الأحد، 4 أبريل 2010

لا نريد دولة فلسطينية الآن


ا.د. محمد اسحق الريفي
 ظهرت فكرة إقامة دولة فلسطينية؛ قبل "التحرير الكامل" لفلسطين، في أعقاب هزيمة الدول العربية أمام العدو الصهيوني في حزيران 1967.  وتبلورت هذه الفكرة بعد الضربات العسكرية المتتالية التي قضت على القوة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية وحولتها إلى هيكل سياسي مرتهن للنظام الرسمي العربي، الذي اعتمد التسوية السياسية خياراً استراتيجياً لحل القضية الفلسطينية.  ثم تحولت هذه الفكرة في العقود الثلاثة الماضية إلى مشروع وطني تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية، فانزلقت في مستنقع التسوية السياسية، وفرطت بثوابت الشعب، وعدلت ميثاقها وفقاً لرغبة العدو الصهيوني، ودخلت نفقاً مظلماً لا نهاية له، وبدأ مسلسل التنازل عن الأرض والحقوق والثوابت.
 لذلك فإن الحديث عن إقامة دولة فلسطينية قبل التحرير الكامل مدخلٌ للتنازل عن نسبة كبيرة من أرض فلسطين، والتنازل للمغتصب الصهيوني عن الأراضي الفلسطينية التي اغتصبها بالقوة؛ بمساعدة بريطانيا والدول الغربية في 1948، ولتطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والعالمين العربي والإسلامي.  كما أن القبول بدولة فلسطينية وفق الرؤية الصهيوأمريكية يعد رضوخاً لحكم الأمر الواقع، الذي فرضه العدو الصهيوني على الأمة العربية العاجزة عن مواجهته.  فالدول الفلسطينية لا يمكن أن تنبت في أرض التنسيق والتعاون الأمني مع الاحتلال والارتهان للقرار والمال الأمريكي، وإنما تنبت في أرض مخضبة بدماء الشهداء الذين يقضون نحبهم في مواجهة العدو الصهيوني الطامع في أمتنا العربية.
 لقد أدى مشروع إقامة الدولة الفلسطينية قبل التخلص من السرطان الصهيوني وتحرير فلسطين إلى انزلاق منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح إلى مستنقع التسوية، فتدهورت القضية الفلسطينية إلى حد تولي أجهزة حركة فتح في الضفة مهمة حماية أمن العدو الصهيوني واجتثاث المقاومة وثقافتها وبنيتها التحتية والعسكرية، برعاية "سلام فياض"، الذي يتلقى أوامره من "كيث دايتون"، والذي يبشرنا اليوم في ظل تهديد العدو الصهيوني باجتياح واسع لغزة بدولة فلسطينية عتيدة خلال اشهر!
 ولقد صار لنا بمقتضى اتفاقيات أوسلو دولة، ورئيس، وحكومة، ووزراء، وسفراء، وأجهزة أمنية، وجواز سفر، ومطار، وطابع بريد...!  وصدقنا أنفسنا، وطرنا فرحاً بجوازات السفر وبطاقات الفي أي بي وبالمطار، ولكن تبين بعد ذلك للشعب الفلسطيني زيف هذه المسميات، وأنها لم تكن سوى أكذوبة كبيرة ومخدر للشعب ومدخلاً للتطبيع.  ولم يكن هدف اتفاقيات أوسلو سوى وأد مشروع المقاومة، واغتيال قادة المقاومة وكوادرها، وزجهم في سجون سلطة أوسلو والعدو الصهيوني، في إطار تعاون أمني فلسطيني–صهيوني لعين، ليتفرغ الشعب الفلسطيني لاستجداء العدو الصهيوني منحه تصاريح للسفر والتنقل والانتقال من الضفة إلى غزة أو العكس...! لقد كانت كل تلك المسميات مجرد غطاء للتهويد، واغتصاب الأرض، وتهجير الفلسطينيين من القدس، وبناء شبكة كبيرة من العملاء الكبار والصغار في فلسطين.
 وتذكرنا تصريحات "سلام فياض" الأخيرة في هذا الصدد بخلل الشرعية الفلسطينية، المتمثلة في اغتصاب حق تمثيل الشعب الفلسطيني، وتعيين متعاونين مع الصهاينة والأمريكيين، للتحدث باسمه في إطار تصفية القضية الفلسطينية.  فليست الأرض الفلسطينية وحدها التي يغتصبها العدو الصهيوني بدعم من العدو الأمريكي، فالشرعية الفلسطينية أيضاً مغتصبة، ولهذا فإن الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية في هذا الوقت لن تؤدي إلا إلى إقامة دولة يهودية تحظى باعتراف رسمي عربي يمكّنها من الهيمنة على منطقتنا.
 ولذلك قبل الحديث عن الدولة الفلسطينية، لا بد من تحرير الشرعية الفلسطينية، وإيجاد قيادة تمثل الشعب الفلسطيني بحق؛ يعترف بها العالم، وتكون قادرة على توظف مقاومة الشعب الفلسطيني وتضحياته وإمكاناته المعنوية والمادية في تحقيق طموحاته، وعلى حشد الإمكانات العربية والإسلامية ضد المشروع الصهيوني.  فلا فائدة من قيادة فلسطينية خاضعة لإملاءات واشنطن، وتتقاضى راتبها الشهري من رعاة المشروع الصهيوني الغربيين، ومهمتها محاربة المقاومة وحماية أمن الكيان الصهيوني والمغتصبين اليهود والصهاينة، وغير قادرة على فرض رؤيتها على رعاة المشروع الصهيوني–الغربي.
 إذاً الحديث عن "حل للقضية الفلسطينية" بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة جنباً إلى جنب مع الدولة اليهودية يصب في مصلحة هذه الدولة اليهودية، ويؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد.  ولن يكون للمطالبة بإقامة دولة فلسطينية أي قيمة ما دامت موازين القوى راجحة لصالح العدو الصهيوني، بل تضر هذه المطالبة كثيراً بالقضية الفلسطينية وتضع منطقتنا العربية في جحيم الحركة الصهيونية العالمية.
 4/4/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق