الخميس، 22 أكتوبر 2009

أوباما.. من الانسحاب التدريجي إلى الرجوع التدريجي إلى العراق.


الاستراتيجية الأمريكية القادمة في العراق..

رأي مركز الأمة للدراسات والتطوير

22/10/2009

بعد حديث أوباما عن استراتيجيته الجديدة في العراق القائمة على الانسحاب التدريجي من هناك، ها هو اليوم يحاول التراجع عن استراتيجيته التي وعد وبشر بها أثناء حملته الانتخابية، وخصوصًا بعد أن اصطدمت استراتيجته في أفغانستان بصخرة طالبان القوية وهو ما دفع القادة العسكريين ومستشاري الرئيس أوباما إلى إعادة النظر في مسألة إرسال قوات إضافية إلى هناك، وهو ما دفع أوباما إلى أن يعلن أنه لن يتخذ قرارًا إزاء إرسال مزيد من القوات لأفغانستان حتى (تتضح له تمامًا ماهية الاستراتيجية المتبعة).

هذا التغير المفاجئ في الخطط والاستراتيجية سيؤثر بالتأكيد بشكل سلبي على علاقة الإدارة الأمريكية بدول حلف شمال الأطلسي فقد أعرب بعض قادته عن انتقاداتهم للإدارة الأمريكية في التأخر عن الإعلان عن الاستراتيجية الجديدة في أفغانستان.

وهذا التردد والاضطراب في تحديد أي الاستراتيجيات أفضل للتعامل مع الوضع القائم يشير إلى حجم مأزق الإدارة الأمريكية الحالية وهي تعيش تحت وطأة التركة الثقيلة التي ورثتها عن إدارة بوش السابقة ويبدو أنها لا تزال تراوح في منطقة وسط بين الخروج من دائرة بوش أو الاستمرار في تحمل تبعاتها المكلفة.

لكن التلازم الوثيق بين كل من الجبهتين العراقية والأفغانية يمنح الإدارة الأمريكية هامشًا من المناورة بين الجبهتين، وهنا يقفز التساؤل الأهم بالنسبة للقضية العراقية، وهو ما مدى تأثير هذا الهروب من الجبهة الأفغانية باتجاه العراق الأهدأ والأسهل نسبيًا في نظر القادة والجنرالات العسكريين؟ وما أبعاد هذا التحول الاستراتيجي على الصعيدين العسكري والسياسي في العراق؟

استراتيجية الهروب هذه من أفغانستان نحو العراق تواجهها عقبة كبيرة في نظر الخبراء الأمريكيين وهي عقبة "الاتفاقية الأمنية" الموقعة مع الحكومة الحالية في العراق والتي تقضي بسحب القوات الأمريكية من العراق مع حلول عام 2011، ولذلك سيعمد المسؤولون الأمريكيون إلى التفكير في إعادة قراءة الأولويات في الجبهتين. وقد بدت ملامح هذا التراجع في الاستراتيجية الأمريكية من خلال تصريحات بعض أعضاء الكونغرس والقادة العسكريين، فقد أعلن النائب (هاوارد مكيون) كبير أعضاء الجمهوريين في لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب قائلاً: " إنه يخشى أن الجدول الزمني الذي وضعه أوباما لإنسحاب لا يتيح لقائد القوات الأمريكية في العراق "مجالا يذكر للمناورة".

وقال خلال الجلسة: "ينبغي لعملية وضع الجدول الزمني لسحب القوات الأمريكية من العراق أن تستند الى الظروف على الأرض، هل لدينا خطط طوارئ في حالة ما إذا تطلب الموقف الأمني تعديل الموعد النهائي المحدد باغسطس 2010... هل ما زال لذلك نفس المعنى اليوم..". أما مساعدة وزير الدفاع للشؤون السياسية (ميشيل فلورنوي): "إن خطط تقليص القوات الأمريكية "ليست جامدة" وانما تسمح "بإعادة التقييم وتغيير خططنا وفقا للتطورات على الأرض إذا دعت الضرورة... إذا اقتضت الضرورة سنعيد دراسة الاوضاع."

ولو حاولنا قراءة المشهد السياسي العراقي اليوم وفق هذه المعطيات لوجدنا أن السباق المحموم للأحزاب والكتل السياسية للانتخابات القادمة تحمل من المؤشرات والدلائل ما يفيد بفوضى سياسية قادمة أكثر سوءً من الفترة السابقة، وهذا يمكن استنتاجه من طبيعة التحالفات والائتلافات التي تشكلت بعد التصدعات الكبيرة التي شهدتها الكتل الكبيرة السابقة، هذا سيولد برلماناً منقسماً على نفسه وبالتالي حكومة ضعيفة، وهو مطلب أمريكي حتمي في المرحلة القادمة.

الإدارة الأمريكية المسؤول الأول عن العملية السياسية الجارية اليوم في العراق لا تريد دعم طرف على حساب طرف آخر وإنما تريد وضعًا ضعيفًا غير مستقر بما يخدم المصالح الأمريكية والاستراتيجة الجديدة المعدلة، وبالتالي يدفع الساسة العراقيين إلى الشعور بضرورة تمديد فترة بقاء القوات الأجنبية خلافًا لما نصت عليه الاتفاقية الموقعة بين البلدين تحت ذريعة إن وجودهم صمام أمان لمنع تهديد طرف ضد طرف، وهذا لا يتحقق إلا مع وجود حكومة ضعيفة وعدم الاستقرار السياسي وعدم وجود أغلبية برلمانية من أي جهة كانت.

مما تقدم يظهر أن المطلب الأمريكي اليوم ينص على أن يكون الوضع العراقي ضعيفًا إلى درجة الاتكاء المذل على الوجود الامريكي، وهذا يحقق مرامي تغيير السياسة الأمريكية تجاه العراق استنادًا الى حجم التحديات التي تواجهها الإدارة الأمريكية في الساحة الأفغانية.

إن مهندس الحرب الأمريكية في المنطقة يحاول ترقيع الخلل في المنطقة الأفغانية من خلال التنصل عن الانسحاب من الساحة العراقية، وبالتالي فإن المشهد العراقي يتلخص اليوم بضعف واضح في الأدوات السياسية التي تستخدمها أمريكا وخلل واضح في خطط وبرامج هذا الاحتلال، والمطلوب اليوم أن يكون هناك تحرك من أجل الضرب في عمق الضعف الأمريكي على الساحتين الأفغانية والعراقية، وهذا الدور يقع على القوى الرافضة للاحتلال باستجماع أمرها وتحديد أهدافها وأولوياتها المستمدة من ثوابتها التي صارت نبراس هداية لكل الشعوب الحرة في العالم.

22/10/2009

مركز الأمة للدراسات والتطوير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق