الجمعة، 27 نوفمبر 2009

فعاليات مصرية تستنكر الإساءة للزعيم عبدالناصر




في ردود فعل ساخطة، أعرب مثقفون وسياسيون ومواطنون مصريون عن غضبهم واستنكارهم للحملات التي تستهدف النيل من الانتماء العربي لمصر، وامتدت للتطاول على مراحل بأكملها من التاريخ المصري والعربي، وأدانوا المحاولات المفضوحة لخلط الأوراق وتعمد الإساءة لشخص الزعيم الخالد جمال عبدالناصر وأفكاره، وإنجازات مصر في الفترة من عام 1952 إلى عام 1970 معلنين رفضهم الشديد لما ورد على لسان المذيع عمرو أديب في برنامجه “القاهرة اليوم” - الذي يبث على قناة “الأوربت” - من إساءات وإهانات وتعليقات غير موضوعية على شخص الزعيم عبدالناصر وحقبته وأفكاره ومبادئه.

وأعلن عدد من القانونيين والسياسيين اعتزامهم تقديم بلاغ إلى النائب العام للمطالبة بالتحقيق في ما تفوه به أديب، مؤكدين أن المذيع تجاوز كل حدود اللياقة عندما تحدث بلهجة فيها “معايرة” و”تشف” عبر مقولته إن عبدالناصر كان مصاباً بالسكر وإن قراراته لم تكن متزنة ومتأثرة بهذا الأمر.

كما بالغ أديب في تهجمه البعيد تماماً عن اللياقة والأدب والموضوعية على شخص الزعيم عبدالناصر في حلقة برنامجه التي كان يتناول فيها ردود الأفعال على الأحداث الأخيرة بين مصر والجزائر.

ثقافة متواضعة

“كلام لا يليق ولا يستحق عناء الرد عليه” هكذا يعلق د.حسام عيسى نائب رئيس الحزب العربي الناصري، فيما يرى د.حسن أبوطالب رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي العربي أن من كوارث العالم المعاصر أن يوجه مثل هؤلاء الأشخاص الرأي العام وهم من ذوي “الثقافة المتواضعة”، محذراً من أن مثل تلك الأمور جعلت الرأي العام يفقد إحساسه بقيمة التاريخ والمعرفة و”يستمر” بالساعات أمام برامج مثيرة للغرائز وغير متعقلة، ويتلقى منها الرسائل غير الملتزمة ويقوم بتحويلها إلى سلوك وانفعالات، وهو ما ظهر واضحاً في الأحداث الأخيرة التي صاحبت مباراة مصر والجزائر والتي شهدت تنظيم المظاهرات وحرق أعلام البلدين.

ويضيف أبوطالب أن مثل هذه البرامج والقائمين عليها دفعوا المواطنين المصريين إلى القيام بأفعال استنكروا إقدام بعض المتعصبين الجزائريين عليها، لافتا إلى أن ما يثير الأسف في الأمر هو إقدام بعض الفئات المثقفة على هذه الممارسات تحت تأثير الشحن الإعلامي المتبادل.

ويعرج أبوطالب على ما تفوه به أديب فيقول إن مصر عبدالناصر كانت تدافع عن كرامة كل فرد عربي، ولم يقتصر الأمر على الكرامة والمصالح المصرية، مشيراً إلى أن إرسال الجنود المصريين إلى اليمن كان تعبيراً عن التضحية بالدماء من أجل شعب عربي ظل يعاني لسنوات طويلة من تراث التخلف. ويستطرد أن هذا السلوك الذي عابه أديب على الزعيم عبدالناصر إنما يعبر عن أن الزعيم الراحل كان يريد التأكيد على أن القومية العربية لا تقوم على الشعارات وإنما على التضحيات المتتالية، لافتاً إلى أن مصر نفسها جنت ثمار توجه عبدالناصر في هذا الشأن في مناسبات عدة، ومن بينها ما رأيناه في سلوك الرئيس الجزائري هواري بومدين بعد هزيمة 1967 حين ذهب الرئيس الجزائري إلى الاتحاد السوفييتي وتعاقد على كمية هائلة من الأسلحة التي أمد بها مصر وساعدت الجيش المصري بعد ذلك في حربه الشجاعة عام ،1973 مشيرا إلى أن هذا الأمر يعكس أن المسألة لم تكن في التضحية بدماء الشعب المصري وإنما في تجسيد الترابط المصري العربي من منطلق قومي “مازلنا نجد أصداءه حتى هذه اللحظة”.

ويلفت د.أبوطالب إلى أنه حين سعى بعض العرب إلى التخلص من تراثهم القومي واستبدال صيغة العمل المشترك والمصالح المشتركة به، فإنهم لم ينجحوا في تحقيق ذلك الهدف، وإنما خسروا الاثنين معا (الروح القومية والمصالح المشتركة والقدرة على بنائها). مؤكداً أن المسألة لا تتوقف عند الفشل في الدعوة للقومية في صيغتها الكلاسيكية القائمة على دولة الوحدة في السنوات التي تلت رحيل الزعيم عبدالناصر، ولكن في الفشل حتى في دفع المجتمعات العربية إلى إقامة علاقات تقوم على تقدير بعضها بعضا والحفاظ على علاقة الاحترام والكرامة المتبادلة.

أكبر منهم
ويقول صابر عمار عضو المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب إنه من سخرية الأقدار أن يخضع عبدالناصر لتقدير وتقييم من مثل هؤلاء الأشخاص، مؤكدا أن الزعيم عبدالناصر أكبر بكثير من مثل هؤلاء وهو جزء أصيل من تاريخ الأمة وسيظل محل احترام وتقدير شعوب البلاد العربية.

ويصف عمار مثل هذه البرامج والقائمين عليها ببرامج “استهلاك الوقت” وبرامج الإعلام الهدام، التي لا تسعى لبناء مجتمعاتها وتترك إدارتها لبعض الأشخاص “المرضى” من أجل إلهاء الناس وشغلهم عن مشكلاتهم الحقيقية.

مواسم الخيبات
الإعلامي الكبير محمد الخولي يقول إن موسم الهجوم على الزعيم الخالد جمال عبدالناصر يتوالى دائما مع توالي “الخيبات” العربية، وفشل القائمين على أمور الشعب العربي في إدارة الأزمات واحتواء الأضرار الناجمة عنها، رغم أن إدارة الأزمات أصبحت الآن علما يتم تدريسه في ما يسمى “احتواء الضرر” وأصبحت جزءا من المهارات اللازمة لقوى الحكم في الدولة الحديثة.

ويشير الخولي إلى أن عبدالناصر كان يستند في إدارته للأزمة إلى وعي عميق بتاريخ الأمة العربية وكفاحها ونضالاتها، كما كان يستند إلى جماهير وملايين الشعب العربي، ويكفي أنه كان يقف خطيباً بين الناس وكانت خطبه بمثابة “المواسم” لدى الجماهير العربية، وكانت أيضا بمثابة “المناسبات” لها.

 ويذكر الخولي أن الرئيس عبدالناصر وجه حديثه ذات مرة في إحدى خطبه لرئيس وزراء العراق ودعاه إلى أن يتخلى عن منصبه لفشله في إدارته، وكان أن ترك الرجل منصبه بالفعل في اليوم التالي تحت ضغوط الشعب العراقي، مشيرا إلى أن عبدالناصر حينما تحدث بذلك لم يكن يملك سلطة دستورية على المسؤول العراقي لكنه كان ينطلق من سلطة شعبية نضالية.

ويستطرد الخولي ان عبدالناصر لا يحتاج إلى دفاع عنه لأن رجل الشارع العادي يقوم بذلك، مستشهداً ببيت الشعر للمتنبي: وتعظم في عين الصغير صغارها/ وتصغر في عين العظيم العظائم.

ويقول إنه يكفي لمن يطلقون ألسنتهم في حق الزعيم عبدالناصر أن نذكرهم بأن كل الخلاف الحالي هو حول مباراة لكرة القدم، في حين أن الزعيم الراحل كان يتعامل مع قضايا ونضالات الشعوب العربية وموضوعات كدور العرب في المنظومة الدولية، وكانت مفردات الخطاب الإعلامي والسياسي في عهده مرتبطة كلها بقضايا “التنمية” و”التأميم” و”النضال” و”بترول العرب لكل العرب” ورفض مناطق النفوذ الأجنبية في المنطقة العربية، لافتا إلى أن أول معركة خاضها عبدالناصر لم تكن مصرية، وإنما كانت حول رفض أن تدخل المنطقة العربية ضمن مناطق النفوذ الأجنبية، في ما عرف بسياسة “الأحلاف” وكانت هذه أول معركة لإذاعة صوت العرب، فيما كانت المعركة الثانية حول إعادة ملك المغرب الراحل الملك محمد الخامس إلى عرش بلاده بعد ما أبعده الاستعمار الفرنسي عنه ونفاه إلى جزيرة مدغشقر، وتلتها المعركة الكبرى التي يتم تدريسها كنموذج لإدارة الأزمة من قبل دولة كانت بازغة وهي من دول العالم الثالث وتلك كانت معركة مصر في قناة السويس ضد قوى الإمبريالية.

ويقول الخولي إن على هؤلاء الذين ينطقون ب”لسان التفاهة” في مثل هذه البرامج أن يقرأوا ما كتبه الساسة والمؤرخون الأجانب، من أمثال أنتوني ناتنج، عن إدارة عبدالناصر للأزمة خلال ملحمة السويس وكيف حقق الانتصار السياسي والجماهيري فيها ضد العدوان الثلاثي.

ويستطرد أن على هؤلاء أن ينظروا كيف تعامل عبدالناصر حتى مع المواقف التي حملت ممارسات جماهيرية تعرفها العلوم السلوكية ب”ممارسات القطيع” والتي تقع في كل تجمع جماهيري، مشيرا إلى أن العاصمة السودانية الخرطوم شهدت مظاهرات ضد مصر في عام 1964 وقام متظاهرون سودانيون بالتوجه إلى سفارة مصر وإنزال العلم المصري من عليها، فما كان من الرئيس عبدالناصر إلا أن طلب من سفير القاهرة في ذلك الوقت سيف اليزل رفع علم آخر لمصر على السفارة لينهي تلك الأزمة من دون أن يلجأ لأسلوب الشتائم أو “الردح” عبر جهازه الإعلامي العملاق. ويقول الخولي إن عبدالناصر كان يردد دائماً أن “دور مصر ليس ممارسة الرئاسة على أحد وإنما دورها التفاعل والتجاوب مع المنطقة والكفاح المشترك مع شعوبها من منطلق مسؤولية شعب مصر العربي”.

ويضيف أنه يكفي عبدالناصر أن قراراته كانت تصدر عن شجاعة سياسية واضحة وقراءة واعية للأحداث، مشيراً إلى أن مصر عبدالناصر كانت أول دولة في إفريقيا والشرق الأوسط والعالم الإسلامي تقيم علاقات مع الصين التي كانت كيانا منبوذاً، فيما أدرك الرئيس عبدالناصر أهميتها وأعلنت مصر اعترافها بها وهو ما لا يزال الصينيون يذكرونه للزعيم عبدالناصر، مشيرا إلى أن عبدالناصر أقام علاقات جيدة مع الاتحاد السوفييتي، ولكن ذلك لم يمنعه من الخلاف مع الرئيس السوفييتي خروشوف، وكان عبدالناصر شجاعا في رأيه لأنه استند إلى تأييد الجماهير، واستطاع البلدان تجاوز الخلاف وإدارة الأزمة بذكاء، وعاد ذلك على مصر بصفقات الأسلحة ومساهمة السوفييت في بناء السد العالي، ويذكر الخولي واقعة كان شاهداً عليها حين كان يعمل في مكتب الرئيس عبدالناصر للشؤون العربية منتدباً من إذاعة صوت العرب، وحدث أن كان هناك نظام سياسي في جنوب اليمن يمارس نوعا من المراهقة السياسية ويوجه الهجوم إلى مصر وعبدالناصر، رغم دور مصر في تحرير الجنوب اليمني من الاحتلال الإنجليزي، وحدث أن أصدر الرئيس عبدالناصر تعليمات بقبول أبناء اليمن الجنوبي في كليات الطب والهندسة والحربية، وعندما علم بتذمر البعض من ذلك من العاملين في مكتبه رد عليهم بأن “حكام عدن يستطيعون إذا مرضوا هم أو أبناؤهم أن يذهبوا إلى أي مكان في العالم للعلاج، أما أبناء الشعب اليمني البسطاء فلن يتحقق لهم العلاج إلا على يد طبيب يمني”.

ويذكّر الخولي بموقف الرئيس عبدالناصر تجاه الأزمة التي حدثت بين المقاومة الفلسطينية والجيش اللبناني، حين رغبت المقاومة في شن هجمات على العدو الصهيوني منطلقة من الأرض اللبنانية، واستدعى عبدالناصر أطراف الأزمة إلى مصر وبينهم قائد الجيش اللبناني العماد البستاني وأبوعمار حيث توصلوا إلى اتفاقية القاهرة التي تقضي بالحفاظ على سيادة لبنان وفي نفس الوقت إتاحة الفرصة للمقاومة لشن هجماتها على العدو.

ويضيف أن الرئيس عبدالناصر ظل حتى أنفاسه الأخيرة يدافع عن المقاومة، وعقد مؤتمر القمة العربي قبل ساعات من وفاته، وكان قد أمضى أسبوعا قبله يسعى إلى رأب الصدع بين المقاومة الفلسطينية وملك الأردن، رغم انشغاله أيضا بهمومه الأصلية في حرب الاستنزاف وانتهى الأمر بإنقاذ المقاومة بعد أن هدد الملك حسين بإبادتها.

ويلفت الخولي إلى إدارة عبدالناصر لأزمة بناء السد العالي وتوصله عام 1959 إلى اتفاقية مياه النيل مع حكومة عبدالله خليل السودانية التي كانت أكثر الحكومات عداء له، مشيراً إلى أن مصر لاتزال تنعم بثمار تلك الاتفاقية حتى الآن، والتي سمحت لها أن تستفيد من حصة السودان الشقيق من مياه النيل، وهو أمر يدرك أهميته الحقيقية خبراء الري ويعرفون فضل النظام الناصري في عقد هذه الاتفاقية.

ويشير الخولي إلى أن الأحداث الأخيرة بين مصر والجزائر كشفت عن فشل النظم السياسية في إدارة الأزمات، ما أدى إلى تبادل السباب والشتائم ومحاولات النيل من أفكار عظيمة كالعروبة والقومية والمصالح المشتركة، مشيرا إلى أن النظم السياسية لجأت في هذه الأزمة إلى استخدام “الإعلام الرخيص” وليس الإعلام الرصين بعد فشلها دبلوماسيا وسياسياً.

خطاب سوقي

ويشير القيادي في حزب الكرامة (تحت التأسيس) أمين إسكندر إلى أنه خطاب “سوقي” وعصبي وعالي النعرة وليس له أدنى علاقة بالمهنية سواء في مصر أو الجزائر.

ويصف إسكندر الهجوم على الزعيم عبدالناصر بأنه خطاب مبتذل جاء في إطار خطاب استخدام نبرات عنصرية وعصبية من أشخاص غير مسؤولين.

غياب الاحترافية

كذلك يؤكد الناشط الحقوقي محمود قنديل أن أزمة مباراة مصر والجزائر كشفت عن نوع من الجهل وعدم المهنية وغياب الاحترافية لدى الكثير من الإعلاميين الذين امتطوا جواد التعصب والكراهية والعنصرية والجهل بالرسالة الإعلامية، مشيراً إلى أن إعلاميين في مصر والجزائر حولوا مباراة كرة قدم إلى نزاع بين دولتين تربطهما أواصر العروبة والإسلام والتاريخ المشترك.

ويضيف قنديل أن هذا الخطاب الجاهل والمتعصب أدى لنوع من تصفية الحسابات مع الزعيم عبدالناصر، الذي كان يربط مصر بمحيطها العربي، مشدداً على أن مثل تلك الممارسات لن تنال من قيمة وقامة عبدالناصر الذي يخلد التاريخ العربي إسهاماته في خدمة أمته وشعوبها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق