الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

الخطاب الملكي ل 6 نونبر 2009 بين قوة ووضوح الخطاب الملكي وضعف وفتور الأداء الحكومي


أنغير بوبكر
شكل الخطاب الملكي  ل6 نونبر 2009 منعطفا تاريخيا مهما في التعاطي مع  قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية ، ذلك انه حمل إشارات بالغة الدقة للداخل والخارج على السواء  وأعطى لمن لا يزال يحتاج الى دليل على إن المغرب ماض قدما في تطبيق خطة الحكم الذاتي الموسع الذي اقترحه المغرب و احتضنته المنظومة الدولية واعتبرته الحل الأمثل لصراع مصطنع دام أكثر من ثلاث عقود  وأصبح عبئا على الأمم المتحدة أكثر ما أصبح عبئا على القوى المعنية بالصراع.
لكن ثمة أسئلة حقيقية ومقلقة تطرح من جديد على قدرة الحكومة المغربية الحالية في مسايرة الخطاب الملكي ووضع بنوده على ارض الواقع  لا سيما إن الحكومة الحالية عاجزة عن تدبير شؤون المغرب الداخلية بالنظر لطريقة تكوينها وعدم انسجام أعضائها وفتور مقارباتها  وشيخوخة وزيرها الأول  الذي لن يستطيع مقاربة الملفات الداخلية والخارجية للمغرب  في نفس الدقة والسرعة والاحترافية التي تتطلبها المقاربة الملكية لشؤون المغرب الداخلية والخارجية ، فالمغرب يحتل الرتب المتأخرة  تنمويا واقتصاديا وفي محاربة الرشوة  وفي التعليم والصحة وحتى في كرة القدم ، فمتى سيتحمل جلالة  الملك نكسات وخيبات إعمال الحكومة العاجزة ؟ ففي الوقت الذي تشيد فيه كبريات العواصم العالمية بتبصر وحنكة صاحب الجلالة في التعاطي مع السياسة الدولية  باتزان كبير ومسؤولية بالغة الأهمية  ، ويتم ربح مؤيدين جدد للطرح المغربي في قضية الصحراء ومجهوداته في تحسين وضعية حقوق الإنسان ، تبقى حكومة فاس المغربية  في دار غافلون  مشتتة أعضائها ومرتبكة خططها ومنشغل وزرائها في الصراعات الداخلية لأحزابهم  مما عطل المؤسسة البرلمانية وعكر المشهد السياسي الوطني .
إن الخطاب الملكي لعيد المسيرة الخضراء لسنة 2009 كان بالفعل خارطة طريقة إستراتيجية في التعاطي مع قضية الصحراء ، إذ رسخ مفهوما جديدا للتعامل معها مبني على عدم الاحتكار وتجاوز النظرية الأمنية التقليدية التي لم تزد الملف إلا تعقيدا والأوضاع إلا احتقانا ، فأول خطوة ملكية في الخطاب الملكي هي نعي التركيبة والعقلية الحاليتين للمجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية الذي فشلت قيادته  في تنفيذ التزاماتها الواضحة والجلية في الظهير الشريف المؤسس له ، إذ سادت الشخصنة  والقبلية  والاعتباطية وإهدار الأموال العمومية على أشغال المجلس وانكفأت المقاربات السياسية الحكيمة للتعامل مع قضية الصحراء المغربية مما أعطى للانفصاليين  مساحات واسعة في الداخل والخارج للتحرك و تشويه مقترح الحكم الذاتي ، الكوركاس اليوم  أصبح قبلة  للصراعات الشخصية  والنزوعات القبلية  الفردية  ومطية لنهب الأموال العمومية وخلق دويلات سياسية في الصحراء  داخل الدولة المغربية الأم  ، هذه الاعتبارات جعلت الإعلام الاسباني والجزائري يتخذ في الآونة الأخيرة من الكوركاس موضوعا للكاريكاتورات المضحكة وللحجج التي يسوقها لانتقاد السياسة المغربية الخارجية.
ضعف الكوركاس والدبلوماسية المغربية جعلت الخطاب الملكي منتفضا على الوضعية الحالية مطالبا بالتجديد لا سيما  إن الخطاب الملكي يتزامن مع   تزايد الحديث عن انفصاليي الداخل وتزايد أنشطتهم الخارجية المستفيدة من ضعف الكوركاس  من جهة ومن جهة أخرى الطفرة النفطية وارتفاع عائدات الغاز الطبيعي التي تعرفها الجزائر لمدة سنتين متتاليتين بفعل الطلب الأجنبي  الكبير خصوصا من الصين وروسيا مما جعل هذه العائدات تتجه أساسا نحو التسلح  حيث تحتل الجزائر المرتبة الثانية إفريقيا  والثامنة عالميا  حسب أخر الإحصائيات في الإنفاق العسكري والاستخباراتي لهذه السنة ومن إستراتيجيته المعلنة بطبيعية الحال دعم انفصالي جبهة البوليساريو ومن  معهم في الداخل والخارج  للتأثير على الاستقرار في المغرب ولاستغلال واقع تطور الحريات وحقوق الإنسان في المغرب لاستغلال بعض عناصر بوليساريو للقيام بأعمال تخريبية ومنافية للقانون في بعض الجامعات المغربية .
وإجمالا يمكن اعتبار الخطاب الملكي لهذه السنة بداية مرحلة سياسية جديدة رسم ملامحها جلالة الملك وترتكز على ثلاث عناصر أساسية:
      مأسسة الحكم الذاتي  بما يعنيه من إعادة النظر في هذه المؤسسة الفاقدة لأي سند شعبي تمثيلي  والتي أبانت عن فشلها الذريع في المقارعة الفكرية والسياسية والتنظيمية للفكرة الانفصالية في الداخل  المغربي والخارج ، وإعادة هيكلة المؤسسة يعني القطع مع المقاربة القديمة المبنية على شراء أعيان القبائل وضخ الامتيازات والأموال في أرصدتهم البنكية ،بل التعامل مع قضية الصحراء بشموليتها وتعقيداتها على أسس علمية وتمثيلية حقيقية وحب حقيقي للوطن وإيمان عميق بان الصحراء المغربية  يجب أن تبقى  كما كانت دائما منارة للعلم والعلماء و الجد والمجديين وليس لسماسرة الانتخابات وتجار المخدرات  والمحروقات  والرمال المنهوبة.
      ترسيخ المقاربة التنموية  في إطار مشروع مجتمعي متكامل أساسه الاعتناء بالتربية والتكوين والتعليم و الاستمرار في توفير البنيات التحتية الضرورية وفتح الآفاق أمام  الشباب للعمل  والانخراط بفعالية واقتناع ومسؤولية في بناء بلده على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، هذه المقاربة تعني الانخراط الواعي  والاستيعاب الحقيقي لروح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية  التي كانت فكرة ممتازة من جلالة الملك لتجاوز العجز الحكومي ولدعم المبادرات المجتمعية في إطار توزيع المسؤولية بين كل المتدخلين لتحقيق تنمية حقيقية مستدامة.
إن الازدهار والنمو الذي تعيشه الأقاليم الجنوبية  للمملكة  لا يمكن التشكيك فيه أو المزايدة عليه ،لكن  اختلالات  كبيرة لا تزال  تلقي بظلالها  على المسيرة التنموية  لهذه المناطق  فمن جهة  هناك سوء توزيع عمودي للثروة  والإمكانات بين  الأقاليم بعضها البعض ، إذ يستفيد البعض منها  من إمكانيات ضخمة وكبيرة  سواء من ميزانية الدولة في إطار  الضريبة على القيمة المضافة ، أو  من قبل وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية التي  قامت وما تزال تقوم بعمل دؤوب من اجل استكمال بناء البنيات التحتية وتوفير الأسس الضرورية لعيش المواطن بكرامة وعيش كريم ، وهناك سوء توزيع أفقي  للثروة بين الأقاليم  والجهات  إذ لا يستفيد مثلا  إقليمي طاطا وكلميم إلا على حصة ضئيلة  من مشاريع  وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية  عكس الأقاليم الأخرى ، والتخوف الكبير الذي  يشغل بال ساكنة جهة كلميم السمارة  هو ما يتداول في الآونة الأخيرة من إن وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية  سوف يقتصر عملها على الأقاليم التي سيشملها الحكم الذاتي فقط وهذه التخوفات إن صحت فسوف تكون  كارثة تنموية محققة  على البعد التنموي والمجتمعي لهذه المناطق   خصوصا وان اجتماعات متتالية احتضنها  والي ولاية كلميم السمارة  يوم السبت 14 نونبر عبر خلالها  رؤساء جماعات وبلديات إقليم كلميم عن رفضهم لقرار ترحيل خدمات هذه الوكالة التي تشتغل بشكل جيد في الإقليم   ونفس التخوف عبر عنه المنتخبون في اللقاء الذي جمعهم مع وزير الداخلية السيد شكيب بن موسى  يوم الاثنين 16 نونبر 2009 بأكادير.
      العنصر الثالث والأخير هو توسيع هامش الحريات العامة  وحقوق الإنسان والذي جدد الخطاب الملكي السامي الالتزام التام اللا مشروط للمملكة المغربية  بحقوق الإنسان وبحمايتها وصيانتهامع التركيز أساسا على التمييز الدقيق والموضوعي بين الحق والواجب وضرورة احترام القانون والشرعية ، الخطاب بالتزامه الصريح والمعلن هذا يجدد رفضه للمقاربة الأمنية الضيقة لقضية الصحراء  ويشدد على دور المقاربة الإدماجية الأخرى  التي تبنى على الحوار والإقناع والحجج العلمية والفكرية ، لكن ثمة ملاحظة مهمة هي إن التعاطي الحقوقي الرسمي مع قضية الصحراء مازال متواضعا ودون المستوى  خصوصا أمام قوة الانفصال ومن يمولهم في المحافل الدولية لذا يبقى من اللازم بناء إستراتيجية  حقوقية وطنية بالتنسيق مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان _ الذي بالمناسبة يقوم بعمل  دؤوب وعلمي رصين في التعاطي مع ملف حقوق الإنسان _  
إستراتيجية تقوم على نشر التربية على حقوق الإنسان في المناطق الجنوبية كما تنبغي أن تركز على إعداد تقارير تشاركيه مع المنظمات الحقوقية الوطنية لتنسيق مواقفها في المحافل الدولية وذلك لمقارعة الحجج الانفصالية بحجج علمية دامغة و عقلانية ، وإدماج المقاربة الجديدة التي أتى بها الخطاب الملكي  التي لا يمكن إن تجدي نفعا إلا بتضافر جهود كل القوى السياسية الفاعلة والمنظمات النقابية وفعاليات المجتمع المدني التي عليها مسؤولية تأطير وتوعية المواطنين والدفاع عن المواطنة الحقة والذود عن الوطن وحقوقه في الداخل والخارج ، فالأحزاب السياسية الحالية في الجنوب المغربي أفرغت من محتواها  وأصبحت مطية للتناحرات القبلية  وللحصول على المنافع الاقتصادية والتغطية على الجرائم الاقتصادية المرتكبة ضد الدولة وضد المواطنين من تهرب ضريبي وغيره من  ضروب التجاوزات المعاشة ،صحيح أن  الوضع الحالي للأحزاب السياسية لا تتحمله الأحزاب وحدها إنما  الوضع برمته ناتج عن تعاطي سياسي رسمي  قديم مع العمل السياسي في المنطقة والذي كان ينظر إليه كخطر احمر لا يجب التعامل معه ، مما فتح أمام الحركة الانفصالية في الداخل مساحات واسعة للتحرك السياسي وأصبحت تسيطر على جل الجامعات المغربية وتستغل المعاناة الاجتماعية  للساكنة لتحويلها الى انتفاضات سياسية وتحركات سياسية  يتم سريعا استغلالها من طرف أعداء الوحدة الترابية للمملكة.
يبقى الرهان كبيرا على كل القوى السياسية والنقابية ومنظمات المجتمع المدني  وعموم المواطنين  لفهم التحديات الكبيرة التي تحيط ببلادنا والمخاض العسير الذي تعيشه بلادنا في ثنائية صعبة ومقلقة  بين ملك شاب طموح  مسلح بالعلم والإرادة والوطنية الصادقة وبين حكومة عاجزة  مشلولة  معتمدة على  المطر والأحوال الجوية معتكفة في الصراع  الحزبي ألتناحري ومهمشة للمجتمع وقواه الحية ومهينة لذاكرة المغرب , وهذا لا يعني أن الحكومة كلها بنفس المقياس من العجز و الإهمال المجتمعي انما فيها هي الأخرى طاقات وطنية  ومناضلة من اجل الشعب المغربي وللمفارقة كذلك أن يكون الوزراء المحسوبين على وزراء السيادة من خيرة طاقات هذه الحكومة  والباقيات الصالحات عند ربهم يسألون.
طالب بالسلك العالي للتكوين الإداري بالمدرسة الوطنية للإدارة
الرباط
عضو المجلس البلدي لبويزكارن- إقليم كلميم

 






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق