الأحد، 31 يناير 2010

إسرائيل لن تقدم على ضرب إيران


رشيد شاهين
منذ فترة ليست قصيرة يتم الترويج لضربة إسرائيلية سيتم توجيهها إلى إيران، للسبب الذي بات معروفا للجميع والمتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، ومن الملاحظ ان وتيرة الحديث عن مثل هذه الضربة تتصاعد أحيانا وتخفت أحيانا أخرى، وقد لوحظ ان وتيرة الحديث عن مثل هذه الضربة كانت قد تصاعدت بشكل كبير قبل ما يزيد على العامين، وصار الجميع يدلي بدلوه حول السيناريوهات لمثل تلك الضربة وعن الأهداف التي قد تشملها ومدى نجاعتها وإمكانية تحقيق الأهداف – المرجوة- من قبل القوة المهاجمة، وكانت معظم تلك السيناريوهات تتمحور حول توجيه الضربة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للمواقع الإيرانية النووية والتي تنتشر على مسافة واسعة من الأراضي الإيرانية.
الآن وبعد ما يزيد على العامين، يتم الحديث بنفس الوتيرة عن إمكانية توجيه ضربة قوية للمنشآت الإيرانية ولكن بيد إسرائيلية هذه المرة، ويتم رسم سيناريوهات مشابهة لتلك التي تم رسمها قبل عامين. وبنفس الطريقة السابقة، يختلف المحللون والمراقبون في هذا الشأن ويدلي كل بدلوه في المسألة، ويقدم الأدلة والبراهين التي من خلالها يحاول تعزيز وإسناد وجهة نظره والدفاع عن موقفه، ولكل حقه في أن يعتقد ما يشاء حيث أن المسألة خاضعة للتحليل كما الاجتهاد.
ما يطفو إلى السطح والعلن في العلاقات الإيرانية الأمريكية هو هذا التدهور بين الدولتين، إلا ان واقع الحال في العراق يشي بان هنالك انسجاما وتفاهما لا يعكس ما يقال عن تدهور في العلاقات بين كل من إيران وأميركا، حيث من الواضح ان هنالك تلاق في المصالح بينهما فيما يتعلق بالسيطرة على العراق وإخضاعه، ويمكن ملاحظة الأطماع الإيرانية في العراق والتي لا تختلف كثيرا عن الأطماع الأمريكية، من خلال كل ما تقوم به إيران في الأراضي العراقية، والتي كان آخرها توغل القوات الإيرانية في الأراضي العراقية والسيطرة على حقل الفكة النفطي والذي يبعد حوالي 300 كيلومتر جنوب شرقي بغداد بمحافظة ميسان. هذا التلاقي في المصالح بين الدولتين في ارض الرافدين لا بد ان يتم أخذه بعين الاعتبار في حال التفكير بتوجيه ضربة إلى إيران، بغض النظر عمن سيقوم بتوجيه الضربة – إسرائيل أو أميركا- حيث من الواضح ان الولايات المتحدة تعلم يقينا ان بامكان إيران ان تحرك جميع القوى والميليشيات التابعة لها في العراق من اجل تكبيد القوات الأمريكية المزيد من الخسائر، وهذا ما لا يمكن ان تقبل به أو تتحمله الولايات المتحدة، خاصة في ظل تنامي قدرات المقاومة العراقية المحسوبة في الأغلب على قوى مناوئة لإيران بشكل عام. 
 التبشير والتهليل عن استعدادات إسرائيلية لضرب المواقع النووية الإيرانية، يأتي على أرضية ما يقال عن شعور إسرائيل بالرعب من إمكانية حصول إيران على السلاح النووي، خاصة في ظل المواقف الإيرانية المعلنة، وخاصة تلك التي تصدر عن الرئيس الإيراني احمدي نجاد وما يردده عن ضرورة مسح الدولة الصهيونية عن خريطة العالم، بالإضافة إلى ما يقال عن اقتراب إيران من الوصول إلى صناعة القنبلة النووية، وكذلك التهديدات الإيرانية المستمرة بضرب العمق الإسرائيلي في حال أقدام أية جهة على ضرب إيران، وقد لوحظ حلال السنوات الأخيرة الاستعراضات العسكرية الإيرانية والتي تشير في مجملها إلى استعداد عال للرد على أي اعتداء.
الحقيقة ان ما تمت الإشارة إليه هو ليس بجديد، حيث ان الموقف الإيراني المعلن من إسرائيل ومن المحرقة أيضا ومن استعداداها لتوجيه ضربات للعمق الإسرائيلي وإغلاق مضيق هرمز وضرب القواعد الأمريكية في الخليج، كل هذه المواقف ليست بجديدة وقد تم تكرارها على مدار الأعوام الأخيرة بشكل دائم. كما ان إسرائيل لم تتوقف عن القول بان إيران ترغب في الحصول على السلاح النووي منذ سنين طويلة. إذن لماذا تريد إسرائيل ان توجه ضربة إلى إيران؟ ولماذا عليها ان توجه مثل هذه الضربة لإيران؟، ولماذا تقوم بالدور الذي يجب على الدول الأخرى القيام به؟، وهل هي على استعداد لتحمل تبعات مثل توجيه هذه الضربة؟ وكيف سيبدو "الوجه الإسرائيلي" في حال إقدام إيران على تنفيذ تهديداتها بضرب العمق الإسرائيلي؟ وماذا لو أقدمت القوى المؤيدة لإيران في المنطقة - حماس برغم استبعادنا لهذا الاحتمال عدا عن عدم فاعلية ما لدى حماس من أسلحة- وحزب الله بشكل خاص- بفتح جبهة على الحدود الشمالية لدولة الاحتلال؟ وهل يمكن للجبهة الداخلية الإسرائيلية ان تتحمل مثل هذه الضربات التي يمكن ان يتم توجيهها إلى العمق الإسرائيلي خاصة في ظل ما كان خلال الحرب على لبنان في العام 2006؟
ان الرد الإيراني على أي ضربة للمنشآت النووية الإيرانية سيكون بالضرورة هو نفسه، بغض النظر عن الطرف الذي سيقدم على توجيه مثل هذه الضربة، فإيران سوف توجه – أو على الأقل هذا هو الموقف المعلن- ضربات إلى العمق الإسرائيلي، وهي ستقوم بضرب القواعد الأمريكية في دول الخليج، وستقوم بإغلاق مضيق هرمز.
ان من المستبعد ان تقوم إسرائيل بلعب الدور الذي تعتقد بأنه ليس دورها، وهي بكل ما تحاول الإيحاء به إلى العالم إنما تمارس ابتزازا جديدا من اجل ان يتم تزويدها بمزيد من الأموال والأسلحة الأكثر تطورا في العالم، وهي تستخدم تصريحات نجاد المتعلقة بالمحرقة وبمحوها عن خريطة العالم من اجل المزيد من التحشيد لسياساتها العدوانية وسيطرتها على فلسطين وإخضاع المزيد من الدول العربية في المنطقة.
إسرائيل وغيرها من الدول تعلم يقينا بان ضربة جوية لإيران لن تقضي على البرنامج النووي الإيراني، ذلك أن البرنامج الإيراني يختلف تماما عن مفاعل تموز العراقي، وهو بالضرورة ليس الموقع السوري في دير الزور، الذي تم الانقضاض عليه بسهولة ويسر اكبر بكثير مما اعتقدت إسرائيل نفسها. حيث تنتشر المواقع الإيرانية على بقعة شاسعة في الأراضي الإيرانية، هذا عدا عن قلة المعلومات الاستخبارية الحقيقية المتوفرة ليس فقط لدى إسرائيل لا بل ولدى دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
ان التهديدات الإسرائيلية أو الأمريكية بضرب المواقع الإيرانية إنما أفقدت مثل هذه العملية عنصر المفاجئة الحيوي للقيام بمثل هكذا عمليات أو ضربات، هذا العنصر الذي كان دوما في صالح دولة الكيان سواء فيما يتعلق بمفاعل تموز أو دير الزور أو حتى حربها الغادرة عام 1967، ومن هنا فان إقدام إسرائيل على مثل هذه المغامرة قد يكون بمثابة عملية انتحارية غير مضمونة العواقب، وهي قد تفقدها المزيد من هيبتها التي فقدت الكثير منها خلال حربها على لبنان.
ما يقال عن تدريبات إسرائيلية مكثفة من اجل القيام بمثل هذه العملية، يأتي ضمن الحرب النفسية التي تتم ممارستها بين جميع الدول التي تبدو في حالة عداء وهي سياسة ليست جديدة أو مستحدثة، وما قيام إسرائيل بتلك التدريبات إلا جزء من سياستها واستراتيجيتها العسكرية التقليدية منذ قيامها كدولة عدوانية في المنطقة، وهي تمارس سياستها هذه ضمن – وأعدوا لهم ما استطعتم – على عكس الدول العربية والإسلامية التي هي بالضرورة أولى بإتباع مثل هذه السياسة المنصوص عليها قرآنيا.
ان إسرائيل وبرغم ما قد يقال عن رغبتها في إضعاف إيران والقضاء على برنامجها النووي، لا تعيش بمعزل عن دول العالم وعن الحليف الرئيسي لها- أميركا-، وهي بالضرورة سوف تأخذ الموقف الأمريكي من الضربة بكثير من الاعتبار، حيث ان من غير الممكن ان تقوم بذلك هكذا وبدون تنسيق كامل مع الولايات المتحدة، لا بل ومع دول عربية في المنطقة تعتبر حليفة قوية للولايات المتحدة، وهي بدون شك سوف تكون سعيدة بالقضاء على القوة الإيرانية ولكنها – الدول العربية- لديها الكثير من المحاذير التي قد تمنعها من تسهيل العملية الإسرائيلية – وهذا ليس من قبيل الشعور بالشرف أو التعفف، لا داع للتذكير بمواقف تلك الدول خلال الحرب على العراق وما حدث عام 1991- وإنما من قبيل الخوف وما قد تتعرض له عواصمها ومدنها من ضربات وردود فعل إيرانية.
ان من غير المستبعد ان يتم التوصل إلى تفاهمات ليست بالضرورة معلنة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، بغض النظر عن وجود نية حقيقة إسرائيلية في توجيه ضربة إلى إيران أم لا، وكذلك بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران من جهة ثانية، كما ان من غير المستبعد التوصل إلى تفاهمات سرية بين إيران وإسرائيل، - هنالك تجارب تاريخية أصبحت مفضوحة للجميع حول تعاون عسكري إيراني إسرائيلي خلال الحرب الإيرانية العراقية- وسوف يكون ذلك كله على حساب امة العربان وسوف يكون العراق احد أهم عوامل- وضحايا- أية صفقات في هذا الاتجاه.
ان دولة العدوان في فلسطين تعرف تماما أصول إدارة الابتزاز والمناورة، وقد كانت تجربة الصواريخ العراقية التي ضربت المدن الإسرائيلية في العام 1991 خير دليل على ان إسرائيل تستطيع ان تمارس ضبط النفس والاستماع إلى نصائح الآخرين عندما يتطلب الأمر ذلك، لأنها تعلم الثمن الذي سيتم دفعه، وهو في الأغلب سوف يخرج من خزائن الدول العربية. وهي بمثل هذه التهديدات إنما تسعى إلى الحصول على صواريخ عابرة طويلة المدى كتلك التي تم استخدامها خلال الحرب على العراق – توما هوك وكروز المختلفة وغيرها-.
 ان من الواضح ان الولايات المتحدة الأمريكية لا تهتم كثيرا بالتنسيق مع دول الجوار الإيراني العربية لأنها تنظر إليها على انها دول ضعيفة وتابعة بشكل أو بآخر للسياسة الأمريكية الخارجية، وقد أثبتت التجارب التاريخية، ان هذه الدول لا تملك من قرارها إلا القليل.
إسرائيل لن توجه ضربة إلى إيران، وهي إنما تريد مزيدا من الابتزاز والاتفاقيات العسكرية والدفاعية سواء مع الولايات المتحدة أو غيرها من دول العالم المتقدم، كما انها تطمح إلى توطيد علاقاتها بالدول العربية في منطقة الخليج، من خلال تمرير سياسة الخداع التي تمارسها مع هذه الدول، والتي تنص على انها مع تلك الدول في خندق واحد. وهي بذلك تفتح أبوابا كانت شبه مغلقة أو – مواربة- حتى عهد قريب. وهي لن تقدم على توجيه ضربة إلى إيران ما لم يتم ذلك بالتنسيق مع الوليات المتحدة وموافقتها، كما انه لا بد من التنسيق مع الدول العربية أيضا والتي تشعر بأنها قد تكون مستهدفة في حال توجيه أية ضربات إلى إيران، – هذا على افتراض ان اسرائيل سوف توجه ضربة- وفي جميع الأحوال، فان الخاسر الوحيد هي الدول العربية، خاصة إذا ما أثبتت التجربة- وهي ستثبت- ان هذه الدول عاجزة، وهي لن تكون قادرة على القيام بأي فعل تجاه أي هجوم إيراني، سواء كان هذا الهجوم صاروخيا أو بأية طريقة أخرى، لان الولايات المتحدة سوف تكون معنية قبل كل شيء بتأمين وجودها وقواتها في الخليج، بالإضافة إلى توفير غطاء جوي متمكن ومحكم فقط لحماية دولة العدوان في فلسطين ولتذهب المدن العربية إلى الجحيم.  
إسرائيل لن تقدم على توجيه ضربة إلى إيران، لأنه إذا ما نفذت إيران تهديداتها، فهذا يعني ان المنشآت النفطية في دول الخليج سوف تكون محل استهداف، كما انها إذا ما استطاعت ان تغلق مضيق هرمز فهذا يعني إيقاف تدفق النفط الخليجي إلى العالم، وهذا ما قد يتسبب في أزمة عالمية لن تكون اقل – رعبا- عما كان عليه الأمر عام 1973 عندما تم استخدام سلاح النفط لأول مرة في الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا ما لا يمكن ان توافق عليه لا إسرائيل ولا أميركا ولا غيرهما من دول العالم، ناهيك عن دول الخليج التي ستكون احد المتضررين الأساسيين من مثل هذا التوقف.
في النهاية، وبرغم كل ما نسمعه من جعجعة إيرانية أو إسرائيلية، فان كلا البلدين غير معنيين بإشعال حرب قد يكون لها أول لكن قد لا يكون لها آخر، ومن هنا فان إمكانيات البحث عن سبل -ولو من تحت الطاولة- من اجل احتواء كل هذا التصعيد، سوف يكون احد الخيارات الهامة في هذه المواجهة المعلنة والتي قد تقود إلى اتفاقات سرية غير معلنة كما تمت الإشارة.
31-1-2010


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق