السبت، 13 فبراير 2010

اتهامات فهمي شبانه وكل هذا الضجيج!!


رشيد شاهين

خلال الأيام القليلة الماضية انشغل الكل الفلسطيني بما صرح به السيد فهمي شبانه التميمي، وما وجهه من اتهامات للسلطة الفلسطينية وبعض الشخصيات الفلسطينية بالفساد سواء كان المالي أو الأخلاقي على حد تعبيره.
 ما قام به السيد شبانه يذكرنا بما كان يجري خلال الحقبة السوفييتية ووجود الاتحاد السوفييتي، عندما كان احد ما من دبلوماسيي تلك الدولة أو احد ضباط مخابراتها أو احد أعضاء الحزب الشيوعي حين ذاك، يهرب إلى الغرب، وهذا ينطبق أيضا على من كانوا من دول المنظومة السوفييتية، حيث ما إن يقوم احدهم باللجوء إلى الغرب حتى تتلقفه وسائل الإعلام الغربية بشكل لافت، لتنقل عنه كل شاردة وواردة، ولم تكن لتتردد عن التهويل أو حتى التزوير والتلفيق، ورسم الصور بالطريقة التي تراها مناسبة لتوجهات الدول الغربية في محاولة منها لتشويه كل ما يمكن من الصورة في الدول الاشتراكية لتبرز تلك الدول على أسوا صورها. وهذا ينطبق بطريقة أو بأخرى على العراق عندما كان في "عز عداوته" مع الغرب خلال الفترة التي تلت قيام الحرب الكونية الأولى عليه في العام 1991.
 لسنا هنا للدفاع عن السلطة وإدانة موقف السيد شبانه، كذلك فإننا لسنا بصدد تبنى موقفه وإدانة السلطة، لان هذا ليس ما نعتقد بأنه دورنا، فالرجل عندما قام بما قام به، لديه ما يقول انها أسبابه وبراهينه، كذلك فان لدى السلطة رجالاتها الذين لديهم القدرة للدفاع عنها، وقد لاحظنا ان هؤلاء انبروا دفاعا عنها منذ اللحظة الأولى التي أثير فيها الموضوع.
 خلال الفترة القريبة الماضية، كان هناك أكثر من قضية يمكن وصفها "بالكبيرة"، ويمكن في هذا المجال ان نذكّر بقضية تهريب الهواتف الخلوية التي تم ضبطها في سيارة السيد روحي فتوح، بما يمثله من رمز معنوي، وتبع ذلك اتهامات خطيرة وجهها السيد فاروق القدومي للسيد عباس، ثم برزت قضية أو تقرير غولدستون، التي أثارت من الجدل الكثير، ليس على المستوى المحلي فقط، لا بل وعلى المستوى العربي والإسلامي والدولي ونعتقد بان النتائج كانت معروفة في جميع الحالات.
 الحقيقة هي ان الفساد وسوء استخدام السلطة بكل أنواعه يوجد في كل دول العالم، وكذلك الفضائح الجنسية التي ما ان ينقضي أسبوع أو أكثر أو اقل إلا ونسمع عن ان هذه الشخصية أو تلك قد تورطت بها، وقد يكون رئيس وزراء ايطاليا السيد برلسكوني آخر من ذكرت التقارير انه متورط في الكثير منها، ويمكن هنا ان نذكّر بقضية كلينتون- لوينسكي، وكذلك رئيس دولة كيان الاحتلال وفضائحه الجنسية وما ترتب عليها من تركه لمنصبه، هذا فيما يتعلق بموضوع الفضائح الجنسية أو الأخلاقية. أما فيما يتعلق بالفضائح المالية وقضايا الاختلاس والرشوة وغيرها من قضايا الفساد المالي فيمكن أن نذكّر بكل الفساد الموجود في العراق بحيث أصبح يصنف من بين الدول الأكثر فسادا في العالم بفضل قادته الجدد، وكذلك يمكن أن نذكّر هنا أيضا بقضية رئيس الوزراء السابق في دولة الاحتلال اولمرت، هذه كانت قضايا على سبيل المثال لا الحصر.
 الوضع في السلطة الفلسطينية ليس استثنائيا، وهو بالضرورة ليس فريدا من نوعه في العالم، المشكلة في السلطة الفلسطينية وفي معظم ان لم يكن في جميع دول العالم الثالث، هي في ان أحدا لا يريد ان يتحدث عما يحدث من خلل في مثل هذه الدول، والمشكلة هي في محاولات التعاطي مع هذه القضايا بكثير من الحساسية، لا بل بحساسية مفرطة، حيث ان اتهام احد ما بالتورط في قضية فساد، بغض النظر عن نوعية هذا الفساد، يعتبر تعديا على جميع الخطوط الحمراء، ويتم التعاطي مع الأشخاص والهيئات بقدسية عالية يمنع على أي كان بتجاوز هذه الحدود، ويمنع التعامل مع مثل هذه القضايا بشفافية حتى لا نقول او نطالب بشفافية عالية، وهذا في الحقيقة احد  الأسباب في بقاء الأمور بدون إيضاح أو حسم، وهو أيضا قد يكون السبب في بقاء المسائل معلقة بشكل غير مفهوم، وتبقى  مثل هذه القضايا" متسمة" بضبابية عالية، بحيث إذا ما أثير موضوع او مشكلة او "فضيحة" ما من جديد، يكثر اللغو ويزداد اللغط، وتستمر التفسيرات وتضيع الحقيقة.
 إن من يستمع إلى الحديث الدائر في الشارع الفلسطيني سوف يعلم هول الصدمة التي يشعر بها هؤلاء الذين يتداولون هذا الأمر، بعلم أو بجهالة، هنالك إحساس لدى الكثير من الناس بان الأوضاع ليست بخير، هماك من يشهر ويتهم، وهناك من يغطي ويدافع، وهناك من يفسر، وهناك من يبالغ ويسهب في الشرح والتفسير، وهناك من يقلل من شان الموضوع، لكن وبالمقابل هنالك من يحاول استثمار القضية ليروج ما يريد من الأفكار والآراء، كل هذا لم يأت هكذا من العدم، لا بل هو النتيجة الطبيعية للطريقة التي يتم التعامل معها مع الكثير من القضايا الحساسة أو "الكبيرة" وهي الطريقة التي تمت الإشارة إليها أعلاه، تدليس و"طبطبة" وتبويس لحى، وتوكلنا على الله، و" بسيطة" ...الخ.   
 ما أثاره السيد شبانه قد يكون صحيحا وقد لا يكون كذلك، لكن ان نضع رؤوسنا في الرمال وننبري في إدانة الرجل او الدفاع عنه فهذا ليس هو الحل وهي ليست الطريقة التي يمكن التعامل بها مع مثل هذه القضايا، الرجل أثار قضية مهمة، ووجه اتهامات خطيرة، لا بل غاية في الخطورة، وبالتالي فان الجميع أمام مشكلة يجب التوقف أمامها، والنظر بها، ان عدم التعامل معها او إهمالها او التعاطي معها بدون اهتمام إنما يدلل على ان هنالك مشكلة في ثقافتنا وبنيتنا، ولا يجوز الاستمرار في التعامل مع مثل هذه الإشكالات وكأن شيئا لم يكن، لأننا لا نعتقد بان هذا هو الحل. كما ان تناول القضايا بهذا الشكل " الزائد عن اللزوم" من الحساسية، إنما هو السبب في ان يجعل "الآخر"، بغض النظر عمن يكون هذا الآخر، "يلوك" الموضوع ويفسره ويجيره بالطريقة التي يرى ويرغب.
 ان يأخذ البعض على الرجل انه لجأ إلى وسائل الإعلام "المعادية" من اجل ان يقول ما قال، وان يعلن ما أعلن، وانه كان عليه ان يلجأ إلى طرق أخرى او وسائل إعلام أخرى، هذا لن يغير من الحقيقة في شيء، حيث ان هنالك اتهامات خطيرة، وهو يهدد بكشف المزيد مما لديه من أوراق فيها ما يقول انه أسوأ بكثير مما سمعه العالم، ومن هنا فانه لا بد من التعاطي مع ما يقوله بروح من المسؤولية اكبر، ولا بد من جهة ما تتحرك من اجل الوصول إلى الحقيقة.
 كغيرها في هذا العالم، السلطة الفلسطينية لديها قانون، انها مثلها مثل أي كيان في هذا الكون، والقانون فيها لا يختلف عنه في ايطاليا أو في دولة الاحتلال، ينص على عقوبات ومحاسبة من يرتكب جريمة ما، المشكلة في دول العالم الثالث كما هو حال السلطة الفلسطينية، هي في عدم تفعيل دور هذا القانون بالشكل الذي يجب ان يفعل، فعندما يتم توجيه اتهامات "باطلة أو حقيقية" كتلك التي وجهها السيد شبانه فانه يجب اللجوء إلى القانون، ويجب التحقيق في تلك الاتهامات، فإذا ما ثبتت صحتها، فانه يجب ان يدان كل من تورط بها، وأما إذا ثبت عكس ذلك، فلا بد عندئذ من محاسبة السيد شبانه وتحميله مسؤولية مثل هذه الاتهامات، أما ان تبقى الأمور "معومة" بالشكل الذي نراه، وان يتم النظر إلى ما قاله على انه مجرد محاولات لتشويه الموقف الوطني للسلطة الفلسطينية ومواقف الرئيس الفلسطيني، فهذا لا يكفي. يجب اتخاذ موقف واضح لا لبس فيه، ويجب التحرك من اجل وضع للعقلية التي سادت خلال الحقبة الماضية، التي لا زالت تسهم في مزيد من الانحدار نحو الهاوية التي تأخذ في طريقها كل شيء، وضيعت الوطن والمواطن الذي لم يعد يميز بين " الصالح من الطالح".

14-2-2010


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق