الأحد، 31 يناير 2010

العروبة ... وتلك " الناصريات " وجمال عبد الناصر


 حبيب عيسى
عود على بدء :

منذ زمن بعيد ، ونفر من الشباب العربي ، منهمك في الحديث عن " الناصرية " وماهيتها ، حاضرها ، ومستقبلها ، والحديث عن عبد الناصر ، لا يقتصر أثره على أطراف الحديث ، والحوار ، والخلاف ، والاتفاق ، وحسب ... ، وإنما يمتد أثره ، طولاً ، وعرضاً ، في الأرض العربية ، فالرجل ، كان أكبر من المجموعات ، والشلل التي حملت أسمه حياً ، وتلك المجموعات ،للأسف الشديد ، لا تزال أصغر ، من ، أن تغطي المسافات التي يفرشها ظله ، غائباً .

وهذا الانهماك ، بالحديث عن عبد الناصر ، له ما يبرره موضوعياً ، لو أنه اتجه بالفكر ، والحركة ، باتجاه تحقيق الأهداف ، التي عاش ، وقضى الرجل ، الفذ ، لتحقيقها . لكن ما حصل ، وما يحصل ، ابتعد بدرجة كبيرة عن جوهر المسألة ، وتحول إلى "لغو" لا طائل وراءه ، ووصلت الأمور إلى ذروة المأساة ، عندما حاول أطراف هذا "اللغو" أن يشهروا " دكاكين " في الوطن العربي ، تتصدرها صورة الرجل ، ثم يبتدع كل منهم " عبد الناصر " على مقاسه ، ويصبح ما عداه ، ليس " ناصرياً " ، وتحول ، هذا كله ، إلى ركام ، يغلق الطريق الصحيح ، إلى الرؤية الصحيحة.. ، يغلق الطريق ، ليس ، إلى فهم ظاهرة عبد الناصر ، ووضعها في سياقها التاريخي ، وحسب ، وإنما ، أدى ، إلى تغييب مساحات واسعة ، من الشباب العربي ، عن ساحة الفعل الثوري ، الجاد ، في الواقع العربي ، لتغييره ايجابيا ، فتحول أولئك " الناصريون جداً " إلى شلل ، ومجموعات ، تكفرّ بعضها ، بعضاً ، ويهدر البعض ، دماء البعض الآخر ، ويفتك بعضها ، بالبعض الآخر ، فتكاً شديداً ، وتحولوا إلى طوائف ، شديدة الشبه ، بتلك الطوائف ، التي نبتت ، إبان الثورة العربية التوحيدية الأولى ، وتحول عصرهم ، إلى عصر ، شديد الشبه ، بعصر ، تلك الطوائف ، الذي سمي ، في ذلك الوقت ، عصر الانحطاط العربي ، حيث الأرض مباحة لكل طامع أجنبي ، وحيث عقل الشعب مباحاً ، لكل مشعوذ ، وأفاقّ ، وصولاً إلى الغزو الثقافي الواسع ، الذي أتى على ما تبقى من ايجابيات الثورة .

كل هذا ، وذاك ، حصل بالأمس ، ويحصل الآن ، بينما كهنة تلك الطوائف السالفة ، والمعاصرة ، يدقون الطبول ، وينفخون الأبواق ، تصنيماً ، لهذا ، أو رجماً ، لذاك . لكن ، وحتى لا نبدو ، وكأننا نقسم الأحداث ، تقسيماً تعسفياً ، لا بد من الاعتراف ، أن ما يجري داخل " الشلل الناصرية " لا ينحصر داخلها ، وإنما يمكن تعميمه ، لهذه الدرجة ، أو تلك ، على الخريطة السياسية العربية ، من أقصى اليمين ، إلى أقصى اليسار .

وأكاد ، لا أجد ، على الخريطة السياسية العربية ، حزبأ ، أو حركة ، أو تجمعا ، أو مجموعة ، لا تفتك فيها ، جرثومة التفتيت ، والارتداد ، إلى الأصغر .. ، فا لأصغر .. ، وصولاً إلى الفردية .

فالشعب العربي ، يمر الآن بمرحلة ، من تلك المراحل الخطيرة ، التي تمر فيها الشعوب ، عندما يتهدد وجودها ، تهديداً شديداً ، حيث ينظر العربي ، إلى ما يجري حوله ، مشدوهاً ، ثم يتملكه الخوف من الحاضر ، ومن المستقبل ، فكل ما يجري حوله ، مخيف ، يدفعه للارتداد ، لا شعورياً إلى ، ما يتوهم ، أنه بيت الأمان الضيق ، الذي يتقلص مع الأيام إلى الأصغر ، فالأصغر ، بينما تتصاعد شكوكه بالآخرين ، أكثر ، فأكثر ، ويؤدي هذا كله ، إلى حالة فردية ، إلى حالة ، لا مجتمعية .. لا إنسانية .وهذا كله ، يفتح الطريق واسعاً، أمام الغزو الخارجي ، ممثلاً ، بأية عصابة، أو قرصان ... ممثلاً ، بأي مشروع ، أو مخطط ، أو خريطة ، لتفرض على الأمة العربية ، قهراً ، وليسود هذا العصر ، الشديد الانحطاط ، الذي نحيا ، حيث الوطن ، بخبطة قلم ، وببعض الأسر ، والعصابات الصهيونية ، وغير الصهيونية ، منقسم إلى عشرات الأجزاء ، إضافة إلى أجزاء ، امتدت إليها ، يد الجوار ، شرقاً ، وشمالاً ، وجنوباً ... وحيث الشعب العربي ، منقسم إلى مئات ، بل آلاف الأجزاء .. ،وحيث ، لكل الانتماءات الانعزالية ، في الوطن العربي ، وجود مادي فعال ، ثقافي ، وفكري ، ومسلح ، بينما ، الانتماء للأمة الواحدة ، للوطن الواحد ، مجرد مشاعر ، عند البعض ، وحلماً ، عند البعض الآخر العاجز ، حتى الآن ، عن تجسيده بمؤسسة ، تسعى لتحقيق الحلم ..

إنها صورة مأساوية ، لواقع مأساوي ... أدى إلى فراغ سياسي حقيقي في الوطن العربي ، مما أتاح المجال لأفكار ، وقبائل الجاهلية ، أن تسود . وهذا واقع مثالي ، ليتحول القراصنة الذين يغتصبون الأجزاء العربية ، إلى أصنام ، وآلهة ، يفرضون ، وحواشيهم ، على الشعب العربي ، مالا يخطر ، ببال أحد ، من القهر ، والتعسف ، والتسلط ، والهيمنة ، والنهب ، حيث يصبحون ،هم ، أصحاب الأرض ، والثروة ، والناس ، وحيث السواد الأعظم ، من الشعب العربي ، كعبيد روما ، يبحث عن فتات موائد النبلاء ، وصولاً إلى هذه المفارقة التي نحيا ، وهي ، أن الشعب العربي ، الذي يملك من الثروات المادية ما يكفي لأن يحيا حياة لائقة ، وأن يمد يده ، لمساعدة شعوب أخرى كثيرة في العالم ، على الأقل .. هذا الشعب ، مربوط ، الآن ، من أمعائه ، لا يعرف كيف يؤمن مستلزمات الحد الأدنى المطلوب للحياة .. هذا الشعب ، الذي يحاصر بلقمة العيش ، ويعصر ، عصراً ، إلى أن ينزل إلى الشارع صارخاً ، نادباً ، فتلاحقه قوى فرض النظام ، والقانون ، وترتكب بحقه من المجازر ، ما يكفي ، لأن تخمد ثورته إلى سنين أخرى قادمة ، ثم يطلق على تلك " الفورة " .. " مظاهرات الخبز " .. أو مظاهرات الجوع " ... ! !

أليس غريباً ، أن الشعب العربي ، الذي ترتكب بحقه جرائم لا حصر لها ، من أول التسلط ،والقهر ، إلى آخر التسلط ، والطرد من الأرض ، وصفقات التنازل عن أرض الوطن للأعداء ، والطامعين ، يحاصر ، ويفتك فيه ، من الاتجاهات ، كلها ، ثم يتم تجويعه ، فلا يتظاهر ، إلا من اجل لقمة العيش ... ؟ !! يحاصر بعدها ، بتساؤلات التشكيك ، بكل شيء ، وعوضاً عن ، أن يبحث العربي ، في الواقع الموضوعي ، عن أسباب الخلل ، وكيفية مواجهة ما يجري ، يحدق كل عربي ، بالآخر العربي ، باحثاً فيه ، عن عصب موروث ، عن طائفة ، أو مذهب ، أو قبيلة ، ليصبح عدواً له ، شاء هذا الآخر أن يقبل تلك العداوة ، أم لا ، وتحولت " الباطنية " التي فرضتها عصور الخوف على بعض المذاهب القليلة ، لتصبح منهج الجميع ، مع الجميع ... هذا كله ، أدى ، ويؤدي إلى تثبيت هذا المناخ ، الذي لا يمكن ، أن يتيح التنفس ، لأي تحرك سياسي ، عقائدي جاد .. وهذا هو المطلوب ، لأصحاب هذا الواقع السوداوي الراهن ، وللمستفيدين من استمراره . فانتشرت في الوطن العربي ، فتاوى أهدار دم البعض ، من قبل البعض الآخر ، حتى أصبحنا ،نكاد ، لا نجد عربي ، غير مهدور دمه ، من عربي آخر ، بينما الأرض العربية ، مباحة ، والشعب مستباح ، لقوى تستثمر الذين يهدرون الدماء ، والذين تهدر دماءهم ، في آن واحد ...

نقول هذا بداية ، حتى لا يبدو الحديث عن " المسألة الناصرية " ، وكأنه حديث ، عن مسألة منعزلة عن الواقع الذي نشأت فيه ... فالسؤال من هو " الناصري " . ؟ قابله ، ويقابله سؤال داخل "كل تجمع سياسي عربي " من هو ، أي ، أحد .. ؟ وكما تعددت الإجابات ، هنا ، وتناقضت ، وتناحرت ، ودخلت باب السفسطة ، حصل الشيء ذاته ، هناك ، بنسب مختلفة ، وحسب ظروف كل حالة ، على حدة .

(2)

وحتى لا يخرج هذا الحديث عن دائرة العنوان الذي اختاره لنفسه ، دعونا نحاول الإجابة على السؤال الهام : لماذا الحديث في هذا الموضوع الآن ، خاصة ، وأن الذي يتحدث ، نأى بنفسه عن الخوض في هذه المسألة ، حتى عندما كانت في مرحلة الذروة ... وحتى عندما حملت بعض الشلل شهادات " الانتماء للناصرية " .. وشهادات " الطرد من الناصرية " توزعها على من تشاء ، كما كان يفعل الولاة العثمانيون ، عندما كانوا يمنحون رتب الباشوية ، والأفندية ، لمن يشاؤون ، ويوزعون ، في الوقت ذاته ، شهادات الارتداد ، والكفر بالله ، والإلحاد ، على من يشاؤون ، حسب ما تقتضي مصلحة الباب العالي ، بل وصلت الأمور بالبعض " الناصري جداً" إلى درجة توجيه السؤال المباشر : هل أنت ناصري .. ؟ ولم أعرف في ذلك الوقت ، ولم أعرف إلى الآن ، ما قيمة الإجابة ، بالنفي ، أو الإيجاب ، وكأن " الناصرية " ، هي أمر مباح ، لمن يدعيه .... وكأنها ، ليست تعاملاً فعالاً مع الواقع ، لتغييره باتجاه الهدف ، الذي قضى جمال عبد الناصر من أجل تحقيقه ... والأغرب من ذلك ، كله ، أن البعض سطر المقالات ، والكتب لدحض "ناصرية فلان" ، أو إثبات "ناصرية علان" .. يحيط بهذا كله ، أجواء من المناقشات ، أو على الأصح ، من اللغو الفارغ ، حول شكليات ، وقضايا جزئية ، لا علاقة لها ، بالخط الاستراتيجي لجمال عبد الناصر .. كل هذا يجري ، بينما ، الصهيونية ، والامبريالية ، ومنعكساتها الاستبدادية ، المتموضعة ، في كل مكان من الأرض العربية ...كل أولئك يشتركون ، معاً ، في إدارة اللعبة على الأرض العربية ، وإدارة الرؤوس العربية ، في الاتجاه الذي لا يخدم ، لا الأمة ، ولا الوطن ، ولا ذكرى الرجل العظيم ، وعادت الساحة العربية تستقبل ، دون مقاومة تذكر ، مخططات الأعداء ، وجواسيسهم ، ولم نعد نسمع ، تلك ، الـ " لا " ، التي كان يتحدى ، بها ، جمال عبد الناصر ، كل ذلك ..." سواء كان يملك إمكانيات هذا التحدي أم ، لا " .. وتحولت " ناصريات " هؤلاء ، وأولئك ، إلى صورة لجمال عبد الناصر ، يعلقها من يشاء ، فوق رأسه ، ليتحول إلى زعيم ، حارة ، أو شارع ، أو شلة ، أو عصابة ، أو بعض من طائفة ، أو عشيرة ، حسب الحال ، وأصبحت ، تلك "الناصريات" ، ككل الشلل السياسية في الوطن العربي ، تتلهى بالمهاترات ، والشرذمة ، والانقسامات ، والقضايا الجزئية الصغيرة ... وعندما تتململ الجماهير ، التي عاشت مع جمال عبد الناصر ، عصر التحدي ، والمقاومة ، والرفض ، تظهر دعوات لتوحيد " الناصريين " في قطر معين / ونادراً في الوطن العربي / ثم يتبين ، وبعد جدال ، وصراخ ، وإلى آخره .. أن توحيد أصحاب الجلالة ، والفخامة ، حكام الدول العربية ، أقرب ،وأكثر سهولة ، من ذلك بكثير .

فعلى ، ماذا ، يختلفون .....؟ ، وبماذا هم "ناصريون" .. ؟ !

سنوات عديدة مضت ، ونحن نهرب من الإجابة على هذا السؤال : ليس خوفاً ، ولا جهلا ،ً ولكن رجاء ، في ، أن ينفضّ هذا السوق ، الذي نصبوه ، للاتجار ، بالقائد ، الفذ ، عبد الناصر – حياً وميتاً – ، ورجاء ، في ، أن تأخذ ، جماهير القائد ، الفذ ، دورها ، في شق الطريق " الذي قضى القائد ، الفذ ، نحبه " باتجاه الأمة الموحدة ، والأرض الواحدة ، والشعب العربي المتحرر من السيطرة ، والاستنزاف الأجنبي ، والاستغلال ،والاستبداد الداخلي ... متحرر ، من التخلف ، وأمراضه ، وطوائفه ، ومذاهبه ، وعنصرياته ، وقبلياته ، حيث يعيش ، بما يملك من إمكانيات ، ويتقدم ، بما يملك من طاقات ...

إن المتتبع ، لمجريات الأحداث ، التي تلت رحيل جمال عبد الناصر ، وممارسات ، الذين يدعّون " الناصرية " في الوطن العربي ، يستنتج ، دون عناء يذكر ، أن ، لا علاقة ، البتة ، بين "المدعيّن" ، وبين الرجل ، الذي ينسبون أنفسهم إليه ... لا شكلا ، ولا موضوعا .. يكفي التأكيد على حقيقة واحدة ،ماثلة ،وهي ، أن المخططات المعادية للأمة العربية ، للوجود العربي ، والتي كان الطريق إلى تنفيذها ، غير سالكة ، بسبب عقبة التحدي ، التي مثلها جمال عبد الناصر ، أصبحت ، الآن ، واقعا معاشاً ، أو هي ، على الأقل ، قيد التنفيذ الفعلي . فإذا كان ثمة وجود " لناصرية ، ما " في الوطن العربي ، هل لنا ، أن نسأل :

ما هو التحدي ، الحقيقي ، الذي جسدته تلك "الناصريات" للمخططات المعادية ، وإذا كانت ، لم تفعل ، عجزا ، أو خيبة ، أو .. ؟ .. هل لنا ، أن نسأل ، بماذا هي "ناصرية" .. ؟

قد تأتي الإجابة ، بالميثاق ، ببيان " 30 مارس " ، بخطب عبد الناصر ، بفلسفة الثورة ، بتحالف قوى الشعب العاملة ... لكن ، هل هذا كله ، كلمات تقال ، أم واقع يعاش . لقد كان "الميثاق" ، والتحالف ، والوحدة ، والعدالة الاجتماعية ، بالنسبة لجمال عبد الناصر ، معارك يومية ، مما جسّد ، على طول الأرض العربية ، وعرضها ، تلك المشاعر ، العريضة ، التي حصنت الأمة ضد الانزلاق ، إلى مخططات الأعداء ، ومشاريعهم . فالمطلوب " كحد أدنى " لأي فرد ، أو جماعة ، حتى ينتسب ، أو ينسب ، لخط جمال عبد الناصر ، هو المحافظة على روح المقاومة ، والتحدي ، للمشاريع المعادية ، لإجهاضها ، ثم العمل على تحقيق مخطط الاستقلال الوطني ، والاقتصادي ، والسياسي ، للأمة العربية ، وهذا ، مالا يتوفر ، على حد علمنا " بالناصريات " موضوع الحديث .

لقد حاولت ،أغلب ، تلك " الناصريات " أن تكسب حب ، وولاء جماهير عبد الناصر ، من جهة ، وأن تحقق المكاسب ، والسلامة على حساب مباديء جمال عبد الناصر ، من جهة أخرى ، والمسألة لا تكلفها في النهاية ، إلا صورة ، بإطار فاخر ، لجمال عبد الناصر ، وقليل من الورع ، والخشوع ، عند الحديث عنه ، وهذا بنظرها ، يكفي ، لأن تفعل بعد ذلك ما يحلو لها ، ثم ، يغدو ، هذا الذي يحلو لها ، هو " الناصرية " ، وما عداها " كفر ، بها " .. !!

(3)

لقد ، كانت المعايير ، التي تحكم تصرفات جمال عبد الناصر ، هي معايير التحدي ، والمقاومة ، لقد قال ، يوما ، أنه ، كان ، إذا اتخذ إجراء ، أو تصرف ، ما ،ولم تهاجمه القوى المعادية ، وأجهزة إعلامها ، فمعنى هذا ، أن ، في هذا التصرف ، خلل ، ما ، ... هذا النمط ، من التفكير ، والسلوك ، انقلب رأساً على عقب في السبعينات ، و الثمانينات ، وأضحت الشطارة ، والفهلوة ، ومعرفة ، ما هي مخططات القوى " العظمى " ، ثم الاتساق مع تلك المخططات ، وبذل كل الجهود لتنفيذها ، هو الشعار المرفوع ، ليس على مستوى الأنظمة ،وحسب ، وإنما على مستوى المنظمات ، والأحزاب ، والقوى السياسية ، في الوطن العربي ، أيضا ، " إلا ما ندر " ، نقول ، هذا ، في معرض حديثنا عن " الناصريات " علّنا نحدد ، موضوعياً ، الأسباب الكامنة ، للمأساة ، التي تلقي ، بظلالها ، الكثيفة على وجودنا ، فأوضاع القوى ، والأحزاب ، والمجموعات ، والفرق ، والملل السياسية الأخرى ، في الوطن العربي ، ليست أحسن حالا ، من أوضاع " الناصريات " إياها ... ذلك ، أن الخريطة السياسية ، في الوطن العربي ، تحولت إلى قوى ،كاريكاتورية التكوين ، تفتقد ، أدنى حد ، من الترابط المنطقي ، بين الشكل ، والمضمون ، بين الممارسة ، والأهداف المعلنة . حتى يكاد المراقب ، لا يجد أدنى علاقة بين الأيديولوجيات المشرعة ، والسلوك الحقيقي ، لأصحابها ، وهذا ، ما أدى إلى النتيجة المنطقية ، وهي تهميش دور الحركات السياسية ، في الوطن العربي ، وعودة علاقات التخلف ، من أول القبلية ، والعشائرية ، إلى آخر الطائفية ، والمذهبية ، والعائلية ، والإقليمية ، لتصبح ، هي العلاقات الحقيقية ، السائدة .

وتحولت القوى السياسية ، والإيديولوجيات السياسية ، إلى مجرد قشور سطحية ، تسقط في الممارسة الحقيقية ... لقد أضحى السؤال ، إلى ، أية ، طائفة تنتمي..؟ ، أو ، من أي مذهب أنت...؟ ، أو ، أين مسقط رأسك..؟ ، أو ، من أين انحدر ، جد ، أجدادك ..؟ ، أكثر أهمية ، بما لا يقاس من :

ما هو ، حزبك السياسي ...؟ أو ، ما هي الإيديولوجية الفكرية ، التي تحكم تصرفاتك .. ؟ !!

نقول هذا ، لنشير إلى الأزمة العامة ، لحركة التحرر العربية ، أو حتى ، لا يخطر ببال ، أي كان ، أن يعتبر خصوصية هذا الحديث عن " الناصرية " ، أنه يقتصر عليها .. فلدينا ما نقوله ، لمختلف الفصائل ، والمجموعات ، والأحزاب السياسية العربية ، كل ، بالأسلوب المناسب .. ، ذلك ، أن ما جرى في الوطن العربي ، وما يجري ، يستحق من كل عربي ، مراجعة شاملة ، حتى ، لبعض الأفكار التي "سمت" لديه ، في بعض الأحيان ، إلى درجة "التقديس" ، للوصول إلى فرز حقيقي ، يعتمد على ، ما اختار ، ومارس ، أي ، عربي ، لا على صك ميلاده ... على هويته ، العقائدية ، فكرا ،ً وسلوكاً ، لا على الهوية ، التي تصدرها دوائر الأحوال المدنية ، وغير المدنية ، في الوطن العربي .

(4)

وإذا كان لابد من تغيير الصورة ، فإن عملية التغيير ، المرجوة ، تبدأ ، بالتعامل مع الواقع العربي ، كما هو ، دون الاستسلام ، لظواهره المرضية ، ودون الانزلاق ، إلى خنادق الصراعات المشبوهة ، بين قوى تتصارع ، حتى الموت ، أحياناً ، لكنها تصل في النهاية ، بهذا الشكل، أو ذاك ، إلى ذات المحطة المرسومة ، سلفاً ، من القوى المعادية ، وهذا يقتضي ، من الذين يرشحون أنفسهم ، للنهوض ، بحركة التحرر العربية ، من جديد ، أن يمتلكوا رؤية جديدة ، شاملة ، تقتضي ، في اغلب الأحيان ، تخطي حدود ، الشلل ، والأحزاب ، والمجموعات ، والأقاليم ، والطوائف ، إلى نمط جديد من التفكير ، والممارسة ، فلم تعد تكفي ، انتفاضة داخل هذه الفئة ، أو انقسام تصحيحي داخل ذاك التيار ... فكل ما تؤدي إليه ، مثل هذه الحركات ، هو زيادة تفتيت البنية السياسية السائدة .. ، وأجزاء ، الأجزاء ، لن تكون أكثر فاعلية ... مهما بدت ولادة الجنين المنقسم براقة .

المطلوب ، هو بناء مؤسسة قومية عربية ، حقيقية ، بين المناضلين ، الذين أفرزتهم التجربة المرة ، ... مؤسسة ثورية ، مكوناتها الأساسية ، مستمدة من أجزاء مختلفة المنشأ ، لكنها موحدة الرؤية ، والهدف ، والسلوك ، نتيجة للخبرة ، والمعرفة ، وانكشاف الكثير ، الكثير من الأوراق ، التي كانت مستورة ، إلى وقت قريب جداً ... ما نقصده باختصار ، هو ، أن الحدود القائمة بين القوى ، والمجموعات السياسية ، في الوطن العربي ، لم تعد تعبّر ، تعبيرا موضوعياً ، عن واقع الحال ، فلم يعد الانسجام ، سائداً ، داخل المجموعة الواحدة ، ولم يعد التضاد ، حاداً ، بين المجموعات ، التي كانت متناقضة ، إلى وقت قريب ، أو ، هي متناقضة ، إلى الآن – بل نحن أمام واقع ، قد نجد ، فيه " كادر .. ما " في حالة تصادم ، مع عناصر خليته ، حول قضية حارة مطروحة ، بينما ، نجده ، متفقا ، ومنسجما ، مع آخر ، في تجمع آخر ، من المفترض ، أن التنافس حاد ، بينهما ، في المنطلقات ، والأهداف .. هذه ، الحال ، تعبر ، تعبيراً حقيقيا ، عن أزمة البنية الحزبية ، والحركية العربية ، وتعبر ، أيضاً ، عن تخلف تلك البنية ، في فهم التغيرات الحادة ، التي جرت في الواقع العربي ، مما حولهّا ، من أحزاب تسعى ، لتغيير هذا الواقع ، إلى أحزاب تجري ، وراء الأحداث ، علهّا ، تفسر ما يجري ، وغالباً ، ما تعجز ، حتى ، عن تفسير ، هذا الذي يجري ، وهذا يفسر لنا ، بوضوح ، حالة العجز الصارخ – الذي هو ، السمة المميزة ، للحركات السياسية العربية عن الفعل ، والتأثير ، فأضحت تلك الأحزاب ، هي ، أحزاب " الأمين العام " ، الذي ، هو صاحب الامتياز ، والتصرف ، وبالتالي ، فإن البنية التحتية ،لتلك الأحزاب ، اقتصر دورها ، على التلقي ، وأصبحت العلاقة ، ذات اتجاه واحد ، من الأعلى ، إلى الأسفل ، وفقط ، فتحولت ، تلك البنى الحزبية ، إلى أطر شكلية ، أكثر من كونها ، قوى حقيقية ، قادرة على الفعل ، والتأثير ، والتقرير ، والتدبير ، والحركة . قد يثور سؤال مشروع هنا : ما علاقة هذا كله بالحديث عن "الناصرية" .. ؟

نقول : بما ، أننا ، ندعي عدم ممارسة هواية " المماحكة والمناظرة " ، فإن ، لهذا الحديث ، هدف ،وغاية أساسية ، تتمثل في معرفة الواقع العربي ، كما هو ، وكشف أسباب ، وملابسات ، وظروف المرحلة الخطيرة ، والصعبة التي تجتازها الأمة ، وحقيقة القوى ، التي تحتل مساحات واسعة من الأرض العربية ، وبالتالي ، البحث ، والعمل ، والسعي ، بالوسائل ، كلها ، لأن تفرز هذه الأمة ، المضادات الحيوية ، أو صادات فعالة ، تحمي الوجود ، المهدد ، وتنطلق إلى التحرير ، والتوحيد ، ورفع الظلم السياسي ، والاجتماعي ، وهذا لن يكون ، إلا ، برؤية شاملة ، تتجاوز الحدود التقليدية ، بين المجموعات ، والقوى ، والأحزاب السياسية .. ثم عليها ، أن تسقط من الحساب ، الأفكار ، والممارسات ، التي أوصلت الأمة ، إلى مرحلة الخطر الراهنة ، وأن توضح ، وتحدد ، وتسن الشرائع العقائدية،والقانونية ، التي ولدت من مخاض المحنة ، والتجربة الشديدة التنوع ... وهذا يعني ، أننا نريد وضع هذا الحديث ، عن جماهير جمال عبد الناصر ، في سياقه التاريخي ، لأن هذا التيار الجماهيري ، الهام ، يجب ، أن يخرج ، من سوق الاتجار فيه ، والتسلق على أكتافه ، بهدف جرجرته إلى مواقع معادية ، ومناقضة ، لأهداف تلك الجماهير ... فتتبصر تلك الجماهير طريقها ، في السياق العام ، للنهوض ،والتنوير ، مع ، من تفرزهم التجربة المرة ، أو الذين ، أفرزتهم : لإنقاذ الوطن ، والشعب ، من المحنة .

لعل ما تقدم ، يجيب جزئيا عن مبررات هذا الحديث ، ولماذا ، في هذه الظروف..؟ ، أما الجزء الباقي ، من الإجابة ، فيأتي من مصدر آخر ، أبطاله ، مجموعة من الشباب العربي ، بينهم خالد جمال عبد الناصر .

(5)

تقول حيثيات القضية " الدعوى " التي رفعتها الإدارة الأمريكية ، ممثلة ، بشخص السفارة الأمريكية في القاهرة ، بالتضامن مع الحركة الصهيونية ممثلة ، بشخص "السفارة الإسرائيلية" المتواجدة في القاهرة ، أيضا ، تمثلها وزارة الخارجية ، في جمهورية مصر العربية : إن هذه المجموعة ، من الشباب العربي ، التي تضم خالد عبد الناصر ، وآخرين ، قد خططوا ، ونفذوا ، عمليات ملاحقة ، وترصّد ، وقتل ، وشروع بالقتل ، لمجموعات من "الإسرائيليين" ، والأمريكيين ، في مصر .

في مواجهة ذلك ، جاء على لسان أعضاء المجموعة ، ولجان الدفاع ،برئاسة "المحامي عصمت سيف الدولة" ، ما يضيف إلى ملف القضية ، مالا تطيق جهة الادعاء ،تلك ، مواجهته ، فلجنة الدفاع ، تستطيع أن تدخل في هذه القضية ، عشرات الآلاف من عرب مصر ، وربما عشرات الملايين ، من الذين ، قتل لهم ، أب ، أو أخ ، أو ابن ، أو زوج ، أو زوجة ... هؤلاء الذين قتلوا على أرض مصر ، بسلاح أمريكي ، وأياد صهيونية ، والمحكمة ذات اختصاص ، مكاني ، بكل هذه الجرائم ... فهل تستطيع ، أن ، ترد تدخل أم ثكلى ، أو أب قتل ولده ، في مدرسة "بحر البقر" ، أو أرملة قتل ، زوجها في معمل "أبي سنبل" ، أو ...

على كل حال ، هذا موضوع مفتوح أمام "محكمة أرض المعارض بالقاهرة" ، والأطراف لن تبخل بتقديم ما لديها ، من أدلة نفي ، وإثبات ، وسنترك ذلك ، للتحقيقات ، وما يمكن أن تنقله الأخبار الصحفية ... رغم ، أن في هذه القضية ، ما يغري للحديث عنه ، من أول ظروف ولادة الفكرة ،بتأسيس ،"منظمة ثورة مصر العربية" ، إلى إطلاق الرصاص ، إلى الطريقة التي حركت فيها قوى العدوان ،هذه القضية " الدعوى " ، فيما بعد ، والتي ندعّي ، من وجهة نظر قانونية بحتة ، أن الطرف المدعي " الأمريكي الإسرائيلي " ، قد وجه إهانة ، بالغة ، لسيادة دولة مصر العربية ، وقرارها المستقل ، الذي "حرص عليه"الرئيس "المرحوم" أنور السادات ، ويواصل "الحرص" عليه الرئيس الأبن حسني مبارك .

المهم في الموضوع ، أننا ندعي ، أن المهام ، التي نذرت ، مجموعة من الشباب العربي في مصر ،أرواحها لتنفيذها ، من أول ولادة الفكرة ، إلى تنظيم الخلايا السرية ، إلى تحديد الأهداف ، وتامين الوسائل ، وإطلاق الرصاص ... هي، مهام ، شديدة القرب ، من جمال عبد الناصر ، من ناحية الجوهر ، والموضوع ، وأنه ، بالتالي يفترق عن " الناصريات " المنتشرة ، شمالاً ، وجنوباً ، طولاً ، وعرضاً ، في الوطن العربي . أما ، من ناحية الوسيلة ، والأسلوب ، فقد جاء هذا الفعل ، قاصراً عن الأداء ، المتصاعد ، المستمر ، فما يجري في مصر ، لا يمكن مواجهته ، إقليمياً ، وتلك النتيجة ، عبارة عن قاعدة قانونية ، ننسبها إلى جمال عبد الناصر ، الذي واجه الأعداء ، بتنظيم سري ، للضباط الأحرار ، في مصر ثم إلى ، تنظيم هيئة التحرير،والإتحاد القومي ،والاتحاد الاشتراكي ، كل ذلك ، كان ، في مصر ... ثم ، اكتشف جمال عبد الناصر عجز الأدوات الإقليمية ، فكان ، إعلانه الشهير ، بأن " الحركة العربية الواحدة " هي ، وحدها القادرة ، على مواجهة الأعداء ، في مصر ، وفي الوطن العربي ...ثم كانت هزيمة ال67 لتثبت ، نهائيا ، عجز المؤسسات الإقليمية......

إن جمال عبد الناصر ، لم يطلق نداء الدعوة ، للحركة العربية الواحدة ، إلا بعد ، أن جرب ، وخبر ، واختبر ، كل ، الوسائل الإقليمية الممكنة ، وبالتالي ، فإن نظرة موضوعية إلى خط عبد الناصر الاستراتيجي ، تبيّن ، بوضوح ، أن عبد الناصر ، كان ، ثائرا ، متطوراً ، وهذا ما مميزه ، عن الانقلابيين العسكريين ، في العالم الثالث ، عموما ، وفي الوطن العربي ، على وجه الخصوص ، وما يحدد الأطر ، والقواعد ، للذين يرغبون ، نسبة أنفسهم إليه ... فما فعله جمال عبد الناصر في فترة زمنية ، ثم طوره ، إلى وضع أرقى ، وأكثر تقدماً ، يكون الوضع المتقدم ، هو ، واجب الالتزام فيه ، وما فعله ، ومارسه ، ووضع أطره الفكرية ، والتنظيمية ، وهو قائد لحركة التحرر العربية ، يلغي ، كل ، ما يناقضه ، من أفعال ، وممارسات ، نفذها عبد الناصر ، كحاكم ، لدولة مصر .

ثم ، أن عبد الناصر ، ليس صنماً ، وليس قابلا ، للتصنيم .. إنه ينتمي إلى أولئك العظام ، في تاريخ أمتنا ، الذين يمتدون عمقاً ، إلى جذور الأمة ... أولئك الذين حطموا الأصنام ، أو حاولوا تحطيمها ، على الأقل ، واستهدفوا بناء وحدة مجتمعية ، حضارية ، للأمة ، وهذا يعني ، أنه ، من العبث ، أن ننسب ، إلى جمال عبد الناصر ، مجموعة إقليمية ، أو مجموعات متصالحة ، مع واقع رفضه عبد الناصر . فأول شروط الانتساب ، لجمال عبد الناصر، هو الشرط المتعلق ، برفض الواقع المجزأ ، التابع ، المستلب ، وعدم التحالف ، بأي شكل ، من الأشكال ، مع القوى ، التي تدير لعبة التجزئة ، والتخلف ، والاستلاب ، في الوطن العربي . ومن هذا المنطلق ، قلنا ، أن ، ما قام به ، أولئك الشباب العربي ، الذين يضمون ، بين صفوفهم ، خالد جمال عبد الناصر ، ينتسب إلى الخط " الناصري " ، من حيث الموضوع ، وليس من حيث ، أن بينهم خالد جمال عبد الناصر ، وليس ، من جهة ، أنهم يدعون "الناصرية" ، أو لا يدعونها .

(6)

في الأعوام ، التي تلت حرب " أكتوبر " ، تشرين الأول ، 1973 ، وفض الاشتباك ، واتفاقيات الفصل ، في سيناء ، والجولان ، ثم ، اتفاقية سيناء الثانية ، التي مهدت ، لرحلة الرئيس أنور السادات "التاريخية" إلى القدس المحتلة ، كان الشباب العربي " الناصري " مشغول بـ " الناصرية " ما هي ؟ : فكراً ، وعقيدة ، وأسلوباً ، واتجاهاً .. وكان تحديد المدلول العقائدي ، والسلوكي ، "للناصرية" ، غاية في الصعوبة ، كان ، بعض رواد نوادي الفكر الناصري ، في جامعات القاهرة ، وعين شمس ، وغيرها ، في غاية الحماس ، لتحديد ، من هو " الناصري " ، ومن ، هو ، غير " الناصري " ، وكانت المشارب ، تذهب ، بهم ، إلى اتجاهات مختلفة ، ومتناقضة ، كان ، البعض منهم ، مازال يراهن على "ناصرية" الرئيس أنور السادات ، رغم ، أن سيادته ، كان ، قد وقع اتفاقية سيناء الثانية ، ووضع 99 بالمائة ، من أوراق دولة مصر في الجيب الأمريكي الواسع ... ، وكان ، هؤلاء ، يبنون مراهناتهم ، على أن الرئيس السادات ، تحدث ، في خطابه ، تلك الأيام ، عن جمال عبد الناصر " الله يرحموا " ، مادحاً ... وكأن القضية ، هي موقف ذاتي ، من هذا الشخص ، أو ذاك ، وليست موقفا ، موضوعياً ، من اتجاه ، وحركة ... لقد كانت الحوارات ، التي شاركت في بعضها ، في تلك الفترة ، عنيفة ، وشائكة ، والأعصاب متوترة ، والتشويش الفكري ، وصل أقصاه ، وأدار الرؤوس باتجاهات ، أقل ، ما يقال فيها ، أنها ، تؤدي إلى عجز الجميع ، عن الفعل الايجابي ، وارتفعت دعوة الالتزام بالنصوص ، والالتزام ، حتى ، بالسلبيات ، التي مارستها أجهزة دولة مصر الإقليمية ، وبات التكفير ، والتشهير ، متاحاً ، للقاصي ، والداني ، وغدت ، كل ، محاولة ، للفت الأنظار إلى الأخطار المحدقة ، بالأمة ، وتاريخها ، وتراثها ، وأرضها ، وأبطالها التاريخيين ، ومنهم عبد الناصر ... أصبح كل ذلك " انحراف خطير " ... التصدي له ، أكثر أهمية ، من مواجهة ، الصلح ، مع "إسرائيل" ، ومن التصدي ، للتبعية الكاملة ، للولايات المتحدة الأمريكية ، اقتصادياً، وسياسياً ، و ..

محنة عربية .. ، شديدة القسوة .. ، كل ، ما فيها ، يذكرّنا ، بعصر الانحطاط ، بل ، أقسى ، هذه المرة ، فالأسلحة أكثر تطوراً ، الآن .. ، فالسياسة : سياسة طوائف ، عصر الانحطاط .. ، الفن والثقافة : " السح الدح انبو " .. ، الاقتصاد : اقتصاد ، ربوي ، يعتمد المقامرة ، والفهلوة ، والشطارة ، والفساد ،و ... ، الأرض ، القومية ، المقدسة : لم تعد مقدسة ، في ظل الواقعيات الجديدة ... الخيانة ، والتفريط : غدت ، مجرد وجهات نظر ... هناك ، حقوق مشروعة ، للشعب العربي الفلسطيني ، وبالتالي ، فإن هناك "حقوق لم تعد مشروعة للفلسطينيين" ... في ظل واقع ، كهذا ، هل ، يوجد عبد الناصر ، أو " ناصرية " ، تتصالح مع القوى ، التي تصنع هذا الواقع المأساوي ، وتشرف عليه .. ؟ !! وهل ، هناك أقل من الرفض ، ثم التنظيم ، ثم الحركة ، ثم إدارة الصراع ، ضد ، كل ، الأدوات ،والرموز ، التي صاغت ، وتصيغ ، هذا الواقع المناقض ، لكل ، ما أراد عبد الناصر ، أن يحققه ، في الوطن العربي ... ففي واقع ، أقل سوءاً ، من هذا ، نظم عبد الناصر ، خلايا سرية ، وكتب مناشير تحريضية ، ووضع خطط ، ونفذ ...

قد ، تفرض المتغيرات ، أسلوب جديد ، للمواجهة ، يختلف عن أسلوب عبد الناصر ، لكن ، من ناحية ، تحقيق الأهداف في الواقع الموضوعي ، فإن المطلوب ، هنا ، هو ذات المطلوب ، هناك ،وهو : تغيير الواقع ، ثورياً ، باتجاه الهدف الأخير ، الاستراتيجي ، الذي أطلقه عبد الناصر " قبل أن يغيب ، أو يغيّب " ، وهو ، تحرير الأرض العربية ، وتوحيدها ، وتحقيق العدالة الاجتماعية ،ورفع ،كل أشكال العدوان على الحقوق الأساسية للمواطن العربي ، وتحقيق ، التقدم ، والتنمية ، والاستقلال للشعب العربي ... لكن ، هل ، للادعاء ، بالتزام ، هذه الغاية ، أي معنى ، أو قيمة حقيقية ، دون العمل ، والتفكير ، والاجتهاد ، والممارسة المضنية ، والتضحية ، لبناء حزب ، ثوري ، قومي عربي ، تقدمي ، حقيقي ، بعيد عن الشكليات ، تخوض كوادره معارك الأمة ، والوجود ، والبناء ، والتحرير ، والوحدة ، بكافة الأسلحة ، من أول الأسلحة ، التي تفتك بالأعداء ،وتدفعهم خارج حدود الوطن ، إلى ، آخر الأسلحة ، التي تعيد بناء الإنسان العربي الذي ، يكاد ، أن يفقد الذاكرة ... لكن ، وفي نوادي الفكر الناصري ، كانوا يرفضون مصطلح حزب .. فليكن ، دعونا ، نقول : أداة ، تحالف ، مؤسسة ، تنظيم ، ... سمّوه ، ما شئتم ، المهم ، أنه " شيء ما " له ، حدود واضحة ، يختلف عن " الرخويات " السائدة ، على سطح الحياة السياسية العربية ... " شيء ما " ، قادر ، على الفعل ، والمواجهة . وهذا يعني ، أنه يجب ، أن تتوفر فيه الحدود الدنيا ، من الشروط المطلوبة ، للمقدرة ، على الفعل الواقعي ، في مواجهة أعداء ، لا ينقصهم ، التطور ، والأدوات ، والخبرة .. فالقضية ، ليست شكلية على الإطلاق ، وعلى سبيل المثال ، هل يمكن ، أن نتصور بناء ، أداة ، لتحقيق ، هدف ، تغيير الواقع العربي ، ثورياً ، دون ، أن تكون ، هذه ، الأداة ، قومية تمتد ساحة فعلها ، وحركتها على طول الساحة العربية ، وعرضها ؟ ... هنا ، كان ينتفض البعض ، في نوادي الفكر الناصري : فالواقعية ، كما يعتقدون ، تفرض عليهم ، تجميع " الناصريين المصريين " توحيدهم ، تنظيمهم ، وتلبية حاجات الشارع المصري : سكن ، طعام ، لباس ، رخاء ، والالتحام ، مع معاناة الناس ، من ، أول ، رغيف العيش ، إلى أزمة السكن .. قلنا ،لكن ، أيها الأخوة : الظروف ، بعد عبد الناصر ، غيرها ، معه .. لقد ، كانت دولة مصر ، تتميز ، بأن عبد الناصر ،القومي العربي ، يحكمها ... ، الآن ، أجهزة ، هذه الدولة ، تتجه بطريق معاكسة ، وبالتالي ، فإن ظروفاً جديدة ، لا بد من التعامل معها ... هناك فرق ، بين إصدار قرار ، وأنت على رأس أجهزة ،تضبط حركتها ، فتنفذه ، وبين اتخاذ قرار ، في مواجهة أجهزة سلطة ، تتناقض مع هذا القرار ،وتصارع لإحباطه .

إننا ، في مواجهة واقع جديد ... ثم : ألم يحن الوقت ، لتتحول القضية القومية ، من مجرد مشاعر وأفكار ، وتمنيات ، إلى مؤسسة مقتدرة ، واقعياً ، على خوض المعارك الشرسة المفروضة من قوى متعددة الغايات ... ألم يحن الوقت ، لننظر إلى القضية القومية ، من وجهة نظر واقعية ...؟؟ لماذا ، هذا الانحياز ، لسائر أنواع الواقعيات ، في الوطن العربي ، من ، أول ، الواقعية الإقليمية ، إلى الواقعية ، في التعامل مع "إسرائيل" ...؟؟ ، وترفضون التعامل ، مع الواقعية العربية ، القومية ، لماذا ،هذا ، الإصرار ،العجيب ، على ، أن القضية القومية في الوطن العربي ، هائمة خارج الواقع ... وكأن أزمة رغيف العيش ، والسكن ، والتعليم ، والتحرير ، والتقدم ، والاشتراكية ، والديمقراطية ... ليست أزمات قومية ...؟؟؟ ، لماذا ، التوهم ، أو ، الإيهام ، بأنه من الممكن ، أن تحل ،تلك المشكلات ، كلياً ، أو جزئياً ، إلا في الإطار القومي .. ؟

إن العرب ، جميعا ، لا يعرفون كيف يأكلون ، لأن التجزئة اتخمت البعض ، لدرجة التقيؤ ، وهي حالة مرضية .. وحرمت ، البعض الآخر ، من الحد الأدنى ، اللازم ، لاستمرارية الحياة ، وهي حالة مرضية ، أيضا ً ... إن التجزئة ، وضعت البعض ، في قصور ، وقلاع ، لا يعرفون كيف يعيشون فيها ، ولا كيف ، يتعاملون مع "الدارات الإلكترونية" المنتشرة على جدرانها ، وأبوابها ... وهي حالة مرضية ، وحاصرت ، البعض الآخر ، ليعيشوا في المقابر ، ويتعلموا التعايش ، مع الديدان ، التي ، تنخر عظام موتاهم .. وهي حالة مرضية أيضاً ... إن التجزئة ، وفرت للبعض وسائل مواصلات ، فارهة ، متطورة ، وألبستهم ، آخر ، صرعات الأزياء ، ووفرت لأولادهم مقاعد ، في أرقى جامعات العالم ، وحاصرت ، البعض الآخر ، في وسائل للنقل ، كتب على أبوابها ،أنها ، مخصصة لنقل الأبقار ، والأغنام ، وتركتهم ، شبه ، حفاة ، عراة ... وأجبرت العديد منهم ، على أن ينزعوا حقائب المدرسة ، عن ظهور أولادهم ، ويستبدلونها ، بصناديق مسح الأحذية ، وبيع اليانصيب ، والدخان المهرب ... ومن ، ثم ، أشياء أخرى .. ؟ !!

التجزئة ، إذن ، ليست ، "فعيلة" ، هائمة ، على سطح الحياة العربية ، إنها فعل معاد ، مركب ، شديد التعقيد ، يعزل الإمكانيات المادية ، للأمة ، عن الإمكانيات البشرية ، فيها ، فتذهب الأولى ، ترفاً ، وسفهاً ، وتفريطاً ، للأعداء ، وتحاصر ، الثانية ، لاهثة ، وراء لقمة العيش ، تتعثر ، في الحصول ، على النذر اليسير ، منها ، بعد ،أن تريق ، ما تبقى من ماء الوجه ، ويملأها الشعور بالذل ، والإذلال ... ، أليس ، هذا الواقع ، هو الذي فتح عيني جمال عبد الناصر ، على ضرورة ، وواقعية السعي ، والنضال ، لتحقيق ، هدف الوحدة العربية ، وبناء الدولة العربية الواحدة .. ؟

ثم ، هل كان جمال عبد الناصر ، يبحث ، عن إمبراطورية ، يتربع على عرشها ، أم ، كان ، يبحث ، عن ، الاستقلال ، والكفاية ،والعدل ، والتحرر من التبعية ، وتحرير الإمكانيات القومية ، وهو يتحدث ، عن الوحدة العربية ..

وللأسف الشديد ،فإن الجواب ،كان : إن هذا الكلام ، نظري ، فالمّلح ، الآن ، واقعياً ، هو ، تنظيم الناصريين المصريين ، ورفع شعارات ، تلبي حاجاتهم ، الملحة ...

لكن ، أيها الأخوة ، لن تستطيعوا ، إقليمياً ، تلبية ، أي ، من الحاجات الملحة ، للجماهير العربية ، في مصر ... فلماذا ، هذا الإصرار ، على تكرار التجارب الفاشلة .. ؟ ، ففي ظل هذا المنطق ، تشكلت مجموعات ، وشلل " ناصرية " ، في الإقليم الشمالي ، لم تعجز ، عن استعادة ، الجمهورية العربية المتحدة ، وحسب ، وإنما عجزت ، عن تلبية ، أي ، من الحاجات الملحة ، لعرب سورية ، وتحولت ، موضوعيا ، إلى جزء ، من الإشكاليات السلبية ، التي فرزها الانفصال ، وهي ، الآن ، في المواقع ، والمواقف ، التي تعرفون ... وفي لبنان ، أيضا ، تحدث " الناصريون " ، لنا ، عن خصوصية الوضع اللبناني ، وأنهم سيحررون لبنان ، أولاً .. وهم ، الآن ، في المواقع ، التي تعرفون ... و " ناصريو " ، فلسطين ، واليمن ، والخليج ، والمحيط ،لم يكونوا أسعد حظاً . فلماذا لا نستفيد من التجارب .. ؟ : ثم ، أليس العزوف ، عن تكرار التجارب الفاشلة ، " قانون ناصري " .. ؟! ، المهم ، أن تلك الحوارات ، انتهت إلى ، اللا جدوى ، ولا نتيجة ، وتفرق ، أبطال ، تلك الحوارات ، في مسالك مختلفة ، وبعضهم ، سطر الكتب ، فيما بعد ، ليخلع ألقاب " الناصرية " ،على البعض ، وينفيها ، عن البعض الآخر ، ثم سارت الأمور ، في الواقع العربي ، إلى المنحدر ، الذي نعيش ... وأحس ، الذين ، لا يجيدون الاشتراك في هذا " الهزل " السائد ، والذين ، لا يجيدون ، التلهي ، بالاشتراك في تلك الحركات الكرتونية " بينما وطنهم مباح " ... هؤلاء ،غمرهم الإحساس ، أن البساط ،سحب من تحت أقدامهم ، فاعتزلوا ،وانعزلوا ، عن الكثير ، من المماحكات الفارغة ، ورفعوا شعار : إذا ، لم يكن من الممكن ، صياغة الايجابيات ، فلنمتنع ، عن المساهمة ، في صناعة السلبيات ... ولنميز ، أنفسنا ، على الأقل ، عن بعض " الأنماط الناصرية " التي طفت ، على السطح ، تتجر ، بعبد الناصر ، وتبيع نفسها ، وتبيعه ، لمن يدفع أكثر ..، وأنماط أخرى تتمتع بالصدق والنوايا الحسنة أبقت على ولإها العذري للرجل لكن مع عجز مطبق عن ترجمة ذلك الولاء إلى فعل إيجابي على الطريق الصحيح !!

يتبع ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق