الثلاثاء، 26 يناير 2010

اليمن: فشل الحل العسكري شمالا وجنوبا


كتب : عريب الرنتاوي
قبل أن تبدأ صحف ووسائل إعلام عربية، بالكشف تباعا عن "محادثات سرية" بين جماعة الحوثي من جهة وكل من صنعاء والرياض من جهة ثانية، كانت التطورات ميدانيا على الأرض، تبعث على الاعتقاد، بأن "شيئا ما" يعد في خفاء، وأن "طبخة سياسية" يجري إنضاجها على نيران "الحرب المزدوجة المستعرة" في صعدة وجوارها.
فجأة ومن دون سابق إنذار، تتوقف العمليات العسكرية السعودية الكبرى ضد الحوثيين، وتتحول المواجهة معهم إلى نوع من "التراشق الموضعي" بالنيران الخفيفة والمتوسطة، مع بعض الغارات الجوية المفترقة إن جاز التعبير، وفجأة ومن دون سابق إنذار، يُطوى ملف "الإنذار" الذي وجهه الأمير خالد بن سلطان للحوثيين للانسحاب من مناطق سعودية حدودية احتلوها من قبل، وفي غضون 48 ساعة، تحت طائلة التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور، انتهت المهلة الزمنية المحددة، لم يتجدد "الإنذار"، لم ينسحب الحوثييون ولم تشن القوات السعودية هجومها الحاسم والنهائي، فما الذي حال دون هذا وذاك وتلك؟!.
على الجبهة الثانية للحرب المزدوجة، حيث تستخدم صنعاء نصف قواتها المسلحة ضد "عصابة المتمردين" كما تقول المصادر، كانت المعارك الكبرى أيضا قد وضعت أوزارها، ويبدو أن الأطراف، بما فيها الحكومة المركزية، قد أنهكت، وما عادت لديها القدرة على شن عمليات من "العيار الثقيل"، وكانت "المصادر" تسرب أنباء الحديث عن استدعاءات لكبار الضباط، ومن بينهم الضابط الإشكالي علي محسن إلى صنعاء، وسط تكهنات عن تبني الحكومة استراتيجية جديدة، تعلي من شأن التفاوض والوساطات القبلية، على خيار الحسم العسكري المتعذر.
ست حروب شنتها صنعاء على مناطق الحوثيين الوعرة والجبلية الشاهقة، لم تنته إي منها إلى الحسم العسكري، وأكثر من ستين يوما من المعارك الضارية، وبكل أنواع السلاح، خاضها الجيش السعودي ضد هؤلاء وعلى أرضه بالذات، ولم تنته إلى "الحسم مع الحوثيين"، ولا إلى دفعهم عشرات الكيلومترات داخل الأراضي اليمنية، كما كان مخططا للحملة السعودية، بل ولم تؤد إلى "تحرير الأراضي السعودية المحتلة"، والكشف عن هوية الأسرى والمفقودين من جنود المملكة.
إذن، يبدو أن الأطراف، اليمن والسعودية تحديدا، قد توصلت إلى قناعة مفادها أن لا حل عسكريا لأزمة صعدة والحوثيين، وأن الحل السياسي / الاقتصادي / الاجتماعي هو وحده الكفيل بإخراج اليمن من محنته، ودرء كأس التقسيم والاحتراب الأهلي الذي يقترب من شفاه أبنائه، ولقد جربت الأطراف حظها ميدانيا، والأرجح أنها أكتشفت بأنها لم تكن محظوظة، ولن تكون، وأن النصر مكلف ومتعذر، وأن مستنقع صعدة، قد يتحول إلى أفغانستان جديدة، ولا أحد يريد أن يلعب، أو يشتهي أن يكون في موقع كرزاي أو زرداري.
أمس، أعلن عبد الملك الحوثي، "الذي عاد من الموت ليحيا ويغني" كما يقول محمود دوريش، عن سحب جميع قواته من جميع الأراضي السعودية، كبادرة حسن نيّة، آملا أن توقف المملكة عملياتها ضد جماعته، وأن لا تسمح للجيش اليمني بالمرور بأراضيها للالتفات على قواته من الخلف، وهو ما اعتبره سببا في دخول رجاله عمق الأراضي السعودية.
وقد تزامنت المبادرة الحوثية، مع انباء عن مبادرة مصرية للتوسط بين صنعاء والحوثيين وقوى الحراك الجنوبي، وهو يأتي قبل أيام من مؤتمر "أصدقاء اليمن" في لندن، والذي تفيد المعلومات بشأنه، بأن ضغوطا غربية ستمارس على صنعاء من أجل تصعيد حربها ضد القاعدة، وحل مشكلاتها مع الجنوب وصعدة، بوسائل سياسية.
ويبدو أن الانفتاح المفاجئ، والمثلث الأضلاع: المصري – السعودي – اليمني (الحكومي) على صعدة والحوثيين، يأتي كخطوة استباقية لمؤتمر لندن، وكمحاولة لقطع الطريق على ضغوط الغرب، سيما وأن الحسم العسكري المتعذر شمالا، يبدو مستحيل جنوبا كذلك.
لقد قرأت صنعاء وأصدقائها في القاهرة والرياض وغير
ها من العواصم العربية، رسالة الغرب بصورة واضحة على ما أظن: كل الدعم لصنعاء ووحدة اليمن، شريطة التفرغ للحرب على القاعدة والإرهاب، وإغلاق ملفات صعدة والحراك الجنوبي بالحوار والانفتاح والمشاركة، وإخضاع النظام لقواعد المساءلة والشفافية والحكم الرشيد ومحاربة الفساد، بعد أن أصبح اليمن برمته على مشارف الانهيار في مستنقع الدول الفاشلة والممزقة والمصطرعة والمنقسمة على ذاتها والمهددة لجوارها والماسّة بالأمن العالمي كذلك.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق