الثلاثاء، 26 يناير 2010

جانفي :ذكريات وطموحات شعب


النفطي حولة
26 جانفي 2010
في مثل هذا الشهر المجيد نتذكر جميعنا كناشطين نقابيين وسياسيين وحقوقيين تلك الأحداث التاريخية التي حفزت هممنا و زادت من طموحاتنا في المضي قدما على درب الحرية والتحرر السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ففي 20 جانفي 1946 تأسس على يد الزعيم الفذ فرحاد حشاد الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة مستقلة تناضل في سبيل القضايا الاجتماعية العادلة من أجل تحقيق المطالب المادية والمعنوية المشروعة للطبقة الشغيلة  كما ساهمت من موقع متقدم في تلك المرحلة في النضال الوطني والكفاح ضد الاستعمار . بل كان نضالها يمتد على مستوى المغرب العربي بربط الجسور واللقاءات والتحالفات لتضييق الخناق على الاستعمار الفرنسي ايمانا من قيادتها بالعمق الاستراتيجي العربي  غربا أوشرقا  في القضاء على الهيمنة والسيطرة الاستعمارية .
وهذا ما يستشهد به الدكتور الطاهر كرفاع في دراسة تاريخية متميزة  على النضال السياسي للنقابات العمالية في المغرب العربي من 1947 الى 1961 فيقول :
هذا النشاط السياسي للاتحاد العام التونسي للشغل بحكم المرحلة التي يعيشها كمرحلة كفاح وطني » ضد الاستعمار بكل صوره وتأكيداً على  تلاحمه النضالي مع الأشقاء في منطقة المغرب العربي
وجه  الدعوة إلى قادة الحركات النقابية في كل من ليبيا والجزائر والمغرب  لحضور المؤتمر الرابع للاتحاد المذكور المنعقد في الأول من ماي 1951 م بمناسبة عيد الاعمال العالمي وهى لم تكتسب الشرعية القانونية من السلطات الاستعمارية في بلدانها بعد -حيث جاء على  لسان أمينه العام  فرحات حشاد : " أن لقاء قادة الحركات النقابية في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب هو بمثابة عيد للوحدة فبهذا العيد يحتفل الشعب الجزائري وشعب مـراكش وشعب طـرابلس لإقامة الدليل على أنها»
  ويزيد في تأكيد هذا التوجه فيقول :
تعود أولى خطوات النشاط السياسي للحركات النقابية المغاربية إلى الاتحاد العام التونسي          » للشغل ، من خلال مؤتمره التأسيسي الأول الذي انعقد عام 1947م حيث أكد في بيانه التأسيسي على ضرورة توحيد أقطار المغرب العربي بإضافة ليبيا إلى الخارطة السياسية للمنطقة ( ) بعد ما كان مصطلح المغرب العربي قبل هذا التاريخ يقتصر على تونس والجزائر والمغرب الأقصى ، وهو ما نرى فيه دلالة على     أن شعوب المنطقة نجحت في العودة إلى هويتها الوطنية والقومية رغم كل الجهود التي بذلها الاستعمار لطمس تلك الهوية هذا فيما يخص الكفاح التحريري الذي خاضته الحركة النقابية قطريا ومغاربيا وعربيا زمن الاستعمارالمباشر وأما بعد 20 مارس 1956 وفي مرحلة الاستعمار الجديد وأفول نجم الاستعمار القديم بصعود الامبرلايالية العالمية بزعامة أمريكا  فقد خاضت الحركة النقابية في تونس الكفاح السياسي والاجتماعي من أجل استقلالها السياسي والتنظيمي بعيدا عن استبداد الحزب الدستوري الذي حكم البلاد بعقلية الانفراد بالحكم والسطوعلى كل المنظمات والجمعيات المدنية .
 وكانت أول معركة خاضها الاتحاد العام التونسي للشغل في أحداث 26 جانفي 1978حيث قررت القيادة النقابية بزعامة الحبيب عاشور الاضراب العام  كتتويج لسلسلة من الاضرابات المطلبية ضد سياسة الارتفاع الجنوني للأسعار والتصدي لهيمنة الحزب الحاكم على المنظمة  تمسكا ودفاعا عن استقلالية المكنظمة الشغيلة.  وعاشت البلاد في تلك الأيام ظروفا صعبة  فلأول مرة ينزل الجيش للشارع فتعطى له الأوامر باطلاق الرصاص على المتظاهرين فيسقط  المئات من الضحايا الأبرياء ويزج بالقيادة النقابية في السجون  والمعتقلات والمحتشدات وينكل بهم ..
وانتصبت المحاكم على طول البلاد وعرضها تقيم المحاكمات السياسية الغيرعادلة في جو من الارهاب وضرب لأبسط حقوق الانسان في محاكمة عادلة . فتنتهك الحقوق وتضرب الحريات وترتكب أبشع أنواع الجرائم والتعذيب الوحشي الذي أدى الى استشهاد المرحوم حسين الكوكي  والمرحوم سعيد قاقا وغيرهما من النقابيين تحت التعذيب.  وتبقى المنظمة تحت الوصاية باذن من النظام الحاكم الذي قام بتنصب التيجاني عبيد على رأسها.
وبعد عامين من تلك الأحداث  الدامية وفي السابع والعشرين من جانفي لسنة  1980 تتعرض البلاد الى أخطرمواجهة مسلحة في حوادث قفصة التي قادها احمد المرغني وعزدالدين الشريف قدماء الحركة اليوسفية الخصوم السياسيين لبورقيبة . وكان في نية مجموعة قفصة أن يحصل تمردا شعبيا على خلفية السخط على النظام القائم واختياراته الاقتصادية والاجتماعية التابعة للنظام الرأسمالي العالمي . الا أن شيئا من ذلك لم يحدث . بل وأكدت تلك الحوادث أن أمن تونس الخارجي  مرتبط بأمن فرنسا حيث  كانت القواة العسكرية الفرنسية على أهبة الاستعداد لانهاء التمرد.
الا أنه وفي ظرف سنة من تلك الأحداث وبعد حالة الانغلاق التام للمشهد السياسي في ظل سيطرة الحزب الحاكم  بالكامل على الحياة السياسية وبأمر من الدوائر الامبريالية تقع الدعوة لما يسمى بالتعددية السياسية في تونس ولأول مرة بمناسبة انعقاد مؤتمر الحزب في عام 1981  يعلن بورقيبة بأنه لا يرى مانعا في السماح لأحزاب معارضة تونسية بالنشاط السياسي.
وهكذا يمكًن كل من حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الوحدة الشعبية من العمل العلني كما يسمح للحزب الشيوعي باستئناف نشاطه المحضور وتعطى  التأشيرة القانونية لاحقا للحزب الاشتراكي التقدمي.
وفي أول انتخابات تعددية في نوفمبر من سنة  1981 تفشل التجربة  وتتعرض نتائج الانتخابات للتزوير بشهادة الوزير الأول السابق محمد المزالي في برنامج شاهد على العصر الذي بثته قناة الجزيرة منذ 4 سنوات أو أكثر.
وتتوالى الأحداث بعد املاءات شروط صندوق النقد الدولي على الحكومة بالتخلي عن سياسة الدعم  بعض المواد وخاصة الرئيسبية منها كالحبوب .فتشرع الحكومة في برنامج ما يسمى بالاصلاح الهيكلي الذي يشجع على الخصخصة وعلى الانفتاح اللامحدود على الرأس المال الأجنبي وفتح السوق الداخلية  على مصراعيها  للاستثمار الأجنبي .
وفي مطلع سنة 1984 وبالتحديد في 3 جانفي تقع انتفاضة الخبزأو ثورة الخبز والتي كان سببها هو رفع الدعم بالكامل عن الحبوب  والذي نتج عنه مضاعفة سعر الخبز.  وللمرة الثانية ينزل فيها الجيش للشارع وتعطى له الأوامر باطلاق الرصاص على المحتجين من المتظاهرين سلميا  فيسقط المئات من الضحايا الأبرياء ويعتقل العشرات من المواطنين ظلما وتلفق ضدهم تهما باطلة وتصدر في حقهم أحكاما قاسية .
وأخيرا وليس آخرا هاهي أحداث الحوض المنجمي في كل من الرديف وأم العرائس والمتلوي والمظيلة تنطلق باضراب جوع يوم 5 جانفي  2007 احتجاجا على النتائج المشبوهة التي أعلنت عنها شركة فسفاط قفصة في مناظرة الانتداب للشغل والتي كانت القطرة التي أفاضت الكأس نتيجة البطالة المتضخمة في الجهة وخاصة لأصحاب الشهائد العليا . وبدأت تلك الأحداث على خلفية المطالبة بالشغل والتوزيع العادل للثروة والحق في بيئة سليمة ونظيفة بعيدا عن حالة التلوث كما نادوا بمحاسبة المتنفذين في الشركة والسلطات المحلية والجهوية ممن تسببوا في الفساد المالي والاداري .  
ويبقى شهر جانفي المجيد بالنسبة للطبقة الشغيلة وللجماهير الشعبية هو الشهر الذي تتذكر فيه آلامها وآمالها وطموحاتها وتعمل جاهدة من أجل تحقيق قيم العدل والحرية والمساواة.
أليس من حقنا أن نستعيد ذكرياتنا الجميلة في شهر جانفي الجميل ؟
أليس من حقنا أن نحلم في زمن سرقوا فيها أحلامنا ؟
أليس من حقنا أن نحلم في زمن نهبوا فيه ديارنا ؟
هل نسكت حتى تصادر حقوقنا حتى في  الحلم ؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق