الأحد، 31 يناير 2010

التعاون الأمني العربي–الصهيوني


أ.د. محمد اسحق الريفي
 التعاون الأمني بين الكيان الصهيوني والنظامين المصري والأردني ليس جديداً، فقد بدأ منذ سنوات عديدة، وازداد بعد اتفاقيات "كامب ديفيد"، ولكنه كما يبدو بدأ يتعزز يأخذ أشكالاً جديدة، ما يثير أسئلة كثيرة حول أهدافه، والجهة المستهدفة، والجهة المستفيدة منه، وعلاقته بتطورات الصراع العربي–الصهيوني والقضية الفلسطينية.
 المنطق يقول أن المشترك بين الكيان الصهيوني وبين دولتي مصر والأردن، يجب أن يكون القطيعة والمواجهة، وليس التعاون الأمني!  فالكيان الصهيوني كيان عدواني اغتصابي توسعي، يغتصب أرض فلسطين وأراض عربية أخرى، في الأردن وسوريا ولبنان، وله أطماع في الوطن العربي ومياه النيل.  ويشن العدو الصهيوني الحروب تلو الحروب على أمتنا العربية، ويقتل ويجرح عشرات الآلاف من العرب، ويحاصر الشعب الفلسطيني ويشرده، ويعمل منذ أكثر من نصف قرن على إنهاء وجوده.  ويشارك العدو الصهيوني في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على العراق وأفغانستان، عبر تزويد القوات الأمريكية والغربية المشاركة لها بطائرات تجسس مسيَّرة، وخطط حربية، ودعم لوجستي لتلك القوات في العراق.  وعلاوة على ما سبق، تُعَد المذابح التي ارتكبها العدو الصهيوني ضد الفلسطينيين والمصريين والعرب أبرز سمة للتاريخ الدموي للكيان الصهيوني.  فلماذا إذاً هذا التعاون الأمني المشترك وخصوصاً في هذا الوقت؟ هل بدأ الصراع العربي – الصهيوني يتحول إلى تعاون عربي–صهيوني؟
 الجميع يعلم أن حدود الكيان الصهيوني الشرقية والجنوبية، وهي حدود فلسطين مع الأردن ومصر، تتمتع بحماية عربية كاملة، لصالح العدو الصهيوني، والذريعة التي يتذرع بها العرب منذ أكثر من نصف قرن، لتبرير حمايتهم لحدود الكيان الصهيوني وأمنه، هي أنهم غير جاهزين لمواجهة العدو الصهيوني، خوفاً منه، ولكن لا يمكن لأحد أن يتصور بأن يصل هذا الخوف إلى درجة استعداد العرب للتعاون الأمني مع الكيان الصهيوني!  وهنا نتساءل: لماذا لم يجهز العرب أنفسهم لمواجهة العدو الصهيوني منذ نحو قرن، بينما استطاعت المقاومة اللبنانية والفلسطينية في غضون سنوات تجهيز نفسها لمواجهة العدو الصهيوني لحد أنها أجبرته على الانسحاب من لبنان وغزة، وأنزلت بجيشه هزيمة نكراء؟
 من الواضح أن بعض الأنظمة الرسمية العربية لا تنظر إلى الكيان الصهيوني على أنه كيان اغتصابي معادٍ لأمتنا العربية، وأنه يغتصب فلسطين وينكل بالشعب الفلسطيني أشد تنكيل، وإنما تنظر إلى الكيان الصهيوني على أنه دولة مشروعة معترف بها عربياً ودولياً، وأنها لها الحق في حسن الجوار مع العرب، وما يترتب عليه من تطبيع للعلاقات وتعاون مشترك في كافة المجالات، ولكن هذه الأنظمة لا تجرؤ على الإفصاح عن ذلك صراحة، خشية من شعوبها، التي لو تركتها تلك الأنظمة دون قمع وتكبيل، لزحف الاستشهاديون منها فوراً نحو القدس المحتلة والمسجد الأقصى الأسير.
 وليس غريباً أن يلتقي الكيان الصهيوني الغشوم مع تلك الأنظمة في هذه الرؤية، بل إن الكيان الصهيوني يعتقد المؤتمرات لبحث سبل دعم استقرار بعض هذه الأنظمة، وآخر هذه المؤتمرات عُقد في مدينة "هرتسيليا" الصهيونية، في إطار بحث التحديات التي تواجه أمن الكيان الصهيوني، حيث ينظر العدو الصهيوني إلى أمن النظام واستقراره في مصر والأردن على أنه جزء مهم وحيوي من أمن كيانه.
 تنظر تلك الأنظمة إلى حركات المقاومة الإسلامية، والتي تسمى حركات الإسلام السياسي، على أنها الخطر الحقيقي الذي يهددها، لأن هذه الحركات ترفض الهيمنة الصهيوأمريكية على الشعوب العربية، وتناهض النفوذ الأمريكي في منطقتنا، وترفض الدكتاتورية التي تمارسها تلك الأنظمة الفاسدة.  وفي هذا السياق، ندرك أهدف التعاون الأمني المشترك بين العرب والكيان الصهيوني، وطبيعته، والجهة المستفيدة منه، والجهة المستهدفة.  فهو تعاون أمني يأتي في إطار عولمة الأمن، أو أمركة الأمن، التي نجحت الولايات المتحدة في تحقيقه لحد كبير في منطقتنا العربية والإسلامية، للإمعان في قمع حريات العرب، وانتهاك كرامتهم، وحماية المشروع الصهيوني الغربي المسمى (إسرائيل).
 بدأ هذا التعاون الأمني يتسع ويتطور لمواجهة حركة حماس، التي تعبر عن نبض الشعوب العربية، التي تتوق إلى الحرية والتغيير والإصلاح، وأيضاً لمواجهة منظمة حزب الله في لبنان، التي تسد الطريق على الكيان الصهيوني نحو لبنان وسوريا، ولمواجهة كل من يفكر في تحرير فلسطين والتصدي للكيان الصهيوني.  ولذلك يهدف هذا التعاون إلى متابعة مصادر التمويل والسلاح والطرق التي تصل عبرها إلى المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة، خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ومواجهة العمليات الفدائية التي تستهدف بعض الشخصيات الصهيونية في الأردن.  كما يهدف التعاون الأمني المشترك بين الكيان الصهيوني ومصر والأردن إلى التجسس على منظمات حماس والجهاد وحزب الله، وتعقب قادة المقاومة واغتيالهم، كما حدث قبل أيام قليلة للشهيد القسامي محمود المبحوح، في دبي، وأيضاً للحد من تواصل حركة حماس مع الشعوب العربية.
 وقد خصص العدو الصهيوني لتلك الأهداف أقماراً صناعية جديدة، تتميز بالتغطية الواسعة السريعة والدقيقة.  وتؤكد التقارير أن التعاون الأمني بين العرب والعدو الصهيوني قد تطور بشكل ملحوظ في الضفة المحتلة، حيث تشارك فيه مخابرات بعض الدول العربية، من أجل محاصرة حماس، وإنجاح عملية التسوية، ودعم سلطة رام الله.  ويأتي في السياق ذاته، مشروعا الجدارين الفولاذي والإلكتروني، ومخططات تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء.  وليس مستبعداً أن يتطور هذا التعاون الأمني ليشمل تكوين قوة عربية–صهيونية مشتركة لمواجهة حماس والمقاومة الفلسطينية ومحاصرتها، مالياً وعسكرياً وأمنياً.
 31/1/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق