الخميس، 5 نوفمبر 2009

كرزاي و"نموذج الانتخابات الأفغانية" المراد تعميمه

كتب : عريب الرنتاوي

ثمة من المؤشرات ما يكفي للقول بأن إدارة أوباما، وبخلاف المتوقع، وضعت قضية إشاعة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان في أسفل قائمة اهتماماتها، وأنها تعيد انتاج تجربة إدارتي جورج بوش الأولى والثانية، بل وتهبط بها إلى مستويات أدنى، بعد أن أخذت تؤثر تطوير علاقاتها التقليدية بالنظم العربية والإسلامية الحاكمة، على علاقاتها الناشئة حديثا مع المجتمع المدني العربي، وبعد أن صار شعار “Promoting Democracy Through Diplomacy”، شعارا ناظما لعلاقات واشنطن مع كل من الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني العربية، وقد انعكس ذلك على اجتماعات منتدى المستقبل في المغرب، وتقلص برامج العديد من المنظمات الأهلية الأمريكية، أو تحوّل اهتماماتها إلى ميادين بعيدة عن هذا "الصداع" المسبب لصدوع في العلاقات الرسمية الأمريكية - العربية، الأمر الذي فاقم الإحساس لدى نشطاء المجتمع المدني العربي، بأن واشنطن تتخلى عنهم وعن وعودها لهم في هذا المجال أيضا، تماما مثلما فعلت في مسألة تجميد الاستيطان وتخليها عن عباس ومعسكر السلام الفلسطيني والمعتدلين العرب.

مثل هذا التطور في السياسة الخارجية الأمريكية، يحمل أنباء سارة لكثيرين من حكام التمديد والتجديد والتوريث في العالم العربي، الذين تابعوا بكل اهتمام وترحيب بلا شك، مهزلة الانتخابات الأفغانية وبالأخص، رد الفعل الأمريكي عليها، وكيف أمكن لرئيس "مزوّر"، أن يفوز بولاية رئاسية جديدة من خمس سنوات، بعد أن شهدت كل منظمات العالم والمراقبين الدوليين وبعثة الأمم المتحدة ذاتها، على أنه نظم انتخابات غير نزيهة وغير شفافة، حتى عندما رضخ للضغوط وقبل بإجراء "الجولة الثانية" من دون أن يفعل شيئا لجعل الانتخابات أكثر شفافية ونزاهة من جولتها الأول.

الترحيب الدولي بـ"فوز" حامد كرزاي بولاية جديدة، بالتزكية بعد انسحاب منافسه المشكك بنزاهة الانتخابات في جولتيها، يدل على حجم النفاق الذي يميز مواقف دول كبرى ومنظمات عالمية بما فيها الأمم المتحدة، مثلما يدل على "ازدواجية المعايير" المعتمدة في النظر إلى الأحداث وتقييمها، ففي الوقت الذي يرحب فيه بان كي مون وباراك اوباما وزعماء أوروبيون بالرئيس "المزوِّر"، نستذكر أن هؤلاء أنفسهم، هم الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها زمن الانتخابات الإيرانية، الأكثر نزاهة من انتخابات أفغانستان بكل المقاييس، وبرغم كل ما قيل ويمكن أن يقال فيها، ورأيناهم قبل ذلك وبعده، يتواطؤون على "معاقبة" شعب بأكمله، لأنه اختار حركة حماس في انتخابات شهد العالم بشفافيتها ونزاهتها، وبحجة أن الحركة متطرفة وأصولية، في حين لم يدخر جهدا لمكافأة الإسرائيليين وتدعيمهم سياسيا واقتصاديا وتمكين قادتهم من "الإفلات من العقاب" على جرائهم التي قارفوها في حرب "الرصاص المصهور" على غزة، مع أن هؤلاء اختاروا في انتخاباتهم الأخيرة، قوى تمثل اليمين واليمين الديني والمتطرف و"لوبي الاستيطان".

ما جرى في أفغانستان يقرع ناقوس الخطر، ويجعلنا نفكر مليا في الاستحقاقات الانتخابية القادمة على المنطقة وسيناريوهات التمديد والتوريث والتجديد التي تتطاير هنا وهناك، فالمهم عند واشنطن على ما يبدو، أن يظل حلفاؤها في السلطة، حتى وإن جاءوا إليها على ظهور الدبابات، وبقوا فيها بالتزوير والتدليس وعمليات "التنفس الصناعي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق