الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

القمع.. لحضة فرز ومواجهة وتفكير


لم يعُد خافيا على أحد, داخل الجامعة وخارجها, اشتداد الحملة الأمنية والسياسية والإعلامية على كلّ مكوّنات المُجتمع المدني والسياسي المُستقلّة والمُدافعة بالفعل عن مصالح منظوريها فمن الإتقلاب على جمعية القضاة ونقابة الصحفيين و تعطيل نشاط الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وحملات الإحالة على لجنة النظام للنقابيين المُناضلين في اتحاد الشُغل إلى محاصرة الأحزاب الديمقراطية وحجب صُحُفِها وجمعها من الأكشاك والاعتداء على النُشطاء السياسيين والصُحفيين والمُحامين الذين رفضوا اللّون الواحد وعبّروا عن رفضهم لسياسة 'لن أُريكم إلاّ ما أرى' كما احتدّت وتيرة غلق المواقع الإلكترونية التونسية والدُولية التي تتناول وضع الحُرّيات في تونس وعلى رأسهم الموقع الإخباري الأكثر تصفُّحا في تونس 'الجزيرة.نت' وترهيب المُدوّنين وإتلاف العناوين الإلكترونية لعديد الشخصيات و الجمعيات والمُنظمات الحقوقية, كما أرخت السُلطة العنان للعديد من الصُحف الصفراء وجرائد التعليمات لشنّ حملة غير مسبوقة ضدّ العديد من المُنظمات والأحزاب والشخصيات من مُختلف المشارب الفكرية والسياسية ونعتهم بأقذع النُعوت والشتائم بعد ذكرهم بالاسم ...
جرى ويجري كُلّ هذا في سياق سياسي سِمته الأساسية تجديد جهاز الحُكم وترسيخ دعائم سيطرته على الدّولة والمُجتمع بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية وبعد الاحتفال ب7نوفمبر, فهو سياق سياسي يتحرّك بزمنين : الزمن الأوّل يقوم على الدّعاية والتمجيد والمديح ل'الإنجازات' و'المكاسب' و'المعجزة التونسية' و'السياسة الرّشيدة' ... والزمن الثاني يقوم على تخوين وتجريم وشيطنة كلّ من تُخوّل له نفسه مُجرّد التشكيك في كلّ ذلك. يعني منطق من ليس معي فهو ضدّي, من ليس مع الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسُلّطة فهو في رأيها يعملُ ضدّها .. وضدّ البلاد (؟؟) .
لم يكن الإتحاد العام لطلبة تونس يوما بمنأى عن تجاذبات الوضع السياسي العام, بل كان على الدّوام مُعبّرا عن مصالح ومطالب شريحة اجتماعية هامّة يرتبط تحقيقها بتغيير حقيقي في خيارات الدولة لذلك كان مُناضلوه وأنصاره عُرضة للقمع والسجن والطرد والمُراقبة وأحيانا الإغراء والمُساومة.
إنّ الإتحاد العام لطلبة تونس تعرّض ويتعرّض في مجرى الصراع القائم لما تتعرّض له الجمعيات التي أسلفنا ذكرها بل إنّه الأكثر تضرُّرا والأقلُ حُضوة بالانتباه والمُساندة, فبعد المنع القسري والعنيف لإنجاز المؤِتمر المُوّحد تصدّت السلطة كعادتها ومنذ مطلع السنة الجامعية إلى المطالب الطُلاّبية النقابية والسياسية وواجهتها بالرّد الأمني والقضائي, أكثر من 40 مُناضل في الإتحاد مطرودون من الجامعة لأسباب نقابية, وأكثر من ذلك تُلاحقهم قضايا مُفتعلة ومُفبركة ومثلهم على ذمّة البحث وآخرون صادرة بحقّهم بطاقات جلب, ناهيك عن قائمة المساجين التي انضاف إليها مناضلوا الإتّحاد بالمُركّب الجامعي بمنوبة الذين أحيلوا مؤخرا على القضاء بعد فكّ اعتصامهم بمبيت البساتين بالقوة. وأصبح الإتحاد مُنظمة مُعترف بها قانونا وغير مُعترف بها عمليّا في الواقع, تجد الصدّ من كلّ الجهات الإدارية التي من المُفترض أن تُحاورها وتُفاوضها وتُصارعها (إدارات الكُلّيات, دواوين الخدمات الجامعية, مديروا ومديرات المبيتات والمطاعم الجامعية, وزارة التعليم العالي...) وطالت المُلاحقة كُلّ مسؤوليه من الأمين العام وحتّى أعضاء هيئات الفروع .
أمام هذا الوضع الذي تُنبئ عديد المُؤشّرات أنه سيزداد تعفّنا بمزيد استشراس الآلة الدعائية والأمنية وتضخّم دور الأجهزة الأمنية التي أصبحت المحاور الوحيد للطلاّب ومُمثّليهم وبمزيد تدخّل الحزب الحاكم وطلبته في الشأن الجامعي عبر تخريب الوعي الطُلاّبي المُهتزّ أصلا وإلهائه عن قضايا البطالة والسكن وحرية العمل النقابي والسياسي بالحفلات الراقصة في المبيتات ودعاوي حضور اجتماعات 'مُنظمة طلبة التجمّع' بلجان التنسيق في العاصمة والجهات وشراء الذمم مُقابل بطاقات الهواتف ومنح التنقّل ووعود السكن والعمل... كما تُنبئ المرحلة القادمة بمزيد تسويف المطالب المشروعة لعشرات ألوف الطلاّب الذين وقفوا على الفشل الذريع الذي انتهت إليه منظومة إصلاح التعليم 'إمد' التي عمّقت المشاكل المُتراكمة وأهمّها بطالة أصحاب الشهائد وعلى فشل سياسة 'الجامعة الإفتراضية' و'مدرسة الغد' كما فشلت باعتراف وزير التربية منظومة التعليم بالكفايات في الأساسي.
إنّها مرحلة المواجهة الحقيقية, لا حلول للسلطة إلاّ الخيار الأمني والقضائي وسياسة تكميم الأفواه وضرب الأصوات الحُرّة و'تدميرها' حتّى تكون عبرة لكل من يُحاول خرق عصا الإجماع والولاء, لكن الحركة الطلابية ستضلّ خلاّقة ومُتجدّدة وولاّدة, فكل حملات القمع طيلة السنين الفارطة لم تنجح في استئصال أصوات الحرّية وتُعلّمنا التجربة والخبرة التي راكمتها أجيال من المُناضلين أن القمع لحضة فرز حقيقي وهو المِحكّ أمام القدرة على المقاومة والصمود وابتداع أساليب وطرق جديدة للنضال والمقاومة ومواصلة الدفاع عن الطلاّب ومصالحهم وحقّهم في بيئة سياسية تُشجّع على البحث والمشاركة والتفكير..
إن الإتحاد مدعُو وهو في أحلك الضروف التي تمُرّ بها البلاد منذ سنوات أن يُنير الطريق لا فقط أمام جموع الطلاّب المُتضررين بل أمام المُكونات النقابية والسياسية داخل الجامعة وخارجها للمُضي قُدما في مسيرة الكرامة والحُرية... وإن غدا لناضره لقريب


عضو م.ف كلِّية 9أفريل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق