السبت، 13 فبراير 2010

المكان الطبيعي للطلبة على مقاعد الدراسة لا في السجون: حقيقة ما حدث في منوبة


بقلم : عادل الحاج سالم
ما زالت أصداء مداخلة رئيس الدولة في مجلس الوزراء والتي بثتها التلفزة الوطنية تتردد، بل وتترجم إلى أفعال في عديد الوزارات، في انتظار أن يكون التجسيد الأبرز في وزارة الاتصال، ووسائل الإعلام الحكومية وفي مقدمتها التلفزة الوطنية بقناتيها، في انتظار القنوات الجديدة.
ومداخلة رئيس الدولة يومها لم تهتم بالإعلام وحده، بل بعلاقة المواطن بالإدارة بصفة عامة، وما بقي في أذهان المواطنين، ونأمل أن يبقى بصفة أقوى في أذهان المسؤولين وعلى رأسهم الوزراء وأن يترجموه إلى أفعال، هو الفكرة الأساسية : أن الإدارة في خدمة المواطن لا العكس...
عودتي إلى الموضوع يحتمها اكتمال الصورة لديّ بصفة تقريبية عما حدث في منوبة منذ فترة قريبة بين الطلبة وإدارة المبيت الجامعي ومن ورائها إدارة الخدمات الجامعية للشمال ووزارة التعليم العالي، وكيف أدى تصرف الإداريين إلى ما أعتبره شخصيا مأساة من ذلك النوع من المآسي الذي يفترض أن بلادنا ودعته مثلما ودعت عديد الأوبئة والأمراض المعدية.. إنها مأساة تتمثل في حلّ إشكاليات العلاقة بين الإدارة والطلبة بالمحاكمات والسجون..
في البداية:
كان منطلق هذه المأساة مشكلة من أهمّ المشاكل الناتجة عن تطوّر المنظومة التربوية وارتفاع عدد الطلبة، وارتفاع نسبة الإناث في تعليمنا الجامعيّ، وهو ارتفاع نعتز به ونعتبره ثمرة تطوّر تشريعاتنا وتطوّر مكانة المرأة في بلادنا، لكنه خلق إشكالا مركزيا: محدودية إمكانيات الإيواء الذي تشرف عليه الدولة، وعدم قدرة فئات من الطالبات على مصاريف السكن الخاص أو لدى الباعثين الخواص...
وهي إشكالية مؤرقة دفعت ببعض الطالبات حتى إلى الانحراف، ودفعت بأعداد هامّة منهنّ إلى المواظبة المتقطعة على الدروس، أو الانقطاع عنها تماما.
وما حدث في منوبة يمكن إجماله في هذا، أن عددا من الطالبات لم يتمكنّ من الظفر بمكان في المبيتات، فكانت الاتصالات مع إدارة المبيت، والمفاوضات مع ديوان الخدمات الجامعية للشمال، وهي مفاوضات كانت واعدة ومبشّرة بالانفراج، خاصة وأنّ الطالبات كنّ ممثلات فيها بأعضاء المكتب الفيدرالي التابع للإتحاد العام لطلبة تونس، وهو مكتب فدرالي تشهد الإدارات المتعاقبة على كلية الآداب والمبيتات الجامعية، أنه كان دائما يبحث عن الحلول التفاوضية مع الإدارة، مع القدرة على تأطير الطلبة بعيدا عن التشنج والفوضى.. وكانت المفاوضات تسير بشكل جيد نحو إيجاد حلول.. لكن ما حدث أن هذه المفاوضات توقفت دونما مبرّر.. ومن طرف الإدارة.. وبتعلات من النوع الذي أدانه رئيس الدولة في مداخلته المذكورة أعلاه.. أي من نوع " تعليمات من فوق"!!
تعطل المفاوضات.. والتشنج
لا يمكن في تقديري إقناع طلبة التزموا بقضية حيوية في قيمة قضية سكن زميلاتهم، وهي محدّدة لمستقبلهن الدراسي، لا يمكن أن يروا في تعطيل المفاوضات هذه إلا نوعا من " التآمر". لقد مررنا جميعا بهذه الفترة من حماس الشباب وعدم ثقتهم في الإدارة حتى دون سبب أحيانا.. فكيف إذا قدّمت لهم مثل هذه التعلات الواهية!
أدّى هذا إلى تداعي الطلبة إلى الاعتصام أمام مكاتب الإدارة.. وكان يمكن إيجاد حلول تمنع هذا التصعيد.. لو لجأت الإدارة إلى الحوار.. لو كان هناك لدى مسؤوليها هذا العمق الذي تحدّث عنه رئيس الدولة، وهذا التفهم لمشاغل المواطنين.. خاصة إذا كانوا شبابا، وطلبة تنقصهم التجارب وتحدوهم الرغبة في إثبات الذات، وفي تحقيق مطالب لا يمكن لأحد أن يقول إنها غير مشروعة.. كان التصعيد، وكان الاعتصام، ثم كان تدخل قوات الأمن، وكانت الإيقافات ثم المحاكمات فالسجون...
لتكون نهاية مأساوية كان يمكن تلافيها... بقليل من الصبر وقليل من الإجتهاد وقليل من المرونة من طرف مسؤولي الإدارة ومسؤولي وزارة التعليم العالي.. لأن المكان الطبيعي لأبنائنا الطلبة وهم عماد المستقبل ورهان بلادنا، هو مقاعد الدراسة لا غرف الإيقاف ولا السجون، ولا أبالغ إذا قلت إن الحماس الذي نجده لدى الطلبة والاندفاع والثورية، بل حتى "التطرف" في اتخاذ المواقف والدفاع عنها، هي ظواهر طبيعية علينا أن نحزن إذا لم تتوفّر لدى طلبتنا.. وعديد من مسؤولي الدولة في أعلى المستويات ومسؤولي الأحزاب في المعارضة أو في السلطة ومنشطي المجتمع المدني كانوا من تلك الفئة، ثم أنضجتهم التجارب والمسؤوليات.. فلماذا لا نتعامل معهم باعتبار أننا أنضج منهم وأقدر بالتالي على التسامح والحوار؟
أعتقد أنّ هذا الملف، ملف الطلبة المسجونين، إلى جانب ملفّ الطلبة المطرودين، وعددهم ضخم نسبيا، مع ملفات جامعية أخرى ظلت مؤجّلة طيلة سنوات، هي من الملفّات ذات الأولوية على مكتب الوزير الجديد السيد البشير التكاري، وهو صاحب الإطلاع القديم على الملفات الجامعية بحكم مسؤولياته السابقة في وزارة التعليم العالي لما كان مديرا عاما بها، وكم نحتاج إلى خطاب هادئ رصين وانتهاج دائم للحوار، بحيث يكون لغة التخاطب الدائمة بين كافة مكونات الجامعة من إدارة وأساتذة وعملة... وخاصة الطلبة محور الحياة الجامعية ورهان بلادنا..
وفي الختام، كلنا ثقة أن رئيس الدولة، وهو الذي ألح في مداخلته أمام مجلس الوزراء على أن المواطن هو محور عمل الإدارة، وهو الذي أعلن مرارا أن الأيدي والقلوب مفتوحة للحوار، لا يرضى بأن يكون حوار الإدارة مع الطلبة على الشاكلة التي تمت في منوبة، ونرجو تدخلا رئاسيا حاسما بالعفو عن الطلبة المسجونين والإذن بإرجاعهم إلى مقاعد الدراسة وتمكين كل الطلبة من الحق في الدراسة، لأن الحرمان منها لا يمكن أن يكون نوعا من أنواع العقوبة.
المصدر: جريدة الوحدة/ تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق