الأحد، 31 يناير 2010

أوباما يعالج الفشل بالخطابة


منير شفيق

أول ما يُلفت الانتباه في خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما حول "حالة الاتحاد" يتمثل في نبرته الخطابية التحريضية العالية، سواء أكان تركيزه على القِيَم الأميركية التقليدية ليُغطي من خلال الحديث النظري على الممارسة العملية الأميركية، وما تعانيه تلك القِيَم، علماً أن الممارسة كانت دائماً شيئاً آخر، من انهيار وتدهور، أم كان تشديده على عدم الاستسلام لليأس والقنوط من الحالة التي وصلتها أميركا اقتصادياً وسياسياً، وهيبة ومكانة ودوراً، وبث روح الأمل واستعادة الثقة بالنفس وبالقدرة على استعادة زمام المبادرة والقيادة وتحقيق الإنجازات والأهداف، اعتماداً على البلاغة وليس الوقائع.
إنه خطاب لو ألقاه زعيم من العالم الثالث لاستهزأ به مثقفونا الليبراليون المتأمركون، ولرموه بكل ألوان النعوت التي تسخر من الكلام حين لا يتطابق مع الممارسة وواقع الحال، كما من الشعبوية والديماغوجيا والكلاملوجيا. ولكنهم مع الرئيس الأميركي باراك أوباما لن يصفوه بشيء من هذه النعوت، لأن "الفرنجي برينجي". ولأنهم بحاجة إلى انتشالهم من حالة اليأس بسبب إخفاقات أميركا في السنة الماضية من عهد أوباما، موصولة مع إخفاقات سلفه جورج دبليو بوش، ولأنهم أخيراً، وليس آخراً، في المركب نفسه ولا يحبون أن يشمت بهم الشامتون. وقد رهنوا كل ما عندهم على أميركا والعولمة، بما في ذلك قضية فلسطين ومستقبل العرب والمسلمين وشعوب العالم الثالث.
أما ثاني ما يلفت الانتباه في الخطاب فهو ذلك الحرص على عودة المقاتلين من الجيش الأميركي في أفغانستان والعراق، طمأنةً للشعب الأميركي بأنه سوف يعود بهم وفقاً للتواريخ المحدّدة. وقد بدا كأن العودة من جبهة القتال التي فتحتها أميركا باحتلال كل من العراق وأفغانستان هدفاً أميركياً شعبياً من الطراز الأول. وهذا موقف يناقض طبيعة أميركا الإمبريالية العدوانية الاحتلالية الهيمنية. ومن يشك في ذلك فليقرأ تاريخ أميركا وجيشها منذ السنوات الأولى على استقلالها في العقد الـ8 من القرن الـ18 الميلادي حتى اليوم. فسِجّلها في هذا المجال يفوق سجّل بريطانيا وفرنسا.
فأميركا لا تستطيع أن تخلع عن رأسها خوذة الحرب، ولا تعفّ عن العدوان العسكري واحتلال بلدان أخرى أو نشر مئات القواعد العسكرية على طول العالم وعرضه. فإن من يفعل ذلك لا يستطيع أن يكون متهافتاً على استعادة جنوده من جبهة القتال، بلا انتصار، وبلا تحقيق هدف العدوان والاحتلال إلا إذا كان مهزوماً، ولم يعد يستطيع تحمّل كلفة ما فعل، وقد أصبح التراجع أقل كلفة من البقاء.
ولكن، لأن هذا الوعد بالذات يناقض طبيعة النظام والوجود الأميركيين منذ النشأة حتى اليوم، فإن على كل من الشعبين العراقي والأفغاني التسلح بأعلى درجات اليقظة خلال السنتين القادمتين 2010 و2011، فإدارة أوباما ستسعى، وهي تسعى فعلياً، إلى إنامة اليقظة، وإيقاف المقاومة، وإيجاد معادلات سياسية واقتصادية وأمنية وحتى عسكرية لتحقيق الهدف الذي لم تستطع فرضه بالعدوان والاحتلال العسكري.
إن المرحلة المتمثلة بالسنتين القادمتين تمثل الامتحان الأصعب بالنسبة إلى قوى المقاومة والممانعة وإلى مناهضي الاحتلال بعامة من حيث تبني الخط الصحيح في مواجهة الاحتلال، وذلك حين تلين ملامسَه أو في الأدق حين يُغلب العمل السياسي والفعل التصالحي على سياسة القوّة وحدها كما كان يفعل قبل هذه المرحلة، أي قبل اليأس من تحقيق الهدف عبر الحل العسكري-الأمني.
الخط الصحيح الأمثل هو عدم مساومته أو الدخول معه في لعبة المفاوضات السريّة أو العلنية، وذلك بالإصرار على الانسحاب الفوري، وبلا قيد أو شرط، فما أحدثه على البلاد والعباد خلال العدوان والاحتلال يجب ألا يُقابَل بتقديم التنازلات مهما كانت "ضئيلة"، أو بدت شكلية، فالعدوان أو الاحتلال يجب ألا يُكافأ مطلقاً.
إن الدخول في لعبة المساومة يؤدي إلى تفسيخ الصفوف وإضعاف المقاومة وتمييع الممانعة، وإلقاء ظلال من الشبهات، بحق أو بلا حق، على مُمارسِها، الأمر الذي كثيراً ما أدّى في تجارب شعوب عدة إلى استبقاء الهيمنة بعد الانسحاب الكلي أو الجزئي، كما أدّى في بعض الحالات إلى استعادة المبادرة العسكرية والأمنية لتصفية المقاومة والممانعة.
صحيح أن ما من حالة مثل أخرى في تجارب الشعوب وهي تخوض معارك التحرير من الاحتلال، لأن لكل حالة فرادتها، ولا يُحكم عليها إلا بالنتائج، من جهة، ولكن من جهة أخرى، وقبل ذلك، يجب ألا تنهج في قراراتها طريق القياس مع غيرها من تجارب، وإنما بناء الموقف السياسي على معطيات الحالة المعنية وخصوصيتها، ويا لتعس من يحسنون المقاومة في الأيام الصعبة والعسيرة، ولكنهم يسقطون في امتحان السياسة حين ينتقلون إلى المساومة، وينقادون وراء عدوهم إذ يغريهم بالاعتراف بهم، أو ببعضهم، ثم ينتهون إلى فقدان ما أحرزوا من نصر أو صمود في الميدان العسكري من خلال مساومات قادت إلى تقسيم صفوفهم وإضعاف مقاومتهم وإفساد مناخ المقاومة والعطاء لها بغير حدود.
إن كل ما أراد أوباما أن يصل إليه في خطابه سواء الموجَّه إلى الخارج أم الداخل هو إنامة اليقظة وتمييع الموقف المعارض للسياسات الأميركية الفاشلة التي تبناها داخلياً وخارجياً.
إن أوباما عاجز، ولكنه لم يفقد الأمل، ولا يريد أن يفقد أمل شعبه فيه، وأوباما مهزوم في العراق وأفغانستان ولكن لم يلق السلاح، وأوباما متخبط في معالجة القضية الفلسطينية ولكنه مصّر على تصفيتها لحساب الكيان الصهيوني.
*منسق عام المؤتمر القومي- الإسلامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق