الأحد، 11 أبريل 2010

حكومة نتنياهو: ستهرب إلى الأمام ولن تُحقق السلام


حمد خضر قرش ـ القدس المحتلة
اعتاد شعب فلسطين على المماطلة الإسرائيلية منذ حرب عام 1967 وليس من بداية اتفاقية التفاوض التي تم التوقيع عليها في أوسلو قبل نحو 18 عاماً. فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت في كل مرة تتهرب أو تتملص من صنع السلام إما بحل الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة أو بشن حرب ضد الفلسطينيين أو اللبنانيين أو السوريين أو في مواصلة المفاوضات العبثية لإقناع الرأي العام العالمي بأن المسيرة السلمية مستمرة. ويمكن القول بأنه منذ مقتل (اسحق رابين) لم تجرِ (إسرائيل) مفاوضات جادة بغرض تحقيق السلام والانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة. فباستثناء ما تم على الجبهة المصرية فإن المفاوضات على الجبهتين الفلسطينية والسورية كانت لذر الرماد في العيون ليس أكثر.
المشـكلـة أو فلنقل العقبـة الرئيسـة التي كانت وراء عدم تحقيق السـلام تكمن في المفاهيم التلموديـة الإسـرائيليـة (اليهوديـة) المبنيـة على كون أو اعتبار الضفـة الغربيـة جزءً لا يتجزأ من "أرض الميعاد". وعليه فهي تتفاوض مع الفلسـطينيين من أجل إضاعـة الوقت بالدرجـة الأولى لتُغيير معالم الأرض عبر توسـيع رقعـة الاسـتيطان وبالتالي خلق وقائع ميدانيـة عليها تحول دون إعادتها إلى أصحابها الشـرعيين وفق قرارات الشـرعية الدوليـة. فالحكومات الإسـرائيليـة المتعاقبـة كافـة لم تؤمن يوماً قط بأن الضفـة الغربيـة وفي القلب منها القدس هي أرض فلسـطينيـة! لذلك تصرفت وفاوضت ومارست سياساتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني وأرضه انطلاقاً من هذه المفاهيم الإنكشارية والتي لا تستند إلى حقائق دينية أو تاريخية وحتى تراثية موثقة وذات مصداقية. فالفكر الصهيوني يقوم على أن الشـعب الفلسـطيني يحتل هذه الأرض وعليـه أن يرحل!
ولا أدل على ذلك مما يتم تلقينه لطلبة المدارس من أن الفلسطينيين غرباء وأن هذه الأرض هي أرض (إسرائيل). لذلك ليس غريباً استمرار تفوه الحكومات المتعاقبة بأنها تُقدم "تنازلات مؤلمة" للفلسطينيين والعرب حينما توافق على مجرد بقائهم فوق هذه الأرض وإطلاق صفة مقيمين عليهم! فالمماطلة الإسرائيلية لم تأتِ عبثاً أو بالصدفة وإنما انطلاقاً من هذه المفاهيم التلمودية البائسة. ولو كان لدى الإسـرائيليين قناعـة بأن هذه الأرض هي أرض فلسـطينيـة لأمكن منذ فترة طويلـة حل المشـكلـة وانسـحاب جيـش الاحتلال من الضفـة الغربيـة كلها بما فيها القدس.
الإسـرائيليون بشـكل عام لا يشـعرون بأنهم محتلون لهذه الأرض؛ بل على العكـس تماماً، فهم يؤمنون بأنهم تمكنوا من "تحريرها" من الفلسـطينيين "الغرباء". لذلك فهم لا يخجلون مما يفعلونـه ضد الفلسـطينيين سـواء بالطرد أو بالإجبار على ترك الأرض أو بالاسـتيطان أو في عمليات التهويد المنتظمـة وتدمير العديد من القرى والمعالم الفلسـطينية وإخفائها من الوجود، ومن يشك فيما سبق فعليه قراءة ما كتبه (مناحيم بيغن) في كتابه (التمرد ـ قصة الأرغون) الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1978، حيث يتحدث فيه عن "أرض الآباء وجيش المقاومة والطريق إلى النصر وفتح يافا... إلخ" وتخال وأنت تقرأه أن كاتبه هو جورج حبش أو نايف حواتمة أو (كاسترو) أو (جيفارا). لا يمكن أن تتصور أن مؤلفه هو (مناحيم بيغن)!! فالمشـكلـة والعقبـة تكمن في هذه الذهنيـة أو قل الخلفيـة الأيديولوجيـة. فهم يتوهمون بأنهم هم "أصحاب" هذه الأرض ونحن "الغرباء"! لذلك لا يمكن الوصول إلى حلِ معهم بدون أن يُغادروا هذا الوهم الذي يُعشعش في دماغهم وسلوكهم وممارساتهم. من هنا لا اعتقد بأن الحكومة الحالية بشخوصها اليمينية الموغلة في التطرف والتي تقف على يمين (مناحيم بيغن) و(شامير) و(شارون)، تستطيع صنع السلام أو إجراء مفاوضات جادة تؤدي إلى سلام حقيقي ودائم. ذلك هو السـبب الحقيقي الذي يقف وراء تعثر كل المفاوضات منذ انطلاقها في أوسـلو وحتى اليوم. هم يعتقدون بأنهم "يتصدقون" علينا ويُقدمون لنا معروفاً لمجرد جلوسهم معنا والسماح لنا بالإقامة هنا دون أن يكون لنا اكتساب حق المواطنة بمفهومها السياسي والوطني والديني والتراثي والتاريخي. لن تنجح أية مفاوضات مع الحكومات الإسرائيلية مادامت تعيش في الوهم سالف الذكر. لذلك حينما كانت المفاوضات تصل إلى مرحلـة اتخاذ القرارات ووضع جدول زمني ملزم بالانسـحاب من الأرض الفلسـطينيـة و"الوفاء" بالاسـتحقاقات المترتبـة عليها تهرب الحكومات الإسـرائيليـة إلى الأمام عبر شـن حرب أو حل نفسـها والذهاب إلى الانتخابات المبكرة، أو الإعلان عن نيتها في اسـتئناف المفاوضات لتحقيق السـلام والذي غالباً ما يكون تحت ضغوط أمريكيـة. تلك هي تجربة شعب فلسطين في التفاوض مع (إسرائيل). الحكومة الإسرائيلية الحالية تعيش في أزمة مع حلفائها وليس مع العرب. لقد تمكنت (إسرائيل) عبر العقود الماضية من الإفلات من دفع الاستحقاقات المترتبة عليها تحت حجج مختلفة مستفيدة من التكتلات التي كانت سائدة قبل انهيار المنظومة الإشتراكية. ولكنه الآن وبعد أن باتت حليفتها الكبرى هي زعيمة هذا العالم بدون منازع وأفول الحرب الباردة، لم يعد باستطاعتها التشكيك بحليفتها الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية والتي لولاها لما تمكنت من البقاء حتى الآن وبهذه القوة غير العادية.
لذلك (فإسرائيل) الآن في مأزقٍ أو ورطةٍ مع أصدقائها، ولا بد أن تتعامل معها بأقل خسائر ممكنة بالنسبة إليها. كيف السبيل إلى ذلك!؟ هذا ما يجب أن نحيط به ونتوقعه. استنادا للتجارب السابقة فالحكومة الحالية لن تصنع السلام، بل هي غير راغبة بتحقيقه والانسحاب من الأرض الفلسطينية مع أنها قادرة على ذلك لو أرادت للأسباب المشار إليها آنفاً. لذلك فهي إما ستهرب إلى الأمام عبر خوض حرب على قطاع غزة كما فعلت حكومة (أولمرت) للتهرب من الاستحقاق الذي كان عليها أن تفي به للرئيس (جورج بوش) الابن، ولدى (إسرائيل) دائما حجج ومبررات كافية وجاهزة لشن الحرب، وإذا كان ذلك غير ممكن أو متاح لأسباب دولية وإقليمية فإنها ستفتعل أزمة ائتلافية تحل نفسها وتذهب إلى انتخابات مبكرة مما يعني وقف الضغط الدولي عليها وخاصة من الجانب الأمريكي، وستكسب (إسرائيل) ستة أشهر على الأقل لتواصل بها سياسة الاستيطان في كل مكان بما فيها القدس. لكن الشيء الأكيد والذي لا شك فيه أن هذه الحكومة الحالية لن تحقق السلام ولن توقف الاستيطان لكونه يتعارض مع أيدولوجيتها التي أشرنا إليها قبل قليل. وإذا كانت الحرب على إيران ليست مستحيلة رغم صعوبتها التقنية واللوجستية، لكون أن  شنها لا يتوقف على قرار إسرائيلي فحسب، فالحرب على قطاع غزة هي أسهل وأقل خسائر بالإضافة إلى أن التبرير متاح وجاهز. ومن هنا فإن الجانب الفلسـطيني مطالب بأن لا يعطي الحكومـة الحاليـة أيـة مبررات لمسـاعدتها على الهروب إلى الأمام من أزمتها الحاليـة.
يتوجب علينا أن نلعب سياسة بدلاً من نفخ الأبواق وتلوين الريش بألوان غير مستحبة وغير مفيدة بل ومضرة بالنضال الوطني الفلسطيني. على الفلسطينيين والعرب عدم تسهيل خروج حكومة (نتنياهو) من ورطتها، بل علينا تأزيم وضعها أكثر لتستجيب وتخضع للضغوط حتى لو أدى ذلك إلى فض الائتلاف الحالي والذهاب إلى انتخابات مبكرة. المهم بالنسبة للفلسطينيين أن لا نعطي (إسرائيل) مبررات للهروب إلى الأمام عبر شنها حرب ضد قطاع غزة. هذا هو المحظور بعينـه الذي يتوجب عدم سـلوكـه أو ولوجـه مهما كانت الظروف. هذه الحكومـة لن تصنع السـلام وسـتهرب قطعاً إلى الأمام لئلا تدفع اسـتحقاقات التسـوية والتي طال انتظارها بأكثر مما يجب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق