الأحد، 4 أبريل 2010

انفصال الجنوب .. اريتريا أنموذجا


 احمد صالح الفقيه
 خلال الشهرين الماضيين أخذت أعداد الضحايا تتزايد بوتائر سريعة في الصراع الدائر في الجنوب بين السلطة والحراك الجنوبي. ويسود لدى السلطة اعتقاد أن بوسعها القضاء على الحراك نظر لفوارق القوة، والتعداد السكاني، والعلاقات الدولية، والإمكانيات المادية. وكل ذلك وهم كبير.
 كان الوجود الأثيوبي في اريتريا وجودا شرعيا تم بموافقة الأمم المتحدة وإشرافها ضمن اتحاد فيدرالي حولته إثيوبيا إلى احتلال مسلح يتحدى كل حقائق التاريخ والواقع، بل يتعارض حتى مع الحد الأدنى الذي رسمه التحالف الاستعماري ضد هذا الشعب.
فحين هزمت ايطاليا في الحرب العالمية الثانية فرض الحلفاء على اريتريا ان تشكل دولة اتحادية مع الحبشة، غير أن حكومة الإمبراطور هيلاسلاسي لم تلبث أن تنكرت للاتفاق، فأصدر الإمبراطور هيلاسلاسي قرارًا في 14 من نوفمبر 1962م ألغى بموجبه الاتحاد الفيدرالي، وأعلن ضم إريتريا إلى إثيوبيا نهائيا، وجعلها الولاية الرابعة عشرة لإثيوبيا.
وفرض حكما استعماريا مباشر، وأطلق يد العسكر في إدارة الأمور حتى تحولت اريتريا إلى مستعمرة يعيش شعبها على هامش الحياة، ناهيك عن الأساليب الوحشية التي اتبعها المستعمرون للتعبير عن التعصب وروح الانتقام التي تثأر لتاريخ طويل من المجابهات في القرن الأفريقي.
وقد كانت إثيوبيا قوة ضخمة بالموازين الأفريقية، والإمبراطور هيلاسلاسي في قمة أمجاده، والعالم ينظر إليه كحكيم أفريقيا، وعميد العالم الثالث، والدول العربية ليست في وضع يسمح لها باستفزاز "سبط يهوذا" وسليل ملكة سبأ وسليمان الحكيم.
وكانت اريتريا المنفذ البحري الوحيد لإثيوبيا فلم تكن والحالة هذه مستعدة للتفريط بسيطرتها عليها. وإثيوبيا بلد شاسع المساحة عشرة إضعاف مساحة اريتريا وكان عدد سكان إثيوبيا يبلغون خمسة عشر ضعفا تقريبا على سكان اريتريا. ومع هذه الفوارق لم يكن احد يتصور أن هناك فرصة ولو بعيدة لنيل الاريتريين الانفصال عن إثيوبيا.
ولكن قادة الثورة كانوا من ذلك النوع "المثالي" الحالم، الذي يسلط بصره على الثوابت، ولا يسمح للعوامل الطارئة أن تؤثر على تفكيره، والثوابت الراسخة لديه أن شعب اريتريا له خصائصه المميزة، وأن هذه الخصائص تجعل من المستحيل عليه قبول الهيمنة الحبشية، وكل ما يحتاجه هو القيادة التي تذكر، وتنظم، وتقرب المنال.
 وحينذاك سيصبح كل فرد مقاتلاً، وسيصبح سلاح الجيش المحتل هو سلاح المناضلين، ولن تستطيع أثيوبيا أن تفرض نفسها عليه لفترة طويلة.
 أثناء الاحتلال الإثيوبي لإريتريا في أواخر عام 1958، اضطر عدد كبير من العمال الإريتريين إلى الهجرة إلى الدول المجاورة، وبادر عدد منهم إلى تأليف تنظيم ثوري حمل اسم حركة التحرير الإريترية واتخذ قاعدة له في بورسودان، وشيئًا فشيئًا توسعت الخلايا السرية لهذا التنظيم إلى الكثير من المدن الإريترية.
 ثم شهد عام 1960 أول تأليف للجبهة بين العمال والطلبة الإريتريين في المشرق العربي، وانتقل نشاطها في العام التالي إلى المرتفعات الإريترية إثر انتفاضة 1 سبتمبر 1961 مع بضعة مقاتلين يحملون بنادق إيطالية عتيقة، وقد تبنت الجبهة تلك الانتفاضة لتحولها في مدى سنوات قليلة إلى ثورة مسلحة منظمة انسجاماً مع أهداف التحرير التي حددها دستور الجبهة. في مقدمتها الاستقلال الوطني الكامل عن طريق الكفاح المسلح المدعم بجهود سياسية ودبلوماسية في الخارج..
  وقد تطور الكفاح المسلح بإمكانات ذاتية بسيطة وبدعم من بعض الأقطار العربية، وفي مقدمتها سوريا، إلى مقاومة حملات قمع وإبادة إثيوبية شرسة شملت مئات الألوف من الضحايا الإريتريين.
  واتسمت بعض تلك الحملات بإتباع سياسة الأرض المحروقة للقضاء على المحاصيل الزراعية والمواشي، وإبادة المواطنين بالجملة من دون تمييز، كما حدث في حملات 1967 و1970 و1974 و1975 على التوالي فشردت أعداداً كبيرة من الإريتريين في الصحارى والغابات، وعبرت أعداد أخرى الحدود إلى السودان، الأمر الذي أدى إلى نشوء مشكلة اللاجئين الإريتريين هناك، في حين سيطرت حركة المقاومة الإريترية على معظم الريف الإريتري، وتمكنت من تحرير بعض المدن، وكانت سيطرة جبهة التحرير تتسع أو تتقلص بحسب ظروف المواجهة وتطوراتها.
  وفي هذا السياق، عقدت حركة المقاومة الوطنية الإريترية أكثر من مؤتمر لها في الأراضي المحررة، ولم تنج من التعدد والانقسامات التي فرضها تباين منعكس المعاناة الداخلية، ورواسب المجتمع والتداخلات الخارجية أحياناً.
  وإثر سقوط نظام منجستو هايلي ماريام في إثيوبيا بتاريخ 25 مايو 1991  نالت اريتريا استقلالها  بعد فترة انتقالية لعامين وذلك في يوم 24مايو 1993م
 لقد اتخذ الشعب الاريتري قراره وأصر عليه ودفع الثمن وحقق ما يريد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق