الخميس، 22 أكتوبر 2009

عن بصمات إيران في المنطقة!

عبدالله خليفة الشايجي

منذ يونيو الماضي وفي أعقاب التداعيات المستمرة لنتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وما تلاها من تظاهرات ومواجهات بين الإصلاحيين والمحافظين، ووجه إيران مستمر في النزف مع بدء الولاية الثانية للرئيس نجاد. وبذلك تواجه إيران أكبر تحدٍّ للنظام الحاكم منذ قيام الثورة قبل ثلاثة عقود، فما يجري اليوم غير مسبوق سواء في حجم الغضب و\"الانقلاب\" (انقلاب في اللغة الفارسية تعني الثورة) على النظام الديني منذ قيام الثورة. وبذلك تستمر إيران في فقدان التميز الذي لطالما فاخرت به كثورة، ونظام، وديمقراطية، بالمقارنة مع نظيراتها العربية. كما تستمر في رفع المزاد أمام الأنظمة العربية في تصديها لـ \"الإمبريالية والصهيونية\" (وهي التي تتفاوض وتقايض معهم)، وفي دعمها للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية والقدس، والمقاومة والممانعة في لبنان وفلسطين وغيرهما، في ما يعتبره البعض إحراجاً للأنظمة الرسمية وخاصة في المحور الآخر.

وشيئاً فشيئاً طغى الشأن الإيراني بكل مكوناته وتعرجاته على ما عداه من تطورات وأحداث وتغطيات إعلامية في منطقتنا. ولا ينافسه في ذلك سوى ما ظهر مؤخراً من الإثارة واللغط المصاحب لتقرير القاضي الجنوب أفريقي جولدستون، وتصويت مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على التقرير بشأن حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، الذي اعتبر هزيمة سياسية كبيرة لإسرائيل.

أما فيما عدا ذلك فإن الشأن الإيراني بات هو الطبق اليومي الذي يقدم على موائد منطقتنا، حاراً وملتهباً أحياناً، ومنفراً وبارداً أحياناً أخرى. وكان الشأن الإيراني قد استقطب أصلا اهتماماً عالمياً كبيراً منذ وصول نجاد للسلطة عام 2005 بسبب صولاته وجولاته ومواجهاته وتصريحاته، وحلفائه الممسكين بعصب النظام الإيراني بتوجهات أيديولوجية مصبوغة بمواقف وتصريحات مستفزة حول الملف النووي والتخصيب و\"الاستكبار العالمي\"، وسياساته وخطبه في الأمم المتحدة ضد النظام العالمي وإسرائيل والمحرقة، واستمرار احتلالها لجزر الإمارات الثلاث.... الخ.

وهناك أيضاً كثرة الملفات المعقدة التي تمسك إيران بأطرافها بحنكة ودهاء ضمن المشروع الإيراني الطموح في المنطقة، بكل تفرعاته وتشعباته. ومن العلاقة المعقدة مع \"القاعدة\" و\"طالبان\" وحلفائها السياسيين والعسكريين في العراق من قيادات رسمية إلى مقتدى الصدر و\"جيش المهدي\" و\"المجلس الإسلامي الأعلى\" و\"حزب الدعوة\" وغيرهم. ومن البرنامج النووي وتخصيب اليورانيوم الذي يبدو اليوم موقفاً أكثر منه هدفاً مع التراجع الإيراني التكتيكي، إلى التصريحات الإيرانية الرسمية المعادية لإسرائيل، ورفع لافتات دعم محور الممانعة في المنطقة. وهناك طبعاً انتشار البصمات الإيرانية إقليمياً من أفغانستان إلى المغرب مروراً بمنطقة الخليج ومناورات \"الرسول الأعظم\"، إلى الدور الإيراني القوي في اليمن في دعم الحوثيين هناك فيما يشبه التطويق لدول مجلس التعاون من الشمال والجنوب والشرق. وصولا إلى حلفاء إيران الإقليميين مثل \"حزب الله\" في لبنان و\"حماس\" في غزة على حدود \"الكيان الصهيوني\" ومصر على البحر المتوسط. وعدم قيولها بمبدأ التحكيم الدولي أو الدخول في مفاوضات جادة لإنهاء إحتلالها لجزر الإمارات العربية المتحدة . ويُضاف إلى هذا كله ما كشفه جاسوس إيراني سابق من الأهواز العربية، الأسبوع الماضي عن وجود خلايا إيرانية \"غير نائمة\" بل \"واعية\" في دول مجلس التعاون الخليجي يُقدر عددها بأربعين ألف عميل منهم ثلاثة آلاف في الكويت وحدها. وهو ما نفاه السفير الإيراني في الكويت \"علي جنتي\" الذي عبّر عن استيائه من ترديد تلك الإشاعات المغرضة.

ثم هناك التفاوض مع واشنطن والقوى الكبرى في جنيف وفيينا وغيرهما مع الخمسة الكبار وألمانيا (5+1)، ولقاءات ثنائية بين مفاوضين أميركيين وإيرانيين، والتي من المنتظر أن تتواتر اجتماعاتها حتى نهاية العام حول الملف النووي والحلول الوسط ودور روسيا كمقر لتخصيب، ومراقبة تخصيب اليورانيوم الإيراني، باعتبار ذلك مخرجاً يحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف. ومرة أخرى تُفشل موسكو المساعي الأميركية برفض عقوبات جديدة على طهران مفضلة الاستمرار في التفاوض. ولكن واشنطن تعمل على خطين، فهي تتفاوض وتُحضّر وتسن وحلفاءها سكاكين العقوبات بفرض حظر على مشتقات البنزين \"لشل إيران\" في حال فشلت جولات المفاوضات القادمة، التي تخدم إلى الآن الاستراتيجية الإيرانية المراهنة على التفاوض وشق صف القوى الكبرى لمصلحتها، حيث تنحني طهران بذلك أمام العاصفة وتشتري الوقت، في حين تستمر في التخصيب لرفع سقف المطالبات وللحصول على المزيد من التنازلات في لعبة عض أصابع طويلة ومضنية.

وهناك أيضاً المناوشات الثنائية بين إيران وجيرانها حيث تذكرنا طهران بدورها وانتشارها وتمددها في المنطقة الخليجية. فبعد مناورات \"الرسول الأعظم\" وتجارب صواريخ \"شهاب\" بأنواعها ظهرت تصريحات تذكر بخلايا إيرانية في دولنا الخليجية، وسارع بعض الشيعة في الكويت للتقليل من الخطر الإيراني ورفض التهويل.

ولعل آخر التحديات الإيرانية هو ما حدث في الأسبوع الماضي باعتقال إيران لزورقين يقلان 5 صيادين من الكويت وقطر ومصر، دخلوا المياه الإقليمية الإيرانية بالخطأ، وتعرضوا للاعتقال لعدة أيام قبل الإفراج عنهم. ليذكر ذلك الكويتيين خاصة بأن مصير الكويتي حسين الفضالة المعتقل في إيران في الظروف نفسها لا يزال معلقاً بعد أكثر من عام وأشهر من اعتقاله.

لا شك أن إيران دولة مهمة ومؤثرة ولديها طموح وأهداف وتسعى لتطويع المناخ الإقليمي والدولي لمصلحتها، وربما يكون هذا من حقها. ولكن أن تكون تلك الأهداف وذلك المشروع الطموح والجامح على حسابنا وعلى حساب أمننا وقضايانا ومصادر رزقنا ونسيجنا الاجتماعي فهذا ما يجب أن نأخذ منه موقفاً جماعياً لأننا جميعاً في قارب واحد. فيما إيران، من جهتها، لا تزال تمر بمرحلة مفصلية ومهمة في الشأن الداخلي حتى لو كانت بصماتها محسوسة في كثير من ملفاتنا ودولنا وقضايانا، ولذا فإن علينا أن نكون حذرين ومتماسكين ومتحفزين لصوغ مشروعنا الذي يحمي مصالحنا في وجه تمدد مشاريع الآخرين من إيران وإسرائيل وغيرهما، وحتى لا نجد أنفسنا مرة أخرى شهوداً عاجزين ومتخوفين من سياسات وقرارات جيراننا من محليين أو غرباء باتوا مقيمين بين ظهرانينا لحمايتنا وطمأنتنا من الجيران الأقوياء الطامعين والمهددين، وحتى المحتلين. فهل يحفزنا ذلك كله لعمل شيء ما يجمعنا ويوحدنا ويردع الآخرين؟ أم أن هذا سراب تمنيات وأحلام؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق