الثلاثاء، 26 يناير 2010

كيان الهولوكوست



محمود ابو بكر
لا توجد دولة واحدة في العالم تمكنت من ابتزاز العالم بقضية "إنسانية " مضى عليها أكثر من ستة عقود من عمر الزمن كما فعلت إسرائيل..  فهي لا تزال " تبتز " كل من يختلف معها بوصمة "معادي للسامية" في استخدام مخل وفاقد للمدلول الحقيقي للعبارة.
في حين لا تتواني هي نفسها من ممارسة أبشع الجرائم الإنسانية المعتمدة أساسا على " التفرقة  العرقية والدينية " في ممارسة لا تختلف كثيرا عن تلك التي ارتكبتها أيدي كل من " أدولف أيخمان/ وأدولف هتلر/ هينريك هيملر " ورفاقهم  النازيين .. الذين اعتقدوا إمكانية  إبادة %64 من يهود أوروبا ، بعد  أن أدركوا أن الأساليب التي اتبعت في ألمانيا هتلر  بغرض تشجيع  اليهود على الهجرة من ألمانيا لم تؤتي أكلها وبالتالي  رأوا ضرورة الاتجاه نحو  الاستبعاد القسري" وهو ذات النهج الذي تسير فيه إسرائيل اليوم في خططها وممارساتها الساعية ليس إلى إبادة فلسطينيي القطاع والضفة فحسب ، بل إلى  الدفع والاستبعاد  ألقسري لفلسطيني الأرض المحتلة (فلسطينيين الـ 48)  ..نحو أوطان بديلة ..وهو ذاته ما قامت به النازية ضد اليهود .
وفي حين أضحت تلك المأساة  عارا في جبين الحضارة الغربية ، لم يتمكن أحد من قادة و منظري هذه الأخيرة التخلص من عقدة الذنب تلك،  نحو رؤية " جرائم لا تقل ضراوة  "عن تلك التي ارتكبت في ألمانيا .. تمارسها –هذه المرة-  دولة يفترض أنها موطن أولئك الفارين من " الهولوكست" ..فيما لا ترى دولتهم "المزعومة" غضاضة في أعادة "هولوكستات جديدة "  في أرض الأنبياء .. وكل ذلك يتم تحت لافتة " معاداة السامية " حيث أصبحت " السامية " ماركة مسجلة، وحدها تل أبيب   من يملك حق استخدامها وحق إدانة الناس بتهمة معاداتها دون وجه حق .
ولأن من أيسر الأمور هو " رمي الناس بالباطل بغرض تحقيق مكاسب معينة " فقد نجحت  الدولة العبرية لعقود مضت من "ابتزاز" كل من يملك قلما شريفا  ويفضح جرائم الاحتلال  ، وذلك عبر مطاردته بتلك العبارات الجاهزة من "الاتهام"  الذي يبدأ بمعاداة السامية ولا ينتهي بدعم الإرهاب .
وهي ذات التهم التي تفجرت فجأة  من قبل "تل ابيب " في مواجهة  دولة ظلت لسنوات عديدة بعيدة عن ذلك الصخب  اليسير من تشابكات السياسة الدولية والإقليمية، دولة ظلت توصف " بالحياد السلبي " في تعاطيها مع المعضلات  التي تطوق عالمنا المعاصر .
ولم تكن تلك الدولة الصغيرة المسالمة  في الاسكندنافيه تعلم أن تقريرا واحدا يوقعه الصحفي  " كارل دونالد بوستروم " في  صحيفة "أفتون بلاديت" يمكن أن يقلب الأمور رأساً على عقب ، ويجعل منها دولة "متهمة بمعاداة السامية " .
حيث أدى تقريراً نشره الصحفي المذكور و أورد فيه شهادات حول قيام جنود إسرائيليين بسرقة الأعضاء الداخلية لعدد من الشهداء الفلسطينيين..إلى قيام الدنيا في " تل ابيب" حيث تحركت كل المؤسسات في محاولة لكبح جماح هذا التقرير والحصول على اعتذار ليس من الصحفي فحسب بل من حكومة " السويد " أيضا باعتبارها  موطن الصحفي والصحيفة ..
بل أن بيان الخارجية الإسرائيلية طالب حكومة  السويد بضرورة إدانة التقرير وتكذيبه بل وذهب الى حد القول :  " نحن نشدد على أنه ليس فقط الصحافة السويدية ..بل الحكومة السويدية يجب أن تعبر عن رأيها في مواضيع جوهرية كمكافحة الأنشطة المعادية للسامية ".
وفي الوقت الذي ينبغي فيه الإشادة بالموقف الذي اتخذته الحكومة السويدية  بالمرابطة خلف "حرية التعبير"  التي يضمنها الدستور والقيم السويدية ، والدفاع عن حرية مواطنها في تناول كافة القوالب الصحفية بحثا عن الحقيقة ، فإن " الابتزاز " الجديد الذي تتعرض له تلك الدولة الصغيرة المسالمة حتما يشير إلى طبيعة  الدولة العبرية  التي لم تسلم حتى المآسي الإنسانية من الاستغلال السياسي  لها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق