الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

عُمان في بيئة إستراتيجية متغيرة


كتب : عريب الرنتاوي
يلتزم المسئولون العُمانيون جانب الحذر والتحفظ (وأحيانا الصمت) عند الحديث عن الأزمة المندلعة على مقربة من حدودهم، داخل اليمن بين مكوناته المصطرعة وحروبه المركبة، وعلى حدوده مع السعودية التي دخلت لأول مرة في حرب مباشرة ضد ما بات يعرف بـ"التمرد الحوثي"، والذي تنظر إليه الرياض كجيب متقدم لإيران في خاصرتها الجنوبية الضعيفة، وقد لاحظ الصحفيون أن السلطان قابوس بن سعيد، تحاشى في خطابه السنوي في افتتاح مجلس عمان ذكر التطورات داخل اليمن أو على حدوده مع السعودية.
 مصدر التحفظ العّماني، ليس نابعا من "قلة اهتمام" أو رغبة في "الاستنكاف" عن تقصي مجريات الوضع في هذه "البؤرة الساخنة"، فالسلطنة متأثرة لا محالة بكل ما يجري في اليمن، وهي ترقب عن كثب انقساماته وإرهاصات تفتته، كما أنها تتابع بكل اهتمام "الصراع المندلع" على أرضه وحدوده (ومؤخرا خارجها) بين أطراف تحتفظ السلطنة بعلاقات وثيقة معها، وأخرى لا تريد أن تجد نفسها في مواجهة معها.
ينضوي الموقف العُماني من أحداث صعدة وحرف سفيان وجبل الدخان، وتداعياتها اللاحقة، في إطار موقف دول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية عموما، من دون أن يفقد هذا الموقف خصوصيته، فالسلطنة تحتفظ بعلاقات طيبة مع اليمن والسعودية، من دون عداء أو استعداء لإيران وحلفائها في المنطقة، وهي تدعو لوقف التصعيد ومنع التدهور واحتواء الموقف وتوفير المعالجات السياسية للأزمة في بعديها الداخلي (اليمني) والإقليمي المفتوح على مختلف أشكال التدخل الخارجي.
السلطنة التي تنتهج تاريخيا "دبلوماسية الظل" وتؤثر الابتعاد عن "كاميرات الصحافة وفلاشات الإعلام"، تدرك أنها تعيش في بيئة جيواستراتيجية متغيرة، فاليمن الذي يشاطرها حدودها وشواطئها، يكاد ينزلق إلى مستنقع الدولة الفاشلة، وهو عرضة للرجوع إلى مكوناته الأولية، السابقة على قيام الجمهورية وليس على قيام دولة الوحدة فحسب، وإن حصل ما يخشاه كثيرون، وتفاقمت صراعات اليمن وحروبه مع الحوثيين والسلفيين والحراك الجنوبي، فإن "مبدأ الدومينو" مرشح لأن يفعل مفاعليه، وأن يتهدد دول أخرى مجاورة للسلطنة، بل وقد يمس بتأثيراته السلبية الضارة المشهد الخليجي (الجزيرة العربية) برمته.
فاليمن إن أفلت زمام أزماته من السيطرة والتحكم، مرشح لأن يكون "ملاذا آمنا" للسلفية الجهادية التي توحد قواها في الجزيرة العربية بمجملها، واليمن الذي يمكن أن يكون حامي استقرار الملاحة في البحر الأحمر والمضيق وبحر العرب، ويمكن أن يكون كذلك بوابة للقرصنة البحرية المهددة لطرق الملاحة والنقل البحري، واليمن إن تفتت مذهبيا وتحول إلى ساحة صراع سني – شيعي مرشح لأن يكون رافعة لانقسامات متلاحقة قد تمتد إلى العراق ولبنان، مرورا بعدد من دول الخليج العربية بما فيها المملكة العربية السعودية ذاتها.
لا يغيب عن ذاكرة العُمانيين أن اليمن كان ذات يوم "مقرا وممرا" لأنشطة استهدفت أمن السلطنة ونظامها - وربما وحدتها الترابية – لذا نراهم يبدون تعاطفا مع الدول التي تتعرض سيادتها وأراضيها للانتهاك (السعودية في هذه الحالة)، أيا كان شكله وحجمه ومبرراته، والسلطنة تتفهم الظروف الصعبة التي يجد النظام اليمني نفسه فيها، بيد أنها لا ترغب أبدا في الانجرار وراء حملات "تجييش" مذهبي، أو محاولات تصعيد إقليمي، تدرك سلفا أنها لن تكون بمنأى عن شظاياها المتطايرة هنا وهناك، وهي التي وضعتها "الجغرافيا" في بؤرة هذا المثلث الصعب.
وفي ظني أن أخشى ما تخشاه السلطنة، كما تستشف من "الكلمات المقتضبة" التي تصدر عن كبار المسئولين فيها، هو أن تتجه الأزمة اليمنية – السعودية المعقدة، إلى نوع من "الأقلمة" أو "التدويل"، ولهذه الخشية ما يبررها، بل أن التراشق بين الرياض وصنعاء من جهة وطهران من جهة ثانية، ينذر بأن "الأقلمة" قد وقعت بالفعل، في حين تشير مواقف بعض العواصم الدولية إلى إرهاصات "تدويل" سيزيد الأمور تعقيدا، بدل أن يسرّع في "حلحلتها"، خصوصا مع استمرار "الضبابية" التي تحيط بمفاوضات إيران مع مجموعة الـ"5 + 1) في فيينا وجنيف.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق