الجمعة، 20 نوفمبر 2009

الله يجيرنا من الأعظم


نضال نعيسة
صديقي العزيز، وتقريباً الوحيد في هذه الأيام، وهو من أصدقائي الوحيدين الباقين، الكاتب والصحفي السوري أبيّ حسن، صاحب الكتاب الرائع "هويتي من أكون"، وقد تمنعت عن التعليق على الكتاب، برغم روعته، لأسباب كثيرة لسنا في واردها، ويعرف بعضها صديقي أبيّ ولكنه قد لا يعرف بعضها الآخر،  وناهيكم عن ذلك تجمعني مع الصديق، أبيّ، أيضاً، قضية زمالة بـ "الاتهام" بالعمالة لإسرائيل،( تصوروا إسرائيل، ما غيرها، ما شافت غيرنا رغم جيوش وفيالق الفاسدين الجرارة في الوطن العربي والمهجر المستعدين لأن يبيعوا أي شيء)، التي كالها، وفبركها لنا أصحاب المشروع القومي وجوهر التهمة أنه في عصر الأنترنت كسرنا طوق الحصار "القومي" المزمن على الفكر وحرية النشر، وأوصلنا أصواتنا المخنوقة، تاريخيا، خارج الأطر والمنظومات والآليات التقليدية، ولأن أحداً ما خارج المنظومة القومية ارتكب جريمة كبرى، بنظر القوميين، وتصدق علينا وقرأ لنا أحد المقالات، ونشره في غير مواقعهم الأمنية والمخابراتية والمفبركاتية، (وربما، أيضاً، بسبب غيرتهم وحسدهم، وقل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق، لأن أحداً ما لم يعد يقرأ لهم مقالاتهم القومية الناضحة بالوهم والتي تتحدث عن كائنات مميزة وخرافية غير مكتملة الوعي والنضوج الحضاري والوطني والإنساني يسمونها في أدبياتهم بالعرب ويريدون توحيدها في سجن كبير، لا من أجل أي شيء آخر سوى ألا يـُبقوا أياً كان خارج تسلطهم وتحت بساطيرهم)، نقول اتصل هذا الصديق العزيز ليبلغنا خبر خسارتنا للقضية في مرحلة الاستئناف، في الدعوة التي رفعناها ضد الجريدة  التي نشرت الفبركة، بما يوحي بتبنيها ويعزينا ونعزيه، بآخر الفتوحات القضائية العادلة، بعد أن كنا قد حصلنا على حكم ابتدائي بتعويض قدرة مائة ألف ليرة سورية، حوالي( 2000$) وتعويض معنوي كبير، وهو الأهم، والأعلى، قضى بالبراءة من التهمة وكان وكيلنا القانوني الذي ترافع في هذه القضية هو الأستاذ المحامي الكاتب والصديق المحترم الأستاذ ميشيل شماس.
وقبل الاطلاع على حيثيات الحكم الذي لم، ولن أطلع عليه ما دام حكماً كلاسيكياً وتقليدياً كما سوابق عهده ي المنظومة، إياها، ونحن لسنا بخارجها بأية حال، ينال من  التنويرين وأصحاب الفكر النهضوي والحر من أيام المعتزلة وحتى أيامنا هذه أيام "المبتذلة"، ففجيعتنا ما تزال هي هي، وهذا القرار لم يأت بجديد طالما أن تغييراً جذرياً وبنيوياً لم يطرأ على مجمل منظوماتنا القضائية والفكرية والثقافية والسلوكية التي ما زلنا نرزح في جلابيبها و"شراويلها" وطرابيشها العصملية، ونراوح في مكاننا بين جدرانها لمئات القرون، ونجتر أنفسنا وعلاقاتنا بطريقة أو بأخرى. فقرار خسارتنا للقضية لم يفاجئنا لأنه لم يأت بجديد، (فحتى اليوم لم نربح ولا قضية، وكل القضايا التي  خضناها، كانت، تاريخياً خاسرة، وكل الحمد والشكر لله)، ولو أن قراراً مغايراً كان سيفاجئنا أكثر لو أتى بجديد وكان غير تقليدي، أو لو ربحنا الدعوة بشكل نهائي وعادت لنا حقوقنا وكرامتنا المسفوحة على صفحات إعلامنا الوطني الذي من المفترض أن يؤازرنا ويقف معنا لا أن يساهم، هو الآخر، في طعننا.  وفي حقيقة الأمر، لسنا بحاجة لقرار لإثبات براءتنا، كما أن أي ادعاء آخر لا يمكن له أن يديننا، وهذا ما يدل على أن القرار لا قيمة له من الناحية العدلية والقضائية، فالنهار لا يحتاج إلى حكم قضائي لإثبات أنه نهار فهو نهار من دون أن يقول أحد ما عنه أنه نهار. وكل ما نطلبه من المولى جل وعلا أن تقف الأمور عند هذا الحد، وألا تقام ضدنا دعوى تشهير وذم وقدح للنيل من مقام الصحيفة وتعريض سمعتها للخطر جراء جرجرتها من قبل "شوية" عملاء إلى ردهات القضاء، ومن ثم أن تطالب تلك الصحيفة والقائمين عليها، بتعويض لو بعنا ما فوقنا وما تحتنا لما وفيناها حقها، ولم لا فكل شيء جائز؟ أوليست هذه سابقة لتجريم وتكفير كل تنويري وصاحب فكر حر، وهل سيعطى هذا الحكم الضوء الأخضر لأصحاب فتوى "الاتهام" ومشايعيهيم للمضي قدماً في تنفيذ فتاويهم، ورسالة هامة وصارمة لكل من تسول له نفسه التنويرية الآثمة أن يفكر في أن يكون تنويرياً في يوم من الأيام؟ وهل بتنا اليوم، في وضع الاستعداد، والتأهب، لتنفيذ مضمون فتوى التخوين والتشهير من أحد الرعاع، وبمباركة قضائية، هذه المرة؟ وسؤالنا، التحذيري الأخير حين تصمت كل هذه الأصوات الطيبة والتنويرية، وتخرس، من الذي سيدافع عن الأبناء، وعن الأجيال القادمة ضد مد الظلام والظلاميين؟ عادلة.
هذا الغيث من ذاك المطر، و"ذاك الفجل من هذا البصل"، ولاشيء جديد، وحين يكون هناك شيء جديد، لن يكون هناك من أصله، وخطؤنا الوحيد، ربما كـَمـَنَ  باللجوء إلى العنوان الخاطئ، والزمن والتوقيت الخاطئ ، وربما الآثم، وطلب الحماية  من غدر الوحوش الضارية والغادرين الذين يستسهلون كرامة وشخصية وسمعة الآخرين، ممن لا شيء عنده يعطيه. واليوم، وفي ضوء نظام قضائي عادل، كهذا، بات بإمكان أي كان أن يسب ويشتم ويتوجه باتهاماته، ضد أي كان،  وذات اليمين وذات الشمال، ويكفر ويخوّن، ويهدد ويتوعد، وينافق ويكذب ويفبرك على الرأي، أن يفعل كل هذا، وبمباركة قضائية.  وللتذكير، ففي الأمس القريب خضنا معركة "حضارية"، جداً، وأيضاً، مع جماعة سلفية هدرت دمنا، وكفرتنا....ولا نرى في حقيقة الأمر، كبير فرق بين المعركتين، فعلى أي جانبيك تميل أيها المسكين؟ والشكوى لغير الله مذلة.
وهذه القصة ذكرتني بقصة طريفة من التراث لأحد المحكومين الذين تفنن سجانوه وجلادوه، بجلده وتعذيبه وقتله على مراحل، فكان يأتي القرار الأول مثلاً بقلع أظافره، فيرد عليه، ودون أن تذمر، موجهاً كلامه لزميل سجين، الله يجيرنا من الأعظم، ومن ثم يأتي حكم آخر بنتف شاربيه، فينفذ ويردد بكل هدوء مرة أخرى، الله يجيرنا من الأعظم، وهكذا مع حكم قطع اليد الأولى ثم الثانية والجلد...إلى، وفي كل مرة كان يقول له زميله، وهل هناك من أعظم، فيقول له انتظر لترى، وفي المرة الأخيرة أتى الحكم القضائي العادل الأخير والقاضي بـ" يخوزق قبل أن يعدم، ويقطع رأسه، ويجرجر بجحش معقور أزعر في درب أوعر".
فهل علمتم ما هو الأعظم؟  ولنحمد الله أن الدنيا "لسه بخير "، ونردد مع صاحبنا الله يجيرنا من الأعظم، و"يا ما في الجراب يا حاوي"، و"الدايم" الله وعظم الله أجركم يا "خيي" أبيّ حسن. ولله يا محسنين.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق