الخميس، 5 نوفمبر 2009

شفاعمرو والتبوله.. وكتاب "جينس" .


هنيئا لك يا امة العرب من الخليج الثائر الى المحيط الهادر .

ها نحن نخترق كتاب " جينيس " كتاب السخافات من اوسع ابوابه ومن جميع المواقع والجهات . نسجل به ارقاما قياسية لم تسجلها بعد امة من امم الارض.

في لبنان... تصورا وعوا ..اكبر صحن حمص في العالم حوالي 3 اطنان من الحمص الفاخر ... وفي الناصرة ..نعم ناصرة يسوع بن مريم سجل اكبر قالب حلاوة بالتاريخ يقولون انه امتد لمئات الامتار كالاناكوندا العملاقة . انتظرو وتشوقوا ..نعم تشوقوا رقما قياسيا اخرا على الطريق في شفاعمرو .. نعم في شفاعمرو فسطاط صلاح الدين بعد النصر في حطين وموقع قلعة الظاهر عمر الزيداني ومنبث شرارة يوم الارض الخالد .. شفاعمرو تستعد لاكبر صحن تبولة في العالم . يا للعزة ويا للبطولة . يتحدثون هنا عن اكثر من 3 الاف كيلواغرام من البرغل المجروش والاف ضمم البقدونس الشفاعمري الشهي ومئات الكيلوغرامات من زيت زيتونها المقدس .. اما عن الخس والليمون فحدث ولا حرج .

قال زعيم الهند بعد المهاتما غاندي جواهر لا نهرو مرة " ويل لامة لا تصنع غذائها ولا سلاحها " . ها نحن بفخر نصنع ليس فقط غذائنا بل مشهياتنا بالامس حمص وحلاوة وغدا تبولة وفي القريب ربما اكبر طاجن بامية باللحم الضاني وبعدها اكبر طنجرة محاشي بالعالم .

بالمناسبة .. هل تذكرون ..منظمة عدم الانحياز وعبد الناصر وتيتو ونهرو وسوكارنو ومؤتمر باندونغ . ..اصبحت واصبحوا في ذمة التاريخ بعد ان تركوا بصماتهم على خا نة الكرامة الوطنية والانسانية . الان اصبحنا كلنا رغما عنا منحازين للقيم الغربية الاستهلاكية الضحلة والزائفة التي باتت تدمر فعلا ثقافتنا الوطنية ومن ثم اقتصادنا الوطني وتتركنا كالايتام على موائد اللئام في هذا العالم الاستهلاكي الوقح تحت رحمة شركات العولمة الاستهلاكية التي عملت وتعمل جاهد على جعلنا ارقاما استهلاكية قلبا وقالبا عاجزين عن روح المقاومة ولا نقصد هنا العسكرية بل الحضارية الثقافية.. وبعيدين عن مسيرة بعث جديد لثقافتنا وحضارتنا ومن ثم لاقتصادنا الوطني القومي الجاد والصحيح .

دعونا من هذا الكلام الكبير ..لنعود الى شفاعمرو وصحن التبولة الاكبر في العالم ..يا سلام . احوالنا العامة باتت جيدة جدا وحالتنا الاجتماعية على خير ما يرام لا ينقصنا الا التبولة .. وبلدنا التي تحب التبولة اضحت تضاهي ضواحي لندن او لنقل احياء حيفا الكرملية على ظهر ذاك الكرمل الابي الذي يشراب براسه ويطاول اعنان السماء ويغسل قدميه صبحة وعشية في بحر حيفا . بعض الصحف الصفراء المحلية التي اصبحت اكثر من الهم على القلب لكونها صحف استهلاكية قلبا وقالبا بعيدة عن الثقافة وهمومها وعن وجع القلب الوطني والقومي تخبرنا ان شفاعمرو خلية نحل روضات اطفال ومدارس وبلدية كلها تقف على قدم وساق لتحقق هذا الاختراق الجبار وهذا الانجاز العالمي حتى يكتب اسم شفاعمرو في كتاب السخافات ذاك . ياله من نجاح ات ومن استحقاق قاحم ومن ارادة خارقة تحقق المستحيل ؟؟. صدقوني انني خلال اشهر الصيف لم استطع ان اكتب حرفا واحدا رغم المحاولات المتكررة الفاشلة . منعني صوت الميكروفونات الخارقة للباطون والاسمنت من كل حدب وصوب .. ايه والله في بلدنا كل يغني على ليلاه .

ابت تلك الاصوات الهادرة المزعجة الا ان تشوش بنات افكاري وتسرقها وثبعثرها امامي في مهب الرياح الفاسدة التي زارتني ايضا بالرغم عني في شرفتي ونافذة مكتبي وحتى غرفة نومي صباح مساء . ضاقت بي الحال وهممت للخروج الى الكروم والغابة المجاورة وتلة البلوط في الشرق شرفة طفولتي علني اعثر على خلاصي ومغارة بعيدة سحيقة تجمع شمل افكاري من جديد . لكن تهب الرياح بما لا تشتهي السفن.. لم يسعفني الحظ ولم تنقذني حتى الذاكرة . ركبت سيارتي الصغيرة انا وكلبي رفيق رحلتي طواعيا ... وبدات رحلة العذاب .كانت الشورع الرئيسية مغلقة والرقص في وسطها حنجلة والمزمار يقصف النسمات القليلة العليلة الهاربة من شرفة روحي.

درت بالسيارة وتهت في بلدي ومسقط راسي ولم اجد مخرجا من مازقي الا بعد جهد جهيد وبعد محاولات مستميتة وخطرة تمنيت عندها للحظة لو تحولت سيارتي بفعلة ساحر الى طيارة صغيرة وكلبي طيارها وانا مسافرا محايدا على حدود الغيم ابحث ربما عن ابدية بيضاء مشابهة لتلك التي بحث عنها الشاعر الكبير محمود درويش ووجدها . نعم خرجت بسلامة بعد ان تخطيت كل الاعراس والمهرجانات وحلقات الفرح الكاذب اللامنتهية صبحا ومساءا والتي يرافقها دوما حتي هزيع الليل الاخير قصف مفرقعات مركز وشديد يشابه قصف الجيش الاحمر لستالنغراد بالكاتيوشا التي كان وقتها سلاحا جديدا غير وجه ومصير الحرب الكونية الثانية وربما تاريخ العالم كله. هذا الجيش القوي حقق المستحيل عندما عزم على تحريرها من براثن النازية وفق ما قراته اخيرا

في رواية " الطريق الى ستالنغراد " لمبدع رائع سوفيتي لم يحصل على نوبل اسمه منصور عبدوف الذي كتبها عن تجربة شخصية . وصلت الحقول ويالينتي لم اصل؟؟ اكوام الزبالة حاصرتني من كل صنف مطروحة في كل مكان ..يالهي حتي حول عرق تلك الزيتونة ..زيتونتي ..زيتونة الذاكرة..ذاكرة الشقاوة والحب الاول والشبق الاول التي اوحت لي باروع ماكتبته عن نفسي

.حتى الان..وعن سلمى شقيقة روحي وعن العمة بالسواد وحبات الزيتون والحصان الاروسي وخيال شمس الغروب. الغابة يا سادة يا كرام لم تكن بحال افضل بل كانت مرتعا للنفايات من كل حدب وصوب ونوع ولم تنقص حتى النفايات الالكترونية من شاشات وتلفزيونات وبقايا حواسيب قديمة . ناهيك عن اكوام قناني البلاستيك وبقايا الاعراس المبعثرة هنا وهناك . كل هذا كان تحت اشجار الصنوبر الصابرة وتحت السروات الباسقات المجاهدات في سبيل بقائهن على صدر هذا الوطن البائس الحزين الذي نملا ه قذارة وبقايا مخلفات استهلاكية ونسرق منه رويدا رويدا سحر الوجود وسر البقاء.

في طريق عودتي بعد رحلة الالف ميل تلك؟ رحلة العذاب ؟ ورحلة الضياع في واقع اصبح مجنونا وفي ذاكرة راحلة من هنا الى البعيد . قصدت معرضا للكتاب في دير الرهبات الشفاعمري التاريخي .. ووجدت هناك الياذة هوميروس بالعربية وعمى سراماغوا وعزازيل يوسف زيدان وحتي غريب كاموا الذي بحث عنه بلغة اجيدها ولم اجده الا بالفرنسية التي لا اتقنها .. حضر الجميع وتغيب الجمهور الشفاعمري ؟؟ . كنت وحيدا مع البائعة اتصفح العناوين واشم رائحة الورق التي بعثت الحرارة الى قلبي من جديد بعدما كاد ان يتوقف هناك تحت زيتونة سلمى وعلى اغصان السرو الحزين . الان سؤال ... وسؤال ..وسؤال يطرح هنا نفسه للروضات والمدارس والبلدية والمجتمع المدني برمته في شفاعمرو الابية.اليس من الاجدر بنا ان نرتب حياتنا وشوارعنا وبلدنا وحقولنا وحاضرنا ومستقبلنا الذي اصبح على كف عفريت قبل صحن التبولة العجيب هذا ؟

اليس من الاجدر بنا ان ندعوا المواطنين الى المحافظة على الهدوء والنظام بشوارعنا المكتظتة ليلا نهارا وان نفكر منذ اليوم بالطرق الالتفافية بعد ان اصبحت جدتي ترفض الخروج من عتبة الدار الى بيت الجيران للصباحية الا سائقة للسيارة ؟

اليس من الطبيعي ان نحافظ على البيئة ونقاوتها ونبعد حظائر الحيوانات المغروسة في جسد المدينة التي تبعث الروائح والافات الصحية .لماذا لا نفكر في انفلونزا الغنم منذ اليوم مثلا بعدما ان عشنا انفلونزا الطيور والخنازير وجنون البقر هل المكسيك افضل منا ؟ هم يعيشون مع الخنازير عيشة راضية هنية ونحن نعيش رغما عنا مع الغنم والخرفان .. لا يوجد احدا افضل من احد على وجه هذه البسيطة؟

اليس من الاجدر ان ندعوا اطفالنا وشبابنا الغض الى الحقول والى الغابة القريبة ننظفها ونزيل عن صدرها ملا ك الموت الذي تجسد وربض قابضا على جمالها وخضرتها ؟

اليس على البلدية الواجب والمسؤولية بالمحافظة على تسليك الشوارع ومنع اغلاقها في ليالي الصيف ام ان هذه مهمة امنية ؟ اليست هي المسؤولة المباشرة عن منع الضجة والميكروفونات والمحافظة على هدوء وامن المواطن؟

من هو المسؤول المباشر عن نتائج امتحانات البجروت الاخيرة المتدنية في المدينة التي لا تتجاوز ال 22 بالمئة ؟ من المسؤول نزاعتنا الطائفية البغيضة هنا وهناك ؟.

المواطنة الصالحة هي الحب الفطري للبلد وللوطن الذي تكلله في ذات الوقت النظافة والامان والوداعة والهدوء والمحافظة على الاملاك العامة وعن الثروات الطبيعية من احراش وحقول وكروم زيتون تمتد على مد البصر ؟.

د. فؤاد خطيب . شفاعمرو في 1/11/09 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق