السبت، 13 فبراير 2010

في ذكرى معارك التحرّر ساقية سيدي يوسف .. دعوة للوحدة والانصاف ورفض للحدود


بقلم : عبد السلام بوعائشة
    يوم 11 جانفي 1958 تعرّض الجيش الفرنسي لهجوم شنّه ثوّار جبهة التحرير الوطني الجزائري قتل خلاله 15 جنديا فرنسيا واسر أربعة ثم انسحب الثوار إلى قرية ساقية سيدي يوسف داخل التراب التونسي.
  يوم08 فيفري1958 اسقط الثوار المتمركزون في منجم الرصاص قرب ساقية سيدي يوسف طائرة فرنسية أعقب ذلك هجوم للجيش الفرنسي على القرية استشهد فيه أكثر من 150 مواطن بين مسلحين ومدنيين وألحق خرابا كبيرا بالمباني.
  يوم 14 فيفري 1958 اجتمع مجلس قيادة الثورة الجزائرية بالقاهرة وقرر عدة إجراءات  سياسية وعسكرية للتعامل مع الوضع المستجد منها الاتصال بالحكومة التونسية وتنسيق الموقف معها في اتجاه مزيد الضغط على فرنسا وهو ما تم من خلال تحريك ملف جلاء القوات الفرنسية عن تونس.
  لو توسّعنا في عرض وتحليل أحداث التواريخ الثلاثة التي حفت بما سمي أحداث ساقية سيدي يوسف لوقفنا عند جوهر واحد للمسالة وهو أن الاستعمار كان واحدا والمعركة كانت واحدة والحركة التحريرية كانت واحدة و ارض المواجهة بين مشروع الاستعمار ومشروع التحرير كانت واحدة هي أيضا تمتد  مساحتها على مجمل الوطن العربي  من الجزائر إلى تونس إلى القاهرة . وقبل ساقية سيدي يوسف وبعدها  شهدت معارك التحرر العربية انتصارات  وانتكاسات عديدة اختلطت فيها دماء الشعوب العربية وتوحدت فيها القوى والإمكانات ولم يشذ عن قاعدة هذا الاختلاط والتوحد أي فصيل تحرري مهما كانت مواقفه أو نهجه الفكري أو السياسي . وما تزال الشعوب العربية منذ بدايات القرن العشرين والى اليوم هذا تعبّر وبكل الوسائل عن ولائها لمشروع الوحدة  كمصدر لوجودها وعنوانا لتحررها وقوتها ولم تفوّت مناسبة أو فرصة لتذكر قياداتها السياسية بهذا الولاء والانتماء واستعدادها للتضحية في سبيل تحققه رغم كل العقبات التاريخية والسياسية والثقافية التي وضعها الاستعمار القديم والجديد في طريقها إليه.
أحداث الساقية وما صاحبها من إجرام استعماري في التعامل مع شعب قرّر الحرية و الوحدة النضالية مع أشقائه العرب تدعونا لاستخلاص نتائج و عبر نحن في اشد الحاجة إليها.
إن ذكرى الساقية  تذكرنا بأن معارك التحرير الوطني خاضتها شعوبنا موحدة دون اتفاقيات تعاون أو شراكة ودون اعتماد على موازين القوى بينها وبين قوى الاستعمار,  خاضتها وهي تحمل معها إحساسها الجمعي بالانتماء الواحد وإيمانها الكبير بإرادة الحياة وبعدالة قضيتها  وبقدرتها على نيل مطالبها , خاضتها دون أن يكون في حساباتها ولا من أهدافها أن تستبدل سلطة الاستعمار بحكومات وطنية تبني الحدود تلو الحدود بين أبنائها  وتعطل مسيرتها التاريخية نحو الوحدة وتشرع كل واحدة في استبدال التاريخ الجمعي للأمة بتاريخ جديد يثبّت نظام التجزئة الاستعماري ويثبط عزائم الشعوب وينتج ما نراه اليوم من نزعات مدمرة وخطيرة: نزعات الهروب من الجغرافيا العربية إلى  جغرافيا الغرب الاستعماري ونزعات الهروب من التاريخ القومي العاجز والمهزوم إلى ثقافة العولمة المنتصرة أو ثقافة الإرهاب العنيف أو ثقافة التكفير الديني الجاهل .
أحداث ساقية سيدي يوسف بينت أن ما حققته الشعوب دون اتفاقيات موقّعة على طريق وحدة المسار والمصير في صراعها مع الاستعمار يتجاوز ما قدمته حكومات الاستقلال على امتداد أكثر من نصف قرن رغم ما وقعته من اتفاقيات وعقدته من معاهدات بقيت كلها حبرا على ورق أو تكاد  بل إن واقع العلاقات بين الدول العربية عامة والمغاربية في هذا المقام يشهد على أنها ابعد ما تكون عن تحقيق أي تكامل مقارنة مع ما كانت عليه زمن معارك التحرير العسكري وان كل الاتفاقيات القائمة بينها لا تساوي شيئا أمام ما عقدته من اتفاقيات  مع دول الاستعمار القديم والجديد ولنا في قضية الصحراء والحدود الجزائرية المغربية وفي تنافس دول المغرب العربي للشراكة المنفردة مع الاتحاد الأوروبي  وتضارب السياسات الخارجية لكل دولة مع الدول الأخرى دليل على هذا الرأي.
إن أحداث ساقية سيدي يوسف تمثل اليوم دعوة من الماضي لتصحيح مسار الحاضر في اتجاه الاقتراب من الإرادة الشعبية الطامحة للوحدة وتوفير المناخ السياسي المشجع على النهوض بالفعل الشعبي  باعتباره العامل الرئيسي لإنجاح مشروع الاتحاد المغاربي ككتلة جيوسياسية ترفد العمل العربي  وتجابه الاستهدافات الخارجية وعلى رأسها مشروع الاتحاد من اجل المتوسط الذي تعمل فرنسا  بحكم تاريخها الاستعماري لبلداننا على رهنه بمصالحها المباشرة في الهيمنة الاقتصادية والثقافية. و لتحقيق هذه الغاية لا بدّ من تفعيل السياسات الثقافية والإعلامية والتربوية الرسمية وبرامج الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في اتجاه استنهاض الذاكرة الجماعية للشعوب ورفد هذا التمشي بإجراءات عملية لفتح الحدود أمام الاندماج الاجتماعي والاقتصادي وخلق حالة وحدوية شعبية تستجيب للطموحات وتقتدر على التحديات.
ثم أخيرا أحداث الساقية - كما عبّرت عن تلاحم الإرادة الشعبية العربية والمغاربية في مواجهة الاستعمار ماضيا- تدعونا حاضرا لتوحيد النضال من اجل فرض استحقاقات الذاكرة الوطنية المغاربية وإجبار دولة الاستعمار الفرنسي على الاعتذار الصريح لشعوبنا عن جرائم الماضي وإنصاف الذاكرة الوطنية التي لا يستقيم مستقبلنا بدون تفعيل مطاليبها.
 إن المبادرة الوطنية لحزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي والمبادرات الرسمية والشعبية في الجزائر والمغرب والجماهيرية بمطالبة دول الاستعمار الفرنسي والايطالي والإسباني بإنصاف ذاكرتنا الوطنية لا بدّ أن يكون في سياق جهد مغاربي موحد يستفيد من تجارب ماضي النضال الوحدوي ويستكشف بعدا للمستقبل يكون كما أرادته دماء الشهداء  في ساقية سيدي يوسف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق