الجمعة، 20 نوفمبر 2009

يورشليم بوست الانتفاضة الثالثة على وشك الانطلاق


 درور ـبار يوسف ـ صحيفة يورشليم / قسم الترجمة 
منسّق برامج السلطة الفلسطينية في معهد أديلسون للدراسات الاستراتيجية

شهدت الأشهر الأخيرة تظاهرات عنيفة في القدس، ودعوةً إلى تنظيم انتفاضة جديدة غير عنيفة أطلقها قادة فلسطينيون بارزون كثر، وبيانات صادرة عن فلسطينيين تفيد بأن الحل بإقامة دولتين قد لا يكون ممكناً بسبب النشاط الاستيطاني.

منذ تولى الرئيس باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة، بَذل جهوداً دبلوماسية حثيثة لتجديد مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فحقق هذا الوجه الجديد في البيت الأبيض إنجازات مهمة. أولاً، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ستشكل جزءاً من الحل، وللمرة الأولى، وافقت حكومة إسرائيلية على تجميد بناء منازل جديدة في غوش عتصيون ومعاليه أدوميم، كتلتين استيطانيتين أساسيتين في ضواحي القدس، مع أن عملية التجميد هذه لا تنطبق على القدس الشرقية. هذا والتقى نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس علناً في سبتمبر الماضي.

مع ذلك، لم تسهم جهود الولايات المتحدة على ما يبدو سوى في المباعدة أكثر بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولم تدفع بالطرفين إلى الإعلان عن تجديدهما المفاوضات، لكن هذا الجمود ليس بالأمر الجديد أو المفاجئ. مع أنه قد يُعتبَر ربما خطوةً تكتيكية من قبل المفاوضين، لكن الواقع على الأرض يبعث على القلق. شهدت الأشهر الأخيرة تظاهرات عنيفة في القدس، ودعوةً إلى تنظيم انتفاضة جديدة غير عنيفة أطلقها قادة فلسطينيون بارزون كثر، وبيانات صادرة عن فلسطينيين تفيد بأن الحل بإقامة دولتين قد لا يكون ممكناً بسبب النشاط الاستيطاني.

بحسب أحد التقارير الواردة حول التطوّرات الأخيرة، على الرغم من أن خوض انتفاضة جديدة في المستقبل القريب أمر مستبعد، فإنها قد تندلع في غضون أشهر. من الواضح أن المجتمع الفلسطيني بدأ وقيادته بوضع الأسس لمثل هذا الخيار أقله لناحية الرأي العام. لكن المفاجئ أن الفلسطينيين لايزالون غير مبالين بما اعتبرته إسرائيل بوادر «تاريخية» تجاه عباس، يُشار إلى أن الأزمة تأججت بسبب الخلافات الداخلية التي أربكت الساحة السياسية الفلسطينية، وأن العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية ليست العامل الوحيد المساهم في حالة التصعيد الراهنة.

طرأت تغييرات كثيرة على المشهد السياسي الفلسطيني على مدى الأعوام الأخيرة، لاسيما بسبب الأزمة غير المسبوقة التي اندلعت بين حركتي «فتح» و»حماس». فقد أثار التوتر الراهن بين هذين الحزبين السياسيين البارزين وعجزهما عن إجراء إصلاحات داخل الحكومة الفلسطينية امتعاضاً واسعاً بين قياديي حركة «فتح» والشعب الفلسطيني. في هذا الإطار، يعتقد الخبراء على نحو شائع بأن تنافس هاتين الحركتين على القيادة يجعل احتمال إقامة دولة فلسطينية شبه مستحيل. وفي السياق عينه، أُلقي بمسؤولية نتائج الحرب على غزة في الشتاء الماضي على الانقسام بين «فتح» و»حماس». فضلاً عن ذلك، تأجج التوتر بين الحركتين حين رفضت «حماس» الاقتراح المصري الأخير بإعادة توحيد غزة والضفة الغربية تحت نظام حكم واحد.

لا يشكل التوتر الذي لايزال قائماً بين الحركتين الأزمة السياسية الوحيدة التي يواجهها الفلسطينيون. تسود خلافات في داخل حركة فتح، لكنها لا تتعلّق البتّة بعملية السلام. دعم قادة كثر من فصيل التنظيم، بمن فيهم قدورة فارس وحاتم عبدالقادر ومحمد حوراني، مواقف عباس علناً، بما في ذلك الحل بإقامة دولتين وإجراء تنازلات بشأن حق العودة. كذلك صرّحوا علناً بأن الانتفاضة الأخيرة، بما تضمنته من هجمات إرهابية دموية، كانت غلطة، على الرغم من أنهم لايزالون يرفضون تقبل إسرائيل علناً كدولة يهودية. لذلك فإن سبب رفض الكثير من القادة الفلسطينيين دعم عباس يُعزى بشكل رئيس إلى اعتبارات سياسية داخلية.

فضلاً عن ذلك، انخدع عباس بنجاحه في مؤتمر «فتح» الذي عُقد في أغسطس، إذ منحه ثقةً خاطئة بالنفس ودعماً شعبياً مزيفاً. ظهرت الخلافات بين عباس وأعضاء حزبه بعد نجاحه الملحوظ في الدعوة إلى المؤتمر، وبعد انتصار مرشحيه في انتخابات اللجنة المركزية. لكن هذا النصر تضرر بسبب ادعاءات مؤذية أطلقها ناشطون كثر في حركة «فتح» زاعمين وجود فارق بين عدد الأصوات والنتائج الرسمية. في المقابل، لم يعترض قادة التنظيم على النتيجة، لكنهم وجّهوا سراً انتقادات شديدة اللهجة لعباس وللعملية الانتخابية. برأيهم، أُخمدت شعبية فصيلهم عمداً وبشكل غير شرعي خلال انتخابات اللجنة المركزية، مع العلم أنها نمت بعد فوزهم بأغلبية المقاعد في المجلس الثوري.

في خضم هذا التوتر، أعلن عباس 24 يناير 2010 موعداً لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وقال إنه لن يترشح لولاية ثانية. ساهم هذا الإعلان بالتالي في تأجيج الأزمات السابقة، فمن جهة، يبدي أعضاء حركة «فتح» تخوفاً من أي بديل لعباس بينما ينتقدون من جهة أخرى توليه تقرير غولدستون والعلاقات مع «حماس».

إن الانتخابات المُرتقبة مسألة معقّدة لها تداعيات كثيرة، لاسيما إن كان عباس لن يترشح بالفعل. في تطور ملحوظ، قد ينفذ عباس تهديداته ويستقيل، دافعاً بالمسؤولين الآخرين البارزين في السلطة الفلسطينية إلى السير على خطاه. لكن في جميع الأحوال، لن تساعد اللغة الانتخابية على استئناف المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل ستساهم أيضاً في تجديد النضال ضد إسرائيل.

من شأن هذا التطوّر المفاجئ، الذي قد ينذر بقدوم أجل السلطة الفلسطينية، الإفساح في المجال أمام انتفاضة جديدة والدعوة إلى الحل المتمثل في إقامة دولة واحدة. وطالما أن الساحة السياسية ماضية في المسار الراهن، بما في ذلك إجراء انتخابات واستقالة عباس، سيفتقر القادة الحاليون في السلطة الفلسطينية إلى الشرعية التي تخوّلهم التفاوض مع إسرائيل والولايات المتحدة. إلى ذلك سيُضطرون إلى مواجهة الانتقادات الرسمية بمفردهم، من دون مساعدة أي شخصية فلسطينية رسمية بارزة، تماماً كما وجد عباس نفسه وحيداً حين وافق على إرجاء النقاشات حول تقرير غولدستون في الأمم المتحدة.
فضلاً عن ذلك، سيؤدي الجمود في العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، الذي هو نتاج طبيعي للأزمات المذكورة سابقاً، إلى تدهور كبير في حالة الهدوء السائدة راهناً، وفي هذا الإطار، ذكر مروان البرغوثي، في مقابلة أجرتها معه أخيراً «وكالة مان الإخبارية»، أن «على اللجنة التنفيذية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، بفصائلها كافة، وضع خطة ورؤية لحركة شعبية واسعة وسلمية ضد المستوطنات. نريد من اللجنة التنفيذية، الفصائل وأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني تحفيز المظاهرات الشعبية».

من المهم أن نتذكر أن الشخصيات الفلسطينية البارزة عزت الانتفاضة السابقة إلى سببين متوازيين: إسرائيل والسلطة الفلسطينية. يدّعي هؤلاء بأن أحد أهداف الانتفاضة الأساسية كان الحث على إجراء إصلاحات داخل الساحة السياسية الفلسطينية. واليوم يذكرون هذين السببين عينهما لتفسير التصعيد الراهن والحاصل بغض النظر عن التطورات الأخيرة في مفاوضات السلام مع إسرائيل.

فإن أشرك عباس قياديي «فتح» اليافعين في عملية صناعة القرار، فسيلقَ هو وعملية السلام المزيد من الدعم الفلسطيني الشعبي؟، ومن شأن إشراك البرغوثي مثلاً في عملية السلام منح عباس المزيد من المرونة. لكن في ظل الاتجاه الحالي، لن يكون للتنازلات الإضافية التي قد تقدمها إسرائيل والولايات المتحدة تأثير كبير.
في هذه الحالة، كيف سيكون الوضع في المستقبل؟ في ذروة حالة الغليان، قد تنشأ انتفاضة سلمية تُستخدَم فيها المزيد من الحجارة والزجاجات الحارقة بدلاً من الانتحاريين، وتحظى بدعم أنشطة قضائية ودبلوماسية قوية على المستوى الدولي.

إلى ذلك، سيعمد الفلسطينيون إلى الاعتراض دولياً على المستوطنات للمطالبة بحل إقامة دولة واحدة ذات نظام سياسي قائم على قاعدة «رجل واحد، صوت واحد». لكن بالنسبة إلى إسرائيل، فإن ضم الضفة الغربية ومنح الفلسطينيين حقوقاً سياسية كاملة ومتساوية يعني بكل وضوح نهاية إسرائيل كدولة يهودية.

باختصار، لا يُعزى الجمود الراهن والتوتّر المتزايد بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى عملية بناء المستوطنات المتواصلة في الضفة الغربية. فقد ساهمت الخلافات السياسية الداخلية في السلطة الفلسطينية، والأزمة بين «فتح» و»حماس»، والصعوبات التي تواجهها حركة فتح وإعلان عباس نيّته عدم الترشّح لولاية رئاسية ثانية جميعها في تدهور العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين والأميركيين.

*منسّق برامج السلطة الفلسطينية في معهد أديلسون للدراسات الاستراتيجية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق