الأحد، 4 أبريل 2010

"مهرجان الصورة"والوجه الصهيوني لفرنسا


محمود عبد الرحيم:
لم اكن اتوقع ان تتصاعد ازمة الفيلم "الاسرائيلي" المشارك في "مهرجان الصورة" الذي ينظمه المركز الثقافي الفرنسي الى هذه الدرجة ،ويصل الامر الى ممارسة ضغوط صهيونية على الخارجية الفرنسية ،تجعلها تصر على تحدى اجماع الجماعة الثقافية المصرية ،على رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومقاطعته على كافة الاصعدة ،عقابا له على جرائمه وعنصريته الممتدة بحق الشعوب العربية التى يمثل وعيها، ويعبر عن ضمائرها هؤلاء المثقفين والفنانيين.
فقد  تلقيت رسالة قبل حوالى اسبوع من المخرج المصري احمد عاطف يكشف فيها عن هذا الاختراق الصهيوني الذي يجرى بايدي فرنسية، ويبين فيها حيثيات انسحابه من هذا المهرجان ،ومن هيئة تحكيمه، وقمت على الفور بالرد عليه، وتثمين موقفه الوطني والقومي والانساني، وتوقعت ان الازمة انتهت بسحب الفيلم ،جراء موقف عاطف المشرف، الا ان الامر صار على عكس هذه الوتيرة،باعادة الفيلم الى المهرجان استجابة ،وربما ممالأة   من جانب الحكومة الفرنسية للكيان العنصري الذي راح- عبر صحفه ،ومؤسساته الصهيونية داخل وخارج تل ابيب- يتحدث بغير حق عن معاداة السامية، تلك الفزاعة التى يشهرها دوما في وجه الرافضين  للظلم والعدوان ولجرائم  الابادة التى  يرتكبها هؤلاء المعادين حقا ،وليس قولا للانسانية جميعها، وذلك على ارضية اخلاقية ،قبل ان تكون وطنية وعروبية.
وان كان يجب ان نحتفى باحمد عاطف على موقفه الشجاع المبادر من مشاركة فيلم"شبه طبيعي" للمخرجة الاسرائيلية كارين بن رافائيل التى خدمت بالجيش "الاسرائيلي"،ومن محاولة  التوريط الفرنسي الخبيثة للمصريين في تطبيع ثقافي مرفوض ومستهجن،فأننا يجب ان نفخر بأن موقفه لم يعد فرديا ،ولحق به سريعا آخرون من السينمائيين المصريين، وعلى رأسهم نقيبهم مسعد فودة ،الى جانب مؤسسات سينمائية عديدة كالمركز القومي للسينما والمعهد العالي للسينما قررت المقاطعة ووحدت موقف الرفض ، ما يمثل صفعة قوية لكل من اسرائيل وفرنسا،وهزيمة في معركة افتعلوها وتصوروا انهم قادرين على كسبها ،متناسين ان ارادة الشعوب  اقوى، واكثر اصرارا من اصرارهم الاستعلائي، وان ضغوطهم ان كانت تحدث اثرها مع الحكام ،لأسباب نعرفهم جميعا ،فان الوضعية هنا مختلفة تماما، حيث الذاكرة  الشعبية لا تنسى ولا تقبل بعدو ملوثة اياديه بدمائنا ،ولو بعد  الف عام.
ربما كانت المفاجأة في هذه الازمة هو موقف الخارجية المصرية الذي جاء جيدا، و لم يناقض موقف السينمائيين، والقى باللائمة على الجانب الفرنسي الذي تحرك عن جهل او قصد  ضد قناعات  غالبية الشعب المصري ،و في الاخيريريد ان يملي- كمستعمر قديم- ارادته ، ويستنكر موقف السينمائيين المصريين الجدير بالاحترام ،بالتناقض مع شعارات الحرية والاخاء والمساواة التى يرفعونها، ومنطق العدالة والقيم الاخلاقية الانسانية.
ان قيمة هذه الازمة التى تتواكب مع الذكرى الحادية والثلاثين لاتفاقية الاستسلام مع الكيان الصهيوني التى تورط فيها نظام السادات،ومع انهيار خيار التسوية ،وتسارع الاجراءات العدوانية الصهيونية  في الاراضي الفلسطينية المحتلة ، تتجلى في انها اثبتت ان ثمة جدارا صلبا من الممانعة الشعبية ،والرفض للتطبيع لايزال قائما،وان الرهان خاسر بكل المقاييس على انكسار هذا البنيان القوى مع مرور الوقت، ومع استقطاب بعض الانتهازين أو الواهمين بامكانية التعايش المشترك وقبول هذا الكيان العنصري بيننا.
ان هذه المناسبة يجب  ان نستغلها لتأكيد التفاف الشعب المصري وطليعته المثقفة حول القضية الفلسطينية ،ودعمها بالشكل الواجب، ورفض الوجود الصهيوني على الارض العربية المحتلة،والمطالبة مجددا باسقاط اتفاقات العار  مع هذا الكيان، وان كان علينا ان نسجل اعتزازنا وفخرنا بكل من  قال لا في وجه الصهيونية وانصارها، فاننا يجب ان نصعد معركتنا الثقافية معهم ونفضح عنصريتهم ونهجهم الاستعماري المقيت، و لا ننسى في هذا السياق  رجالهم في داخل مصرمن المطبعين الذين يستوجب فضحهم من جديد، ووضع قائمة سوداء باسمائهم ،ينضم اليها من خرج عن الاجماع ،وواصل المشاركة في هذا المهرجان بحجج واهية ،طمعا فى الرضاء الفرنسي مثل المخرجة نيفين شلبي وعزة شعبان.
كما انه من الواجب  اعلان مقاطعة المركز الثقافي الفرنسي ، وتصعيد الاحتجاج والتظاهر امام السفارة الفرنسية بشكل سلمي حضاري الى ان يتم الغاء هذه الفعالية ،ويقدموا اعتذارا رسميا  للشعب المصري كله ،ليس من قبل المركز فقط ،وانما من قبل الخارجية الفرنسية،لان عليهم ان يتعلموا الدرس جيدا ،ويحترموا ثوابت وقناعات هذا الشعب ولا يتجرؤوا عليه، ويتحالفوا ثانية مع الشيطان الصهيوني لاختراقنا ثقافيا، كما ان عدم تمرير هذا  الموقف رسالة  تحذيرية لكل المؤسسات  الثقافية الاجنبية في مصر عليهم استيعابها ،ليحدث التواصل المتكافئ ،حتى لا يكون البديل القطيعة،فأن كنا نرحب بالانفتاح على كل رياح العالم الثقافية ،فاننا لن نسمح بأن تقتلعنا من جذورنا ،او تمس قناعاتنا الوطنية والعروبية المؤسسة على قاعدة اخلاقية.
*كاتب صحفي مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق