الأحد، 11 أبريل 2010

هل حقق شارون أهدافه في غزة؟


ا.د. محمد اسحق الريفي
كان الهدف من انسحاب جيش الاحتلال الصهيوني من غزة – من وجهة نظر "شارون" –وضع المقاومة الفلسطينية وجهاً لوجه مع سلطة الحكم الذاتي، وتأجيج الصراع الفلسطيني الداخلي، وإعفاء الكيان الصهيوني من مسؤولية حفظ أمنه، وتحويل النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية في غزة إلى فخ كبير للشعب الفلسطيني وقضيته.  ثم جاء "أولمرت" بعد "شارون" ليطور أهداف "شارون" إلى أهداف أشد خطرا على القضية الفلسطينية، بإخضاع المقاومة الفلسطينية إلى حسابات سياسية ضمن عملية سياسية تخدم مصالح الكيان الصهيوني.
أما من وجهة النظر الأمريكية؛ فالانسحاب من غزة كان خطوة مهمة في طريق إنهاء القضية الفلسطينية، التي من أخطر تداعياتها على الولايات المتحدة الأمريكية؛ تشويه الصورة المزيفة لقيم الديمقراطية الغربية والأمريكية، وإعاقة مشروع "الشرق الأوسط الكبير."  جاء الانسحاب ضمن خطة صهيونية أمريكية يتبناها ما يسمى "المجتمع الدولي" لإنهاء القضية الفلسطينية، وقد كشفت مؤسسة "راند" الصهيونية ضم دراسة أعدتها في 2005 عن تفاصيل هذه الخطة، التي تضمنت إصلاح الأجهزة الأمنية للسلطة الوطنية الفلسطينية، ودمجها في ثلاثة أجهزة فقط؛ لتتولى الأمن في غزة نيابة عن العدو الصهيوني بعد انسحابه، ولتحكم سيطرتها على الضفة وتجتث البنية التحتية للمقاومة.  ووفقاً لتلك الخطة، كان على الكيان الصهيوني أن يتخلى عن المسؤولية الأمنية في الضفة وغزة، وأن يضع السلطة الوطنية الفلسطينية وجهاً لوجه في مواجهة الفصائل المقاومة وخصوصاً حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي، ووضع الفلسطينيين في الضفة وغزة أمام خيارين مريرين؛ إما حماية أمن الكيان الصهيوني بأيد فلسطينية أو حدوث صراع داخلي فلسطيني ينجم عنه مواجهات دموية واقتتال داخلي.
ومما يؤسف عليه بشدة أن هدف "شارون" تحقق في كل من غزة والضفة، فحل الصراع الداخلي الفلسطيني محل الصراع الفلسطيني – الصهيوني، وغرق الشعب الفلسطيني في الصراع الداخلي، وتورطت أجهزة الضفة حتى الحناجر في التعاون الأمني وحفظ أمن الكيان الصهيوني وملاحقة المقاومة في الضفة.  وتحقق أيضاً هدف "أولمرت" بعد الحرب على غزة، فقد عادت المقاومة الفلسطينية – في السنتين الأخيرتين على الأقل– مرة أخرى للخضوع إلى حسابات سياسية، من حيث نوع عمليات المقاومة وحجمها، ولكن بالتأكيد بطريقة مختلفة عن أيام سيطرة سلطة حركة "فتح" على غزة.  فالمقاومة في غزة لا تتوقف عن الإعداد والتطوير وبناء قدراتها العسكرية، على عكس ما يحدث لها في الضفة في جحيم الحرب المعلنة على المقاومة بمشاركة أجهزة سلطة رام الله.  ولا بأس في خضوع المقاومة لحسابات سياسية لولا أن الصراع السياسي غير متكافئ بالمرة بين الفلسطينيين والعدو الصهيوني، ولولا التآمر الرسمي العربي على المقاومة، ولولا تآمر الغرب على الشعب الفلسطيني والأمة العربية.  فاستمرار المفاوضات وتمسك سلطة رام الله بالتسوية لم يكبح جماح الصهاينة عن نهب الأرض الفلسطينية وبناء المغتصبات عليها، وتهويد القدس، ومحاصرة المدن والقرى الفلسطينية في الضفة بكتل "استيطانية" اغتصابية ضخمة، وتهجير الفلسطينيين المقدسيين وهدم بيوتهم.
أما بالنسبة لأهداف الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد فشلت تماماً في غزة، وفشلت مؤامرة "دايتون"، ولم تفلح أجهزة سلطة حركة "فتح" في إحكام سيطرتها على غزة وإعادة ترتيب صفوفها تبعاً لخطة مؤسسة "راند."  ولكن الأهداف الأمريكية تحققت لحد كبير في الضفة، فقد نجح "دايتون" في بناء جيل فلسطيني جديد يدافع عن أمن المغتصبين الصهاينة والكيان الصهيوني، ويشارك في الحرب بلا هوادة على المقاومة في الضفة.
إذاً لابد من استيعاب تحديات المرحلة الجديدة والتخلص من حالة الجمود، ولا بد من حماية المقاومة من الاعتبارات السياسية الفاشلة المتعلقة بالتورط في سلطة زائفة، ولا بد من التعامل بذكاء وثبات مع المعطيات الإقليمية والعالمية المتعلقة بالتسوية السياسية للقضية الفلسطينية، ولا بد من تقييم الحالة الفلسطينية الراهنة بواقعية وموضوعية، ولا بد من الاهتمام بتوعية المواطن الفلسطيني وبنائه أكثر من استقطابه حزبياً، ولا بد من الاستمرار في حشد طاقات الشعب الفلسطيني في مواجهة الحرب الشرسة على المقاومة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق