الخميس، 5 نوفمبر 2009

هل يجب أن نكون مع المقاومة العراقية؟؟؟

المحامي فتحي احمد صالح درادكه

كنّا قد طرحنا سؤالنا الأول : حول ما هي حقيقة المقاومة العراقية...؟ وبتحليل بسيط وصلنا إلى أنها الأداة التنفيذية الوحيدة للمشروع الحضاري العربي الوحدوي الديمقراطي، على الأثر طرَح السؤال التالي نفسه، هل يجب أن نكون مع المقاومة العراقية...؟ وبالطبع السؤال موجه إلى المواطن العربي نفسه باعتبار أن الدولة القطرية خرجت من معادلة الصراع الحضاري بهزيمة تاريخية لذلك فإن المقصود بالحديث هو الفرد العربي ذاته بهدف خلق الحراك الاجتماعي اللازم لخلق الأدوات السياسية الكبرى التي تسمح بإعادة الصراع الكلي إلى واجهة التاريخ العربي ومعنى أن يتم الحديث إلى الفرد العربي ذاته أنه تحمل مسؤولية أمة.

وكي نجيب على التساؤل علينا قبل أن نعي لماذا يتم الحديث إلى المواطن العربي ذاته بصفته الفردية؟ وهل يصلح هذا الفرد لأداء المهمة التاريخية المتمثلة في المشروع الحضاري العربي؟ غير أن إجابتنا على هذا التساؤل لن تذهب إلى الجدل الكامل حول الفرد والفر دانية والعلاقة بينه وبين المجتمع، وإنما فقط سنموضع الإجابة في نطاق الوظائفية التاريخية للجهد الفردي في المرحلة الراهنة لتهيئة المناخات الاجتماعية للشروع بخلق أو تبني أدوات جماعية تنفيذية للمشروع الكلي للعرب، وأول هذه الأهداف من استهداف العربي بصفته الشخصية هو تحريره من إكراهات المؤسسات التقليدية التي سعت لتشويه وعيه الثوري وحولت سلوكه اليومي إلى مجرد سلوك بيولوجي فنحن نعلم أن مؤسسات الدولة القطرية وثقافتها الإعلامية والمدرسية قد أغرقت المواطن العربي بسلسلة من الإكراهات السلوكية والثقافية والاقتصادية أدت إلى تشضي أداءه، ونحن نعرف أن السلوكيات الفردية واليومية بذاتها لا تشكل تاريخاً ولا تصنع تاريخ الأمم، ولكن لما كان نفي النفي إثبات فانه يلزم ابتداء استعادة توازن السلوك اليومي للفرد العربي وذلك من خلال إدخال المعطيات الثورية الناتجة عن المقاومة العراقية كجزء من شواغله وهذا يساعد حالاً على البدء بالتحرر من منتجات السلوك التقليدية والمتمثلة في تحقيق مستوى من مستويات الحياة البيولوجية الاستهلاكية، ومجرد هذا التحرر من اكراهات المؤسسات القطرية سيصاحبه تحرر أكثر أهمية وهو التحرر من الإحساس بالتبعية للغرب وأدواته الرأسمالية.

وهذا التحرر ذاته سيبدأ بالبحث عن الأطر اللازمة لترتيب المعطيات الثورية الجديدة في السلوك، وهذا يعني العمل الفردي على خلق هيكليات اجتماعية وسياسية وثقافية بديلة عن الهيكليات السائدة بحسبانها صارت نقيض محددات السلوك اليومي للفرد. بتحديد أكثر نقول أن ذات التحييد الذي استخدمته الدول القطرية العربية للفرد تجاه قضاياه الكلية هو ذاته مدخلاً ثورياً، وسبب ذلك أن التحييد الحاصل الآن هو تحييد حيادي، هو تحييد يتطابق في الدلالة مع التهميش أو هو تهميش، ولغياب المرجعية الكلية الكبرى القادرة على تأطير العمل الفردي في برنامج نهوض حضاري فإنه لا يمكن للفرد أن ينتظر إلى حين وجود هذه المؤسسة التي ستعمل لاحقاً على مأسسة طاقاته، ووجدانياته، ونزوعه الحضاري، وهواجسه الثورية، وإذا كان ينبغي أن نخرج عن الحياد المهمش لنا، فإننا من ذات المواقع نستطيع أن نفعل، لذلك يكون أمراً لازماً أن يستهدف الفرد وأن يعي هو ذاته حقيقة موقعه الجديد في صيرورة تاريخ العرب، وحالئذ سيحدث تغيرات في سلوكه الفردي توازي مسؤولياته التاريخية وهي بالضبط بحجم التاريخ ذاته، وعندما نطرح المسؤولية الفردية للمواطن العربي عن تاريخه فإننا نغيب ذرائع من يتحجج بعدم وجود دولة تطرح أداءه، وأن الأمل ضاع. وبتهميش هذا الخطاب ألذرائعي نكون بدأنا في استعادة الفرد لحركة التاريخ وهذا هو السبب الرئيسي الأول كيما نتبنى بشكل نهائي مقولات المقاومة العراقية والتي هي بالتحديد المقاومة العربية = الأداة التنفيذية للمشروع الحضاري.

وهذا التبني ذاته هو شرط أولي لكي يستعيد المواطن العربي توازنه الذاتي في مواجهة ذاته للحول دون الاستلاب الحضاري وللتأهب للعمل على إعادة الأداء الاجتماعي لسياقاته الحضارية التاريخية. هذا مركب جداً ليس فحسب بحسبانه أداة ونتيجة في مساقات التسلسل الثوري وإنما كذلك لكونه فردي وجماعي في سياقات التغير الاجتماعي. ويمكن أن نرصد هنا أن الفرد بصفته كذلك، وعند غياب المرجعيات الثورية الشاملة على المستوى الحضاري يكون قابل لفكرة التشكل العشوائي، وعند حيازة الحد الأدنى من الوعي فإن المواطن العربي يرفض حضارياً كل مدخلات الدولة القطرية، وبهذا الرفض سيخضع لنمطين من التشكل، فهو قد يبدأ بقبول هواجس الآخر الحضارية من خلال منظومة من الوهم بإمكانية الاستبدال الحضاري أو الاستيراد الحضاري مصحوباً هذا الوهم بقوة وتفرد الإعلام الآخر الغربي، والفرد الذي يبدأ بهذا سيتخلى عن كونه طرفاً حضارياً كونياً، وعندها سيصبح أداة للاختراق الحضاري لمجتمعه سواء كان يعي ذلك أم لا يعي، وهو ذاته قد يبرر هذا بالتبادل الثقافي والحضاري متجاهل الشرط الكلي لإمكانية التبادل والمتمثل بحيازة مشروع حضاري، فمن لا يحوز مشروع حضاري لا يمكنه أن يتبادل، فشرط التوازن الكلي ضرورة معرفية للتوازن الفردي، وإذا قام الفرد أيضا برفض الآخر الحضاري ويرفض المعطيات القطرية فإنه سيخضع إما لعشوائية الأداء واضطرابه، وإما لتشوه المكتسبات ليصبح خليط من كل الأشياء من كل المؤثرات ليساهم بعد ذلك في خلق حالة العدمية الفردية والاجتماعية.

وهنا بالتحديد تأتي المقاومة العراقية ليس كمخلص وإنما كضرورة حضارية وفردية ينتجها الفرد ذاته وتنتجه. فعندما يتبنى الفرد العربي مقولات المقاومة العراقية يبدأ بالتغير الذاتي من خلال الإحساس بحيازة خيار حضاري يسمح له حالاً بإحداث مماثلة حضارية تسمح بالتوازن بين استدعاء المكبوت الحضاري والتفاعل مع تطور المقاومة.

إن التغير السيكولوجي الفردي مهم جداً هنا حيث ستنمو الإحساسات لدى الفرد بأنه جزء من عملية إعادة بناء المشروع الحضاري وسيبدأ بصياغة انطباعاته البسيطة ثم السلوكية والثقافية من خلال تقبل المقاومة كمرجعية كلية، وسيشعر بالمشاركة الذاتية في انجاز الكل الحضاري. ولما كان هو يرغب بذلك بفعل تأثيرات مكبوتاته الحضارية فانه سيدخل كفاعل في عملية التأثير على الآخر والمجتمع، وعندئذ وبقدر انخراطه بالعملية سيحقق توازنه الذاتي أمام ذاته، ولن يعاني أبان رفضه أدوات الاختراق الحضاري، وبانشغال أكثر في الموضوع سيكون قد بدأ بالبحث عن أدوات فردية جديدة وجماعية ليواجه الاختراق الحضاري، وللتواصل أكثر مع المقاومة ليمارس تأثيره عليها وتأثره بها وهو كذلك يصبح فرداً تاريخياً لكون ظروف الأمة الآن تحتاج بالتحديد لهذا الفرد، وبالتأكيد نستطيع أن نتصالح بسهولة حول احتياج المواطن العربي لتبني المقاومة على الصعيد الذاتي، على الأقل لاعتبارات احترام الذات، غير أن تلاقي الموجبات الثورية مع الاعتبارات الشخصية هو ما يحول هذا التبني من مجرد العواطف والتعاطف إلى النهج المنتج للسلوك اليومي وهو بالتالي ما يحقق نتائجه في مواجهة المجتمع وهو ما يحول في النهاية المقاومة العراقية الى فاعل رئيسي في حسم الصراع الاجتماعي داخل البناء الاجتماعي السائد في الدولة القطرية وهذا مهم ومهم جداً.

وهنا بالتحديد ستشتغل كافة المتغيرات الاجتماعية وتتحرك باتجاه صيرورتها التاريخية بمعنى عندما ينجح الفرد في تبني أطاريح المقاومة ثم يبدأ بالتواصل الثقافي وبالمساهمة الإعلامية وبالتحدث عنها في وسطه الاجتماعي فإنه يمارس عملية دمج المجتمع كاملا مع المقاومة، ولما كان من الطبيعي أن تتلاقي لدرجة التطابق المشكلات الاجتماعية مع أطاريح المقاومة فان الطرح الكلي للمقاومة سيلعب دور المكثف السياسي داخل الدولة القطرية لذلك ستتلاقي القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية عند المقاومة، وحتماً ستجمع عليها وهذا بالتحديد سيسهل مهمة التنسيق السياسي الداخلي وبالتالي تتراجع التناقضات الهامشية أمام ضغط المقاومة، باعتبارها الممثل التنفيذي للمشروع الحضاري العربي، وإذا كانت الدولة القطرية والطبقات المستفيدة منها تعيش أزمة سياسية واقتصادية وأمنية فإن تبني المقاومة من قبل الحركات السياسية والأدوات الاجتماعية سيعمق أزمة الدولة القطرية ليس فحسب لأنه سيطرح السقف النهائي للمشروع الحضاري العربي وإنما لأن هذا التبني بحد ذاته سيخلق أجواء ثورية تسمح للقوى الفاعلة بزيادة مساحة عملها وبرفع سقف مشروطاتها السياسية بالتدريج إلى أن ترفع شعارات المقاومة نفسها وهذا هو التحرك ألانجذابي للعمل السياسي باتجاه محوره السياسي مباشره.

نحن نعلم أن الدول القطرية العربية عملت مع القوى الاستعمارية على خلق تناقضات هامشية داخل المجتمعات العربية على نحو خفف الضغط عن الدولة القطرية والاستعمار، ولما كانت المقاومة العربية في العراق قد نجحت وبشكل نهائي في تجاوز كافة المشكلات المثارة من عرقية وطائفية فإنها بالضرورة أكفأ في مساعدة القوى الثورية العربية على وضع حد لهذه التشوهات بحيث تسمح بعد ذلك بتركيز الفعل السياسي وهذا بالتحديد ما سيعمق أزمة الوجود القطري والاستعماري، فعندما تشتغل ثقافة المقاومة داخل المجتمع العربي فإنه لا مجال لطرح وتسويق الأفكار الهدامة والممزقة لحركة الصراع الاجتماعي لكون ضابط إيقاع السلوك اليومي والمحدد الأخلاقي للخطاب الفردي سيصبح محكوم بعظمة وقوة مقولات المقاومة، وهو بهذه الصفة سيترفع عن الدخول بأجواء العجز السياسي والأخلاقي كيلا يمس بمقدرات وقداسة المقاومة، وهذا المحدد الناظم للسلوك اليومي حتماً سيفلح سياسياً في تحرير الطاقات الثورية الكامنة في المجتمع لأنه يستحيل تحقيق المهايا والانسجام مع المقاومة إلا من خلال رفع سقف الطرح الثوري إلى حدوده القصوى، وعندما تصل إلى هذا الحد نكون بالضبط قد كسرنا كافة الحواجز النفسية والأمنية التي تعيق التواصل مع المقاومة وبالضبط نكون حالئذ داخل الزمن الثوري.

إذاً هكذا ومن خلال الإجابة المعرفية المركبة على التساؤل هل يجب أن نكون مع المقاومة العراقية؟ نكون قد دخلنا حالاً لتحديد جديد يجب ضبطه، لهذا طرح علينا سؤالاً جديداً وهو ما هي العلاقة بين المقاومة العراقية وبين الزمن الثوري والمسؤولية الفردية عن الزمن الثوري؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق