الأحد، 11 أبريل 2010

حادث وعبرة



عبدالحميد العدّاسي
الدّانمارك في 10 أبريل 2010 (يوم حادث الطائرة الأليم)


ورد الخبر عاجلا ثمّ تأكّد، ومفاده أنّ الطائرة البولنديّة المقلّة لمائة واثنين وثلاثين راكبا رسميّا (الحكومة والمعارضة وقيادة الجيش) وعلى رأسهم الرّئيس البولندي وزوجته قد تحطّمت قرب مطار غرب روسيا أثناء محاولتها الهبوط فقتلوا جميعا، وقد تقبّلهم الله سبحانه وتعالى بحكمته، وسيبقى المجال للنّاس وعلى رأسهم المحلّلون السياسيون والإعلاميون واسعا كي يتحدّثوا عن الخسارة النّاجمة عن هذا الموت الجماعي أو عن الأرباح التي قد يجنيها هذا الطرف أو ذاك من ذات الموت... ولكنّي لست هنا اليوم للتأبين أو للحزن على رئيس لم يتجاوز الواحدة والستّين من عمره أو الفرح لمترشّحين عقدوا العزم على إزاحته بالصناديق الصادقة لا سيّما بعدما أظهرت نتائج الاستفتاءات المسؤولة أنّ شعبيته قد تراجعت؛ ولكنّي هنا لأقف وإيّاكم مع "واقعنا اللاّواقعي المؤلم"، حيث "الجميع" تتملّكهم الحيرة وتغشاهم الرهبة ويكحّل بصرهم السواد وبصيرتهم الظلمة عند مجرّد التفكير في انصراف الرّئيس المفدّى أو الأمير الجليل أو الملك الأجلّ...

فليس لنا في بلداننا سواه (الرّئيس، الأمير، الملك)... ما عرف غيره سياسة ولا نبغ فيها... وما فقه غيره وطنيّة ولا تمرّس عليها... وما أحسّ غيره نبض شعب ولا اكترث به... وما تعلّم غيره علوما ولا نجح في تطبيقاتها... وما فهم غيره ديمقراطيّة ولا نزّل التدرّج فيها... فالكلّ إلاّه جهلة سفهاء قاصرون لا يفقهون لا يعقلون لا يصلحون لا يقدّرون الأمور بقدرها لا يعملون لمصلحة الوطن لا يرشدون... ولقد وددت أن ينظر الجميع إلى هذا الفراغ السياسي المهول في بولندا كيف سيُملأ، وإلى هذا النقص العددي كيف سيجبر وبكفاءات قد تكون أحسن بكثير ممّا كان عليه السلف، وإلى الشعب البولندي كيف سيتصرّف... كي نقتنع أو يقتنع باعة الهوى المنافقون أنّه يمكننا في بلداننا العيش كذلك دون وجود (الرّئيس، الأمير، الملك) القديم أو ولده أو حفيده أو زوجته أو أصهاره!...

نحن شعوب متحضّرة لم يلحظ الحكّام تحضّرنا؛ فلعلّهم إن قضوا رأى النّاس ما لم يروه من قبل فندموا على تأبيد الدكتاتورية فينا....
نحن شعوب معطاءة قلّم الحكّام عطاءنا؛ فلعلّهم إن قضوا غنمت الدنيا خيراتنا...
نحن شعوب متعلّمة قضى الحكّام بجهلنا؛ فلعلّهم إن قضوا نالت الدنيا إبداعاتنا...
نحن شعوب صبورة فهم الحكّام - ببلادة ذهنهم - ذلك منّا خنوعا؛ فلعلّهم إن قضوا أعلمهم زوار قبورهم – إن زاروا – أنّنا حلمنا عليهم لمّا بالغوا في الجهل علينا...
نحن شعوب مؤمنة حاول الحكّام إضلالنا؛ فلعلّنا إذا وقفنا في صعيد واحد ندعو عليهم استجاب الله دعاءنا فأخذهم جمعا وأشتاتا على غرّة فأفرح بإفنائهم النّاس الذين  تمنوا (وأنا أعلم أنّهم كثر) لو أنّ الطائرة البولندية كانت طائرتهم... فقد والله طال مكوثهم وطال توقّفنا وطالت المسافة التي عن الحضارة والعدل والحريّة والحياة تفصلنا...

ولكنّي في النّهاية أؤمن بأنّه لن يكون لنا مخرج إلّا بإيمان يؤكّد عندنا أن لا رازق ولا واهب للحياة ولا رادّ للقضاء إلاّ الله سبحانه وتعالى... وبعدها سنهبّ أقوياء لتحطيم الأصنام الآكلة للحوم الأبرياء منّا!.. ويوم الفتح الأكبر أزاح الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بضعا وستّين وثلاثمائة صنما من مكّة ليطلق الفرد حرّا موحّدا عابدا إيجابيّا لا يخشى إلاّ الله!.. وبالأمس خرج أناس ببلدين آسياويين – منهم من لا يؤمن بالله – يُفهِمون رؤساءهم أنّ الحياة ليست بأيديهم وأنّ دورهم خدمة الشعب فإن قصّروا في ذلك أنذرهم الشعب فإن لم ينتبهوا إلى إنذاراته أكلهم الشعب بعد أن أنضج لحومهم على نيران دورهم!...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق