الثلاثاء، 26 يناير 2010

أبناء النهضة تعالوا إلى كلمة سواء !


مراد علي

يستخلص المرء من الحوارت القائمة بين أبناء الحركة أنه بين وجهتي نظر تنافس إحداهما الأخرى متسلحة في كل ذلك بشتى أنواع الحجج والبراهين حتى لتحسبن نفسك أحيانا بين شقين متصارعين ولما لا وربما بين طائفتين أو حزبين متناقضين لا تشك وقتها ولو للحظة
أن هؤلاء ليسوا أبناء فكرة واحدة وخاصة لما يزكي هذا الخلاف ويدعمه ولو من بعيد أو بدون قصد رجال لهم وزنهم وقيمتهم بين أبناء الحركة ولا أعرف حقيقة ما السر في ذلك حتى أنه تتملكني الحيرة أحيانا بين هذا الطرف أو ذاك.
لا أعرف حقا من غرر بنا أو هل وصل الأمر إلى أنه لم يعد أحدنا قادرا على التمييز بين الخلاف الممدوح شرعا وقانونا والذي هو في حقيقته قوة وليس ضعفا كما يتبادر للأذهان فيكون ذلك بتلاقح أفكار هذا مع ذاك وتتم عملية التفاعل التي تكون نتيجتها في الغالب الوصول إلى الرأي الأصوب الذي يكون ثمرة لكلا المتحاورين فلا أعرف لما يخلط البعض بين هذا الخلاف وبين الخلاف المذموم شرعا الذي يفرق ولا يجمع ويهدم ولا يبني ذاك الخلاف الذي لا يحسب فيه المرء حساب المصلحة العامة التي تستدعي أحيانا أن يتنازل أحدنا عن ما يراه صوابا لأجلها.
الخلاف سنة سنها الله بين بني البشر لتفاوت مدارك كل واحد عن أخيه وتبقى هناك أصول وبديهيات يتفق عليها الجميع ومنها يتم البناء لتحجيم هذا الخلاف حتى تسير السفينة وتنطلق وهذه السنة تجلت واضحة لا غبار عليها في شرعنا الحنيف ومنها خرجت لنا مذاهب وآراء تقلد بعضها الآخر وترد بعضها على بعض بدون أن يحصل تنافر مذموم يفرق الجمع على ما هم عليه ولعلني أذكر في هذه المسألة حادثة أسرى بدر التي توضح بشكل لاشك فيه أن الصحابة اختلفوا في هذا الموضوع بين قائل بقتلهم وبين قائل بالفداء
وغير ذلك من الآراء فحكم كل واحد منهم بحسب ما أنعم الله عليه من عقل بين من تشدد في أمرهم كسيدنا عمر وبين من لين فيهم كأبي بكر رضي الله عنه فتكون بذلك هذه الحادثة فاصلة في أن الخلاف وارد بغض النظر على أن القرآن أيد رأي سيدنا عمر ولكن الثمرة هو أن الخلاف وارد بدون أن ينقص شئ ولو بسيط من أخوة ووحدة الرابطة المتينة من وحدة الصف , ولو تمعنا كتاب الله و تدبرناه لوجدنا أيظا أمثلة كثيرة تعطي المجال لكل مجتهد في أن ينال نصيبه من الحجة
والدليل على نهجه سواء كان ذلك شديدا في دين الله أو رحيما فيه فيتمثل كل على حسب ما يسر الله له, ولو نتوسع قليلا لرأينا أن دولا في عصرنا تحكم وتدار بهذه السنة فلا يكاد نظام يحترم نفسه يخلوا من جناحين اصطلح على تسميته في عالم السياسة هذه بأجنحة الحمائم والصقور ومع ذلك لا تشهد نفورا كبيرا بينهم بل كل يحاول أن يبني مع الثاني
وكل يقوم بالشئ الذي لا يستطيعه الثاني فيغذي كل واحد ما يحتاجه الآخر تجمعهم في ذلك مصلحة عليا لا يختلفون عنها قيد أنملة وبالمقابل من يشاهد من بعيد لا يستطيع أن يتهم هذا الكيان بممارسة الإزدواجية التي تشكك في مصداقية كليهما بالرغم أن الإزدواجية موجودة حقيقة وتبادل الأدوار قائم لا محالة بل ومحترمة هذه الإزدواجية ومقبولة و لربما تعطي فرصة أكثر للتعامل مع هذا الكيان أو النظام للآخر الذي يريد التعامل معه, ربما مرد ذلك أن الكل يعي حقيقة وضرورة أن بغير هذه الإزدواجية لا تسير الأمور ولا تصلح الأشياء فكيف لا وقد تعلم الإنسان شرقا وغربا
أن أول خلية تحكم في هذا المجتمع تحكم بهذه المعادلة فيتبادل كل من الأم والأب الأدوار بين متشدد وملين في تسيير أمور أول مملكة يمكن للإنسان أن يحكمها أو يسيرها ولهذا أصبحت هذه المعادلة ضرورة لا ينكرها إلا معاند لا يبغي إلا خرابا لما يريد حمل الناس على رأي واحد
الخلافات النهضوية : يقول فريق من أبناء النهضة وهم من يسمون بدعاة المصالحة ولكني سأسميهم بالحمائم تماشيا مع جوقة الذوق العام كما سأسمي دعاة المغالبة بالصقور
يقول جناح الحمائم أن الإخوة في القيادة هم السبب في ما آلت إليه الأوضاع من توتر وتأزم بيننا وبين السلطة مم سبب كوارث دفعت الحركة ثمنه باهظا كان يمكن أن تتفاداه لو تخلت عن نهج المغالبة
وبالتالي يطالبون بأن تقف القيادة وتراجع أخطائها وتعلنها على الملأ على الأقل كرد حق لأولائك الذين غرر بهم ودفعوا إلى حرب غير متكافئة فلا أقل أن يعترفوا لهم بأخطائهم كما يطالبونهم أيظا بالتخلي عن هذا النهج (أي نهج المغالبة) لأن المصالحة مع النظام ممكنة لولا وأد المبادرات التي يتسببون فيها وكم فرصة أضاعوها.
في المقابل يقول الصقور قمنا بمراجعات ونشرناها ولا توجد هناك أي بوادر لمصالحات من قبل النظام بالرغم أننا دعوناه للمصالحة في أكثر من مرة وما الترويج لهكذا مبادرات إلا ترويج للأوهام والساحة تشهد بذلك هذا بإيجاز
وإلا فنقاط الخلاف تصل في بعض الأحيان أكثر من ذلك وخاصة لما تشتم منها الحوارات الشخصية التي تعلم وقتها قطعا حقيقة الخلاف الدائر وأسباب توسعه حتى لتحسب نفسك إذا ما قرأت نقدا لهذا الشق أو ذاك أنك أمام رجل يغضب له سبعين ألف قلم لا يعلمون فيما غضبوا
إذن هذه هي أهم النقاط المختلف عليها وإني وإن كنت أميل إلى أحدهما إلا أني لست بصدد الدفاع أو التبني لهذا أو ذاك لإيماني أن لكل رأي له ما يؤيده ويقويه بوجه الآخر فلو أخذنا مثلا ما يقوله الحمائم في أخطاء القيادة واعترافها بها وتضييع الفرص على المصالحة نجد أن في قولها هذا فيه من الحق ما فيه من الباطل
فأخطاء القيادة يستحيل أن تكون هي السبب الرئيسي في ما آلت إليه الأوضاع لأنه لا يعقل أن نتجاهل العوامل الداخلية والخارجية المعلومة لكل الناس والتي لافائدة في ذكرها فلطالما تغنى بها ورددها الصقور في الدفاع عن أنفسهم
ولكن يكفي أن أضرب هذا المثل الذي يوضح الصورة بشكل تام فلو نشبه الحالة السياسية في تونس قبل أن يحصل الإصطدام بالبيت الذي له أكثر من عمود يحمله فمن النهضة إلى التجمع إلى غيرهم من الأحزاب كل يحمل على حسب قدرته فسنجد أن بيتنا التونسي يتألف من عدة أعمدة ومن البدهي أن عمود النظام أو التجمع هو العمود الرئيسي والأساسي لهذا البنيان وفجأة اختلت هذه العواميد وبدأت تتهاوى الواحدة تلوى الأخرى إلى أن سقط البيت على الجميع فهل يعقل وقتها أن نأتي إلى عمود في طرف الزاوية لنلقي عليه الحمل كله ونتهمه بإسقاط البيت ليخرج أهم عمود في البيت بريئ بالرغم أن الحمل الرئيسي يتحمله هو ويفهم الأمر هكذا بين القاصي والداني , ألا يكون في هذا ظلم كبير وتغيير وتزييف للحقائق وأكثر من ذلك اتهام بريئ وبراءة متهم أفليس الأولى أن المتسبب في الأزمة كل الأطراف
والنظام يتحمل القسط الأكبر وإذا ما غيرنا هذه الحقيقة وشوهناها فأي مصداقية لمصالحة بنيت من أولها على تزوير الحقائق أليس الصواب أن خطأ قيادة النهضة بسيط ويكاد لا يذكر أمام خطأ النظام مم يجعلها في حل مما تطالبونها به لما يجره عليها هذا الذنب البسيط بأن تبوء بكل تبعات الخراب الذي حصل كالذي قتل دجاجة والذي قتل إنسانا لا يستوون ومم يعمق الأمر ويزيد الطين بلة اكتفاء الحمائم بإلقاء اللوم على القيادة
بينما نجدهم في نفس اللحظة لا يكتفون بالسكوت عن أخطاء النظام بل يخاطبونه خطاب مشبوه بالتطبيل أحسب أن أكثرهم يعلمون يقينا في داخل أنفسهم أن ما يقولونه ليس له أي مصداقية على أرض الواقع
وهذا سبب قوي جدا مم يجعل ما يطرحونه لا يلقى له بال بل هم يساعدون إخوانهم على اتهامهم لما يصل الأمر أحيانا إلى فعل لا تجد له عذر ولا تأويل ولعلي أذكر مرة أن أحد الإخوة الذين يطرحون هذا الطرح قام بغزوة كبيرة إذا صح التشبيه على الشبكة يبشر ويدعو إلى مبادرة يعلم الكثير من الناس أنه لا يتكلم من فراغ وأنه ربما له اتصال بالنظام في ما يطرحه و لربما أوكل حقا بهذه المهمة
وهذا ما يفسر استماتته في اقناع إخوانه في جدوى ما يطرح وتحمل ما تحمل من هجمات من هنا وهناك كان في غنى عنها فطرح ما طرح ولكنه للأسف لم يحسن عرضه فقلب سافلها عاليها حتى علق أحد الناس أن بعض أقطاب النظام قال عنه أنه لم يحسن طرح مبادرته فيكون بذلك قد ساهم من حيث لا يدري بتعميق الأزمة من حيث لا يدري بل وقع في نفس الأمر الذي يتهم به غيره من تضييع للفرص والمبادرات لما شوهها وأخرجها عن إطارها
أما بالمقابل أيظا ما يقول به الصقور فهو كإخوانهم فيه من الحق ما فيه من الباطل فتخطئ القيادة خطأ كبيرا لما تجعل كل ماي قوله الحمائم في سلة المهملات
وبالتالي تجاهله عوض الإستفادة من عين الصواب الذي فيه فما يطرحه الحمائم له مصداق قوي جدا في أرض الواقع وإخوانهم لا يروجون الأوهام كما يقولون بل هناك تغيير حاصل من قبل النظام وتجاهله لا يعني قطعا عدمه
فمن يذكر في السنوات الأولى الخطاب الرسمي للنظام ليجدن الفرق جليا واضحا بينه وبين خطاباته في السنوات الأخيرة التي يفهم منها أنه على استعداد لتقبل الحوار وعلى استعداد على حلحلة الوضع وإن كان على استحياء
إلا أنه لا ينفي أن هناك تغيير يجب استثماره بدل تبديده فلو رجعنا قبلا لوجدنا خطاب النظام لا يكاد ينسى في أي مناسبة على أن يعلن أنه لا حوار مع المتسترين بالدين كناية في ذلك على حركة النهضة حتى أصبحت هذه الجملة تقليدا دأب عليه الخطاب الرسمي لسنوات عديدة بينما نجد مؤخرا بعض المؤشرات التي تدل على تخلي النظام على هذه السياسة
هذا بالإضافة إلى أسباب كثيرة أوردها أستاذنا عبد المجيد النجار في خريطته الأخيرة تعزز وتدلل على أن هناك تغيير قادم لا محالة وهي أسباب وجيهة ومعقولة إن لم نقل بتوكيدها قطعا وهذا كله هو ما يجعل لقول الحمائم نصيب كبير من الحق في وجه الصقور فتقتضي الحكمة وقتها للتعامل مع كلا الطرفين بجدية و الإستفادة من كلا الأخوين كل على القدر الذي هو فيه فالحمائم يخطؤون إذا فكروا يوما أن المصالحة ممكنة بتجاوز آراء إخوانهم من الصقور الذين يشكلون لهم في الحقيقة دعما خفيا علموه أو لم يعلموه ويشكلون لهم سببا مقنعا لدى النظام للتعامل معهم لو كان فعلا هناك اتجاها لدى السلطة لحلحلة هذا الملف وكلاهما في الحقيقة يغذي بعضه بعضا لامناص لكليهما من كليهما إذ لا يتم ما يرجوه هذا إلا بالتوحد مع ذاك وهذه هي الثنائية العجيبة التي أشرت إليها سابقا وهي سنة الله في خلقه سبحانه لا يخلق شيئا عبثا ماذا لو قلنا وفي ذلك فليتنافس المتنافسون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق