الخميس، 22 أكتوبر 2009

في تركيا 25 قسما للعربية تعاني اليتم


رئيس الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون

محمد العادل: في تركيا 25 قسما للعربية تعاني اليتم

مروة شاكر



يسعى الأتراك اليوم نحو مصالحة تاريخية مع العالم العربي، الذي أداروا له ظهورهم منذ عشرات السنين، ليعودوا مرة أخرى بعد غياب طويل، ولكن المقاربة هذه المرة تأتي من الجانب الثقافي والفني، في محاولة للتقريب بين الثقافتين التركية والعربية، ربما يأتي ذلك أسوة بالتقارب السياسي والاقتصادي هذه المرة.
وفي هذا الحوار يتحدث الدكتور محمد العادل، الخبير في العلاقات التركية العربية، والرئيس المؤسس للجمعية التركية العربية للثقافة والعلوم والفنون، عن كيفية إقامة جسور التواصل التركي العربي من ناحية، ويقدم أهداف جمعيته، وتصوره لكيفية إقامة علاقات تركية وعربية جديدة مع المحيط العربي الذي كانت حالة الجمود هي الموقف إن لم نقل لغة العداء.

والعادل هنا يرى أن لغة الفن والثقافة أوقع وأصدق وأبقى من السياسة، وفيما يلي نص الحوار:

* لو تعرفنا بالجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون التي تتولون رئاستها، كيف تقيمون مستوى التعاون الثقافي بين تركيا والعالم العربي؟

- الجمعية هي مبادرة مدنية من داخل الساحة التركية لتكون جسرا ثقافيا بين العالمين التركي والعربي ومحاولة لإزالة الجدران الوهمية والحواجز النفسية بين العرب والأتراك العالقة منذ فترة الاستعمار أو الصراعات القومية في الجانبين.

لذلك فالجمعية تعمل من أجل المساهمة في وضع رؤية جديدة للعلاقات التركية العربية تهيئ الأرضية لشراكة إستراتيجية، ونحن ندرك أن التقارب الحقيقي بين الشعوب تصنعه الثقافة بمفهومها الشامل قبل السياسة والاقتصاد، وعلاقات التعاون الثقافي بين العالمين التركي والعربي لا تزال متواضعة جدا والسبب في ذلك أن رجالات العلم والثقافة والفنون تخلوا عن دورهم ورسالتهم وتركوها في يد الحكومات والسياسيين فقط.

بعيدا عن السياسة

* ما هي رؤيتكم وآلياتكم لتنمية العلاقات العربية-التركية بعد فترة طويلة من السكون أو حتى العداء؟

- جمعيتنا هي منظمة علمية وثقافية انطلقت كمبادرة أهلية من داخل تركيا تسعى أن تكون جسرا ثقافيا بين العرب والأتراك، من خلال تحقيق المزيد من التواصل والتعاون فيما بين النخب العربية والتركية ومختلف هيئاتهم العلمية والثقافية والفنية بعيدا عن أية قوالب أيديولوجية.

والجمعية حريصة على التعاون مع الهيئات العربية الرسمية والأهلية، وكذلك مع المؤسسات العربية المعنية للتعريف بالإنتاج الفكري والثقافي والأدبي العربي وترجمته إلى اللغة التركية، وكذلك إقامة المعارض المتخصصة في الساحة التركية، بالإضافة إلى العمل على تنظيم أيام ثقافية وأدبية عربية في تركيا، وندوات علمية وتحقيق التوأمة بين عدد من الجامعات التركية والعربية، وتنمية التعاون بين وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في الجانبين التركي والعربي.

*سميتم الجمعية "الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون" هل تتعمدون بذلك البعد عن الناحية السياسية في الجمعية؟

- نعم، نحن نتجنب التعاطي مع السياسية بشكل مباشر أو أن نكون طرفا فيها، فجمعيتنا ليس لها أي قالب أيديولوجي ولا نسوق لأية أيديولوجية عربية أو تركية أو غيرها، ولضمان ذلك فإن مجموعة المؤسسين للجمعية ومعظم أعضائها من مدارس فكرية مختلفة: قوميون، ويساريون، وليبراليون، وإسلاميون، وفنانون وشعراء، وشخصيات أخرى ليس لها أي انتماء أيديولوجي.

* ما مستوى تفاعل المؤسسات الرسمية التركية والعربية مع أنشطتكم ومشروعاتكم لتنمية التعاون الثقافي التركي العربي؟

- ما تلقاه الجمعية التركية العربية هو الترحيب والقبول الكبير، وهو ما يؤكد لنا الحاجة الماسة لمشروع الجمعية وما تطرحه من أفكار ومبادرات لتنمية التعاون الثقافي العربي التركي.

الجمعية لديها تواصل وتعاون مع الوزارات والمؤسسات الرسمية والمدنية في تركيا بالإضافة إلى التعاون مع الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والعديد من وزارات الثقافة العربية، ومجلس السفراء العرب لدى تركيا والعديد من البرلمانيين العرب والأتراك والهيئات الأكاديمية والثقافية والمدنية في العالمين التركي والعربي.

ومع ذلك ساحتنا الطبيعية للنشاط وذات الأولوية هي منظمات المجتمع المدني العربية والتركية والهيئات الأكاديمية والثقافية.

جسر تواصل

* هل بإمكان الشأن الثقافي أن يردم الهوة بين تركيا والعالم العربي والإسلامي، خاصة أن البعض يتحفظ على علاقاتها مع إسرائيل وموقفها من قضية المياه مع دول الجوار العربية سوريا والعراق؟

- التقارب مدخل للتفاهم وحل لجميع القضايا العالقة مهما كانت شائكة، فما كان ينقص العرب والأتراك هو الحوار، وبرغم أن العلاقات التركية العربية تشهد اليوم تقدما نوعيا، فإن هذا التطور بقي في خانة السياسي والاقتصادي فقط، ولم يتجه بعد نحو مجالات العلوم والثقافة والإعلام والمجتمع المدني، ولا شك أن الاهتمام بهذه المجالات سيحقق التقارب الفعلي بين الشعوب العربية والتركية.

أما بشأن علاقات تركيا مع إسرائيل فأعتقد أن الغياب العربي سياسيا وثقافيا عن الساحة التركية ساعد إسرائيل على التفرد بالساحة التركية؛ حيث صنعت لها أصدقاء في الإعلام والمجتمع المدني والأحزاب، لذلك فإن خطوات التقارب الجارية بين العرب والأتراك ستحقق شيئا من التوازن.

* كثيرا ما يردد البعض معارضة أوساط تركية للتوجه التركي الجديد نحو البلدان العربية والإسلامية، فما صحة ذلك؟ وهل هذا التوجه الجديد لأنقرة ردة فعل على الرفض الأوروبي لعضوية تركيا؟

- التوجه الجديد لتركيا للمصالحة مع محيطها العربي والإسلامي يزعج بعض الأطراف الداخلية والخارجية، ويحاول أن يصوره البعض على أنه محاولة من أنقرة للبحث عن بدائل للاتحاد الأوروبي بعد مماطلة العواصم الأوروبية بشأن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وقد يكون هذا الرفض الأوروبي المقنع واحدا من الأسباب التي دفعت أنقرة لمراجعة العديد من خياراتها، لكنه بكل تأكيد ليس السبب الوحيد، وتقديري الشخصي أن قناعة الدولة التركية بأن أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية مرتبطة أكثر بمحيطها العربي والإسلامي هي التي تدفعها اليوم لإقامة شراكة إستراتيجية مع البلدان العربية والإسلامية والإفريقية أيضا.

* ما هي الخطوات العملية الفعلية التي تقومون بها لعمل تواصل ثقافي عربي بين العرب وتركيا؟

- جمعيتنا جسر ثقافي بين العرب والأتراك، وقد وضعت منذ تأسيسها رؤية واضحة لعملها تهدف لتعريف الطرف التركي بالثقافة العربية بمفهومها الشامل، وكذلك تعريف الطرف العربي بالثقافة التركية، والجمعية التركية العربية تدرك جسامة هذه المسئولية وتتعامل بوعي كامل مع هذا العمل؛ لقناعتها بأنه مشروع حضاري يهدف إلى لم شمل العرب والأتراك على أرضية واحدة بعد قطيعة فرضت على الطرفين ليست على المستويين السياسي والاقتصادي فقط، بل شملت كذلك الثقافة والفنون والعلوم وكل قطاعات المجتمع المدني والإعلام.

اللغة العربية

* تقومون بمشروعات تعاون لترجمة كتب من العربية إلى التركية والعكس، ونشرها في البلدان العربية، حدثنا عن هذا المشروع ومن أي نوع تختارون الكتب التي ستنشرونها؟ وهل سيصنع هذا الأمر تواصلا حقيقيا بين العرب والأتراك؟

- القطيعة التي فرضت بين العرب والأتراك هي ثقافية بالدرجة الأولى، وبالتالي فإعادة بناء جسور التواصل بين الثقافتين العربية والتركية يستوجب انطلاقة واعية لتنشيط حركة الترجمة على مستويات عدة وفي مختلف المجالات؛ حيث إن معظم ما ترجم من اللغة العربية إلى التركية حتى الآن هي كتب ذات طابع ديني بالدرجة الأولى.

وما تحتاجه الساحة التركية هو العمل على ترجمة إبداعات المفكرين العرب وأدبائهم وعلمائهم إلى اللغة التركية، والعكس صحيح.

* هل هناك تجاوب لمثل هذه الرؤية؟

- أول من بادر بالتواصل معنا هو اتحاد الناشرين العرب، ونحن في الجمعية التركية العربية نحييهم على مبادرتهم واستعدادهم للتعاون معنا في مشروع تنشيط حركة الترجمة بين اللغتين العربية والتركية.

كما تصلنا عروض كثيرة من الكتاب الأتراك والعرب لترجمة إنتاجاتهم الفكرية والثقافية والأدبية وغيرها، لكن ما نحتاجه في هذه المرحلة هو المبادرة من قبل الهيئات والمؤسسات والشخصيات المعنية بالفكر والثقافة والترجمة لتبني مشروع الترجمة أو أقسام منه وفق اهتمامات كل طرف.

* ماذا عن مشروع نشر اللغة العربية في تركيا؟

- أعلنا عن مشروع طموح يهدف لتعليم اللغة العربية بتركيا، والمشروع يسعى إلى تسجيل حضور إيجابي وفاعل للغة والثقافة العربية في الساحة التركية؛ نظرا للإقبال الكبير من قبل مختلف الأوساط الرسمية والشعبية على تعلم اللغة العربية.

ودورنا هنا يتمثل في توفير المناهج والأساليب المتطورة لتدريس اللغة لغير الناطقين بها، وإقامة الدورات الخاصة للمدرسين الأتراك لاسيما العاملين في أقسام اللغة العربية في الجامعات التركية ومعاهد الأئمة والخطباء والمدارس الثانوية، ودعم الدورات الشعبية للغة العربية التي تشرف عليها الجمعية التركية العربية ومختلف الأوقاف والهيئات في أنحاء تركيا.

ونود الإشارة إلى أنه يوجد ما يزيد عن 25 قسما للغة العربية في الجامعات التركية، قمنا بزيارة بعضها للاطلاع على أوضاع هذه الأقسام فوجدناها للأسف تعيش حالة من اليتم بسبب إهمال العرب للغتهم وعدم السعي لدعم هذه الأقسام التي تتولى تخريج أساتذة اللغة العربية في تركيا، وقد اشتكى معظم الأساتذة العاملين في أقسام اللغة العربية في الجامعات التركية من عدم اهتمام البلدان العربية بدعم اللغة العربية في تركيا، وعبروا عن أسفهم لعدم تواصل الجامعات العربية معهم.

* وكيف ستتصرفون في ضوء ذلك؟

- نتحرك بطرق عدة، ننظم دورات خاصة ومكثفة لمدرسي اللغة العربية من الأتراك في البلدان العربية (المراحل الثانوية والجامعية) وننظم دورات في اللغة العربية للأئمة والخطباء الأتراك في البلدان العربية، وكذلك نرسل مدرسين من العرب المتخصصين لتدريس اللغة العربية في المؤسسات التعليمية التركية للمراحل الثانوية والجامعية.

كما نسعى لتوفير المنح الدراسية للطلاب الأتراك لدراسة اللغة والآداب العربية، وإتاحة الفرصة لهم للدراسات العليا في الجامعات العربية، وتنظيم مخيمات صيفية لتعليم اللغة العربية للشباب الأتراك داخل تركيا وخارجها، وتبني دورات اللغة العربية في تركيا، واعتماد شهادات لها من قبل الجامعات والمعاهد العربية المتخصصة. ونطمح في تأسيس أكاديمية للغة والثقافة العربية في العاصمة التركية أنقرة.


صحفية مصرية مهتمة بالشأن الثقافي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق