان وبقي هذا العنوان دليلهم إلى الشهيد وسيرته وروحه وفعاله وانجازاته ويعلم الجميع الأصدقاء و الاعدقاء إن المسافة كانت دائما قريبة وحميمة وعميقة جدا بين الشهيد وبين العرب.. وكلا كلا سوف يعلمون!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق