السبت، 13 فبراير 2010

سرّ التصعيد الأميركي ضدّ الصين


 بقلم: نصر شمالي
قبل بضع سنوات، عندما لم تكن الفقاعات المالية والاقتصادية الأميركية قد بدأت انفجاراتها المتوالية بعد، تساءل أحد كتاب صحيفة "واشنطن بوست" قائلاً: هل تسيطر آسيا على القرن الحادي والعشرين؟ وتابع أنّ توازن القوة العالمي يوشك أن يتحوّل بصورة حاسمة لصالح آسيا، مضيفاً أنّ ما يحدث في آسيا يشبه ما حدث في أوروبا والولايات المتحدة في عهود ذروتهما في القرن الماضي!
لقد شرح الكاتب الأميركي أنّ ما يحدث في العالم هو تطوّر موضوعي، حيث الهند والصين تسجّلان معدّلات نموّ كبيرة، وحيث تبرز الصين تحديداً كمحور للتصنيع في العالم، وتبرهن أنّ انتقالاً تاريخياً للقوة والزعامة يحدث الآن، وإن على نار هادئة كما يقال. وهكذا – يقول الكاتب – فقد أصبح نهوض آسيا موضوع اللحظة التاريخية الجيوستراتيجي، وأصبح إلى حدّ موضوعاً غير قابل لتوجيه النقد إليه..الخ!
وفي معرض التوقعات حول كيفية مواجهة هذه التطورات التاريخية العالمية قال الكاتب الأميركي أنّ واشنطن يمكن أن تدفع الدول الأوروبية في حلف الأطلسي لدعوة أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية للانضمام إلى الحلف كشركاء عالميين، ويمكن أن تتسع الدعوة لتشمل الهند ودولاً آسيوية أخرى! إنها رؤية رامسفيلد لاستبدال أوروبا العجوز، كما وصفها، بشركاء أكثر قوة ونشاطاً، يأتون من مركز القوة الجديد في العالم!
أمّا عن اليابان تحديداً فقد رأى الكاتب أنها قوة آسيوية عظمى ستكرّس مواهبها ومواردها الكبيرة لتعزيز قوة الولايات المتحدة (التي ظهر ضعفها في العراق) ولإبطاء تقلّص النفوذ الأميركي في آسيا، لأنّه ليس من مصلحة اليابان تمركز القوة في أيدي جيرانها الإقليميين، سواء جمعياً أم إفرادياً (المقصود هو الصين ومنظمة آسيان) وحيث تاريخ التعاون الأمني الوثيق بين طوكيو وواشنطن قد يوحي لليابانيين بأنّ القوة الأميركية هي وحدها القادرة على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وفي آسيا الوسطى، وهما من مناطق التصدير الرئيسية للطاقة وبحاجة دائمة إلى تحقيق الأمن فيهما! وفي هذا السياق (يقول الكاتب متمنّياً) ربّما تتوصّل الهند، التي هي الديمقراطية الكبرى في آسيا (بعد اليابان) إلى نتيجة مماثلة (كاليابان)!
من الواضح أنّ الصين سبب رئيسي لقلق الاحتكاريين الأميركيين، وهدف رئيسي لمشاريعهم العدوانية المكرّسة لاحتفاظهم قسراً بموقع الهيمنة والاستحواذ والاستئثار. أي أنّهم لن يسلّموا بنموّ الصين وصعودها في سياق التطور الموضوعي التاريخي العالمي، على الرغم من حرصها على إقامة أفضل العلاقات معهم، إنّما على أساس موضوعي أيضاً، قوامه نزاهة هذه العلاقات ووضوحها.
 وينبغي هنا تذكير الببغاوات من الكتّاب العرب أنّ الصين مستعمرة سابقة استقلّت حديثاً، في فترة "استقلال" الدول العربية بالضبط، أي بعد الحرب العالمية الثانية، وأنها على ضخامتها وعظمتها، وعراقة تاريخها (كالعرب) هي مجرّد بلد من بلدان ما يسمى بالعالم الثالث، ولا يجوز أبداً مقارنتها بالدول الاستعمارية، والحديث عن نشاطها الاقتصادي العالمي كأنّما هو من طراز النشاط الأميركي ومجرّد مزاحم له بالعقلية ذاتها ومن أجل تحقيق الأهداف ذاتها.
لقد أوقفت واشنطن في السنوات القليلة الماضية الإعلان عن نواياها العدوانية الأزلية ضدّ بكين، بل راحت تجاملها وتتودّد إليها، أمّا السبب فهو وقوعها في المأزق العراقي الذي كسر شوكتها الحربية، ونال من هيبتها السياسية، وبدّد أحلامها الشرق أوسطية، وأضاع تريليونات الدولارات من احتياطياتها واحتياطيات أتباعها، وحرمها من القطاف الفوري لثمار احتلالها، وبخاصة النفط العراقي، الثمرة الأسطورية اليانعة، حيث المخزون الإجمالي يزيد على 400 مليار برميل، ثمّ كان انفجار أزمتها الاقتصادية الشاملة المستمرّة.
غير أنّ واشنطن عادت الآن فجأة إلى سياسة إعلان عدائها لبكين، فما الذي استجدّ وجعلها قادرة على البدء قبل أيام بإجراءات عسكرية عدوانية ضدّ الصين انطلاقاً من محميتها الصينية تايوان؟
 إنّ سرّ هذا التصعيد العسكري والسياسي يكمن في المستجدّات العراقية تحديداً، حيث تبدو واشنطن كأنّما هي اطمأنّت إلى سيطرتها على بحر النفط العراقي، إضافة إلى سيطرتها على بحيرات النفط العربية الأخرى. وبالفعل بدأت كمية النفط المنتج في العراق ترتفع مؤخّراً، وإن ببطء، بعد أن تدنّت كثيراً وطويلاً بفضل المقاومة. لقد كانت أقلّ من مليونين برميل على مدى معظم سنوات الاحتلال، لكنها ارتفعت الآن إلى أكثر من مليونين ونصف. وقد حدث هذا الارتفاع مع اكتمال التشكيلات الحكومية المحلية، المدنية والعسكرية، ليبدأ الحديث عن 12 مليون برميل سوف يبلغها الإنتاج العراقي تدريجياً بعد سنوات قليلة. أمّا الذي يجعل مثل هذه الإنجازات العظيمة سلبية وخطيرة فهو أنها تحدث بينما يتكرّس وجود القواعد العسكرية الأميركية الضخمة خارج المدن العراقية، وحيث صار مفهوماً أنّ انسحاب قوات الاحتلال لا يشمل هذه القواعد، ولا يشمل إنهاء استيلاء واشنطن على القرار السياسي/الاقتصادي العراقي الرسمي.
 وهكذا فإنّ واشنطن، بعد أن اطمأنّت اطمئناناً كافياً (وليس حاسماً) إلى وضعها في العراق تتفرّغ للحرب الأفغانية/ الباكستانية، التي تعيق بدورها التطوّر والنمو الموضوعي الطبيعي للصين، ولمنظمة آسيان، ولروسيا والهند أيّاً كانت مواقفهما. بل ها هي واشنطن تتحوّل لفتح جبهة حربية جديدة في اليمن وباب المندب والقرن الأفريقي والسودان. وذلك، أيضاً وأيضاً، لإعاقة النمو والتطور الطبيعي الموضوعي للدول الناهضة، وفي مقدمتها الصين، وللاحتفاظ قسراً وعنوة بهيمنتها الدولية.
إنّ السياسة الثابتة للاحتكارات الربوية، ولحكومة الولايات المتحدة تحديداً، هي نهب الأمم لا مساعدتها، واستعبادها وليس تحريرها، وقد بلغت أوضاع العالم في ظلّ هذه السياسة حدّاً لا يطاق، وينذر بأخطر العواقب. وتبدو الأمم عموماً وقد أصبحت اليوم قادرة على المواجهة، وعلى وضع حدّ للطغيان المستند إلى مجرّد القوة العسكرية العمياء الصماء. أمّا إذا حدث ونجحت واشنطن في لجم تطوّر وتقدّم الأمم قسراً، ومؤقتاً بالتأكيد، فتعاظمت مآسي البشر واستطال عذابهم، فلسوف يعود الفضل الأول في ذلك إلى النظام الرسمي العربي، الذي برهن ويبرهن على الدوام أنّه أكثر إخلاصاً ودفاعاً عن النظام الاحتكاري الصهيوني العالمي من أصحابه وقادته الأميركيين.
Posted By: s-dori@scs-net.org                                           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق