الخميس، 22 أكتوبر 2009

العاصفة الشعبية هزمت القيادة الفلسطينية..

بقلم: د. فوزي الأسمر

يشير التاريخ الفلسطيني أن الشعب كان في معظم الأحيان هو السباق في إتخاذ المواقف، ومن ثم تأتي القيادة خلفه محاولة الحصول على رصيد تستغله لصالحها. وأبرز مثال على ذلك هو إضراب (إستمر ستة أشهر) وثورة عام 1936 والتي إستمرت حتى عام 1939 حيث شلت الحياة في فلسطين كلها.

وهذا ما حدث هذه المرة أيضا في تعامل قيادة السلطة الفلسطينية مع تقرير رتشارد غولدستون حول المجازر التي إرتكبتها إسرائيل في حربها ضدّ غزة، والأسباب التي أدت إلى هذه الحرب.

فقد قررت القيادة الفلسطينية أن تمنع التصويت على هذا التقرير في "مجلس حقوق الإنسان" في جنيف، مما أدى إلى قيام هبة شعبية فلسطينية عارمة، وإدانة للقيادة كلها وعلى رأسها محمود عباس، مما دفع هذه القيادة للإعتراف أنها وقعت في خطأ وطلبت إعادة فتح الملف. وبالفعل تم قبول التقرير بأغلبية 25 صوتا مقابل 6 أصوات وإمتناع 11 دولة عن التصويت. ولهذا يحق لنا أن نقرر بأن هذا الإنتصار هو إنتصار للشعب الفلسطيني، لا للقيادة الفلسطينية التي خذلته.

ونتتيجة التصويت، مهما كان تفسيرها، هي بمثابة صفعة قوية لإسرائيل ولرئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيتها، أفغدور ليبرمان، ووزير دفاعها، أيهود باراك، والذين قضوا أياما قبل التصويت، في إجراء إتصالات مع المسؤولين في الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان محاولين إقناعهم بالتصويت ضدّ تقرير غولدستون (هآرتس 16/10/2009).

ولم يشفع لنتنياهو إصراره على تكرار مواقف إسرائيل، أن تمرير هذا التقرير يعني "تأييد للإرهاب"، وأن الجيش الإسرائيلي: "هو جيش أخلاقي. إن هذا التقرير يتهمنا بجرائم حرب ويتهم نضالنا العادل بأنه جرائم حرب .... ولن تستطيع إسرائيل أن تتقدم نحو السلام إذا لم يكن في إستطاعتها الدفاع عن نفسها" قال نتنياهو (هآرتس 16/10/2009).

هذا الكلام الذي سمعه كل من قادة فرنسا وبريطانيا، لم يقنعهم وكانت النتيجة أن الدولتين أمتنعتا عن التصويت. فقد كانت إسرائيل تريد أن تقف كل الدول الأوروبية خصوصا فرنسا وبريطانيا إلى جانبها، عندها تستطيع أن تعيد ما تردده دائما في مثل هذه الحالات، خصوصا في الأمم المتحدة، أن "الدول المتحضرة تقف إلى جانبنا".

أما بالنسبة لتصويت الولايات المتحدة على هذا التقرير فإنه يحمل الكثير من خلط الأوراق. ومهما قيل من تبريرات فإنها لن ترتفع إلى مستوى الآمال التي توقعها العالم ومحبي السلام في العالم من إدارة أوباما.

فمنذ بدء حملة باراك أوباما الإنتخابية وعبر خطبه أثناء هذه الحملة وبعد إنتخابه كان ينادي بالسلام ومحاربة العنف، خصوصا الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة، وقد أدى هذا الموقف إلى أن يحصل على جائزة نوبل للسلام لهذا العام. فكيف يمكن أن يفسر موقفه هذا؟

فتقرير غولدستون يتحدث عن حصار غزة الذي شمل منع دخول البضائع والسلع الضرورية إلى القطاع. وإغلاق المعابر، وقطع أمدادات الوقود والكهرباء وتردي الأوضاع الإقتصادية والصحية في القطاع. كما يتحدث عن الهجومات الإسرائيلية على مبان مأهولة بالسكان ومبنى المجلس التشريعي، والسجن الرئيسي والمستشفيات والمدارس ومراكز الشرطة الفلسطينية، وعلى مدرسة "الأونروا" التابعة للأمم المتحدة.

ويتحدث أيضا عن إستعمال الأسلحة المحرمة دوليا بما فيها الفسفور الأبيض والقذائف المسمارية. كما أشار إلى إستعمال اليورانيوم المنضب وغير المنضب. وقد أدت كل هذه العمليات إلى إستشهاد 1387 شخصا معظمهم من المدنيين ومن بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء والشيوخ، وجرح الآف من المدنيين.

وأدان التقرير أيضا قصف حركة "حماس" المدن الإسرائيلية بالصواريخ معتبرا ذلك خرقا للقانون الدولي كون أنها لم تكن موجهة ضد مواقع عسكرية، بل مدنية.

كل هذه الحقائق لم تقنع أوباما بأن على "مجلس حقوق الإنسان" أن يتبنى هذا التقرير ويرفعه للمناقشة في مجلس الأمن؟ وهل ما جاء في التقرير كان حافزا لمندوب أمريكا في اللجنة، غلاس غريفيت، أن يقول في كلمته أن بلاده أصيبت بخيبة أمل إزاء نتائج التصويت على التقرير، انها: "كانت تعتقد أن المجلس يمكن أن يكون محفلا رئيسيا لحقوق الإنسان". وأعرب عن أسفه لأن المجلس لم يعط الفرصة للأعضاء لدراسة التقرير بعمق. وهذا عذر أقبح من ذنب، ولكنها حجة أمريكية قديمة تستعملها في مثل هذه الحالات لتبرر مواقفها السلبية.

فالواقع أن بعض الدول الغربية والولايات المتحدة في مقدمتها، متخوفة من أن تمرير هذا التقرير في المحافل الدولية، سيكون بمثابة سابقة خطيرة بالنسبة لها حيث يمكن إستغلاله لتطبيق تقارير أخرى تتعلق بجرائم الحرب التي أرتكبتها القوات العسكرية الغربية وبالأخص الأمريكية منها، خصوصا في عدوانها على العراق وفي الحرب الدائرة في أفغانستان.

فهذا التقرير سيقدم الآن إلى مجلس الأمن الدولي، وفي نفس الوقت ستحال نتائجه إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في حالة لم تقم كل من إسرائيل وحماس بإجراء تحقيقات ذات مصداقية، خلال ستة أشهر.

وتمشيا مع الموقف الأمريكي في جنيف، فإن الإدارة الأمريكية ستستعمل حق النقض (الفيتو) في حالة التصويت على تقرير غولدستون في مجلس الأمن الدولي، وهذا في الواقع ما تعول عليه إسرائيل. والموقف الأمريكي هذا، إذا تحقق سيكون بمثابة صفعة أخرى يوجهها أوباما للسلام بشكل عام وللسلام الشرق أوسطي بشكل خاص.

وكما طُلب من إسرائيل و"حماس" القيام بإجراء تحقيق لما حدث في غزة، فإن من الأفضل أن تقوم إدارة أوباما بالتحقيق بالجرائم التي إرتكبها الجيش الأمريكي في العراق وفي أفغانستان، إذا كان أوباما يؤيد السلام العالمي وينبذ العنف.

* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق