الأحد، 4 أبريل 2010

أمل والشظايا السبع


بقلم: عميرة هاس
يوجد رقم هاتف واحد على نحو خاص، عندما يظهر عندي على الشاشة فاني عن وعي وقصد لا أرد. آخذ خمسة أنفاس عميقة وعندها أتصل من جديد. أحيانا أتلبث حتى ليومين وثلاثة أيام قبل أن ارد على مكالمة زينات سموني.
 اذ اني اعرف بان موضوع المكاملة الاساس سيكون الابنة أمل، ابنة الـ 11 سنة، او الشظايا الست او السبع التي في رأسها. في الحديث مع أمل يوجد دوما شيء جديد. حديث مع أمل، بوجهها النقي وعيناها المفكرتان، يبقى دوما معلقا في الفكر مثل كيس مملوء بالحجارة.
قبل نحو شهر، في الحديث الرابع قبل الاخير، كان التقرير الجديد هو أن أمل تعاني من التهاب وأن الاطباء في مستشفى الشفا في غزة وصفوا لها علاجا ما. في تقرير طبي في نيسان 2009، من قسم الاطفال في مستشفى "شيبا" في تل هشومير كتب أنه لا يوجد تلوث ولا توصية باجراء عملية جراحية لاخراج الشظايا. خطير جدا، قيل شفويا للجدة التي رافقت الطفلة في رحلتها التي استغرقت نحو 10 ساعات من غزة الى تل هشومير (بما في ذلك الانتظار لسبع ساعات في حاجز ايرز). الاطباء في غزة يحتفظون بذات الموقف.
في الحديث الثالث قبل الاخير، كان الجديد انه ظهر في الصورة شظية قنبلة اخرى، لم يعثر عليها في الفحوصات السابقة.
في الحديث الثاني قبل الاخير تبين بأن منظمة مساعدة الاطفال (Palestinian Children Relief Foundation PCRF) تعرف هي ايضا أمل. وحسب الوثائق فان  طبيبا من جانب هذه المنظمة أوصى بعدم اجراء عملية جراحية.  فريق طبي من المنظمة سيصل من خارج البلاد الى رام الله في آيار. فهل سيسمح جهاز الأمن له بالدخول الى غزة؟ ليس مؤكدا. هل سيسمح لزينات وأمل بالسفر الى الضفة لاجراء فحص اضافي؟ هل التنغيص البيروقراطي اللازم لاجتياز 70 كيلومتر مجد فقط لسماع ذات الجواب الذي هو مثل الجواب السابق؟
في احاديث سابقة لتلك كان الكثير من الامور الجديدة ايضا. سنة تعليمية جديدة. مع تلميذات جديدات. فهن لم يفهمن، اذ لم يعرفن، لماذا لا تلعب الطفلة مع كل الباقيات. انعدام فهمهن عاد الى البيت بشعور من الاهانة. وزاد هذا في نظرها قيودها. لا تستطيع القفز، لا تركز على الدراسة. لا يوجد الى اين المفر من وجع الرأس، ألم العينين. في الشتاء برد أكثر وألم أكبر. في الصيف أكثر حرارة وألما.
الحرارة والبرد، المتعاظمان هما رفيقان دائمان لها منذ عادت العائلة الى البيت المرمم في حي الزيتون شرقي غزة. "بيت" و "ترميم" (حدث جديد بحد ذاته) هما كلمتان مبالغ فيهما منذ البداية.
قوة من جفعاتي، احتلت في "رصاص مصبوب" الحي وأقامت فيه عدة استحاكمات لاطلاق النار والمراقبة، غادرته ولكن ليس قبل ان تهدم 24 منزلا، مسجدا وأكنان للطيور، واقتلعت أشجار وبيارات ارتزقت العائلات منها. وأمام حائطين بقيتا واقفتين، يبدو أن البيت الكامل لزينات لم يكن أكثر من جمع من الصفيح، الاسبست والمبنى الاسمنتي. ولكن كان فيه على الاقل ثلاث أو اربع غرف، مطبخ وغرفة منافع.
وفي ظل انعدام مواد البناء في السوق (اسرائيل لا تسمح بدخولها الى القطاع، والقليل الذي يصل عبر الانفاق هو أعلى من متناول يد الناس العاديين)، شقيق زينات دبر شيئا ما: جمع الطوب، الحديد والشجر من المنازل المهدمة، أضاف لفائف النايلون التي وزعها الصليب الاحمر. من الوصف الذي يصعب على الخيال كيف يمكن لثمانية نفوس أن  تعيش الان في غرفة واحدة معدة على عجل، مفتوحة امام الرياح ومياه المطر وحر الصيف. كل نفس في هذه الغرفة الواحدة على طريقتها تعيش مع أربعة أو خمسة في كانون الثاني 2009. كل نفس مع كوابيسها الليلية. وكل كابوس هو جديد.
تذكير: في 4 كانون الثاني اقتحمت قوة من جفعاتي البيت الذي تجمع فيه 18 نفسا معظمهم من الاطفال، الصغيرة ابنة اسبوعين. أب العائلة عطية مزارع ابن 46، اقترب من الجنود وطلب الحديث معهم بالعبرية. لسبب لعله يتضح للجيش الاسرائيلي وربما لا يتضح، اطلق الجنود النار على عطية فأردوه قتيلا، من مسافة قصيرة أمام ناظره أبنائه وزوجتيه، بينهما زينات. ابنها أحمد، ابن اربعة، اصيب بالنار. سمح الجنود لهم جميعا بالخروج من البيت (بدون الجثة) والبقاء في أحد المباني المطرفة  للحي، ولكنهم لم يسمحوا لفرق الانقاذ بالوصول الى الحي لمعالجة الجرحى. الابن احمد نزف حتى الموت في 5 كانون الثاني صباحا.
قبل يوم من ذلك، عندما خرجوا من بيتهم، فضلت أمل الذهاب الى بيت العم. هناك، الجنود أمروا عائلته وعائلات أخرى تجمعوا عنده بالمغادرة والانتقال الى مبنى آخر في الحي. بيت العم، من ثلاثة طوابق أصبح قاعدة عسكرية. بأمر الجنود، اذن، نحو مائة من أبناء العائلة الموسعة، بينهم أمل – تجمعوا في مبنى اسمنتي من طابق واحد، بجوار شديد من القاعدة المعدة على عجل لقوة جفعاتي. اعتقدوا انهم آمنون هناك. في 5 كانون الثاني صباحا لسبب اتضح أم لم يتضح للجيش الاسرائيلي، قصف البيت ثلاث مرات. ليس معروفا اذا كانت صواريخ من الجو هي التي ضربته ام قذائف اطلقتها دبابات في المحيط. 21 شخصا قتلوا. بعض الجرحى الذين اعتبروا موتى بينهم أمل، بقوا بين الجثث على مدى بضعة أيام. تذكير: الجيش الاسرائيلي لم يسمح للطواقم الطبية بالوصول الى المنطقة فورا.
في الحديث ما قبل الاخير قال زينات: "انا احسد من هدم فقط بيتها، وزوجها وابنها على قيد الحياة. واذا مات زوجي وابني، فعلى الاقل البيت ما كان ليهدم". دوما صيغها تصف بشكل جديد ما كان معروفا.
في الحديث الاخير عادت وتساءلت اذا كانت الشظايا المتحركة هي مؤشر على أنه يمكن الان اخراجها في عملية جراحية. مهما قال الاطباء، فان الالتهاب يثبت بأن الجسد لا يحتملها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق