الثلاثاء، 30 مارس 2010

العرب بين "الايراني فوبيا" و"الصهيوماسوخية"


محمود عبد الرحيم:
ربما تكون دعوة الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الى تدشين رابطة للجوار العربي،والمسارعة بفتح حوار مع طهران،والبحث عن بدائل"حال فشل عملية السلام"،أهم ما جاء في قمة سرت التى مرت كغيرها من القمم، ك"ضجيج بلا طحن"،ولم تتعامل مع التهديدات التى تمس جوهر الامن القومي العربي بالجدية المطلوبة،ولا بروح الاستنفار الواجبة حال اقتراب الخطر الداهم.
وربما تكون المبادرة الى هذه الرابطة الاقليمية اهم بكثير،واكثر فائدة للمصالح العربية من تلك التى ًطرحت في بيروت باتجاه الكيان الصهيوني،ويمكن اعتبارها بعد اكثر من ثماني سنوات من الخبرة المريرة  والخسائر الكبرى ،خطأ تاريخيا،كونها اضرت بالقضية الفلسطينية،وما تبقى من الارض المسلوبة ومن وحدة الموقف، واعطت هذا الكيان العدواني الفرصة لاتساع نفوذه في المنطقة، خاصة على المستوى التجاري،كون "السلام" صار استراتيجية العرب الوحيدة.
لكن من المؤسف،ان تتحفظ اطراف عربية رئيسية كمصر والسعودية- تحديدا - على ما طرحه موسى،وبدلا من ان يتلقفوا هذه المبادرة المهمة التى ارى انها جاءت متأخرة سنوات،يتحدثون عن ان الفكرة تحتاج الى مزيد من الدراسة والتوضيح،وان الوقت لم يحن للحوار مع ايران، فى الوقت الذي يتمسكون فيه بمبادرة السلام العربية، ويلهثون وراء تل ابيب ـ ويقبلون اقدام واشنطن ،لتحرك الموقف ،ويرهنون استئناف المفاوضات فقط بتجميد الاستيطان، ورغم الاجراءات المتسارعة من جانب الكيان الصهيوني على الارض للاستيلاء على القدس وتوسيع الاستيطان وتغيير جغرافية وديمغرافية الاراضي المحتلة،ومواصلة حصار غزة بعد شن حرب عدوانية عليها،لازال العرب لم يتوصلوا الى قناعة بأن عملية السلام قد ماتت بالفعل، وانها كانت اكذوبة كبيرة اضاعوا فيها سنوات،واضاعوا معها ارضا وقضية بفعل وقائع على الارض باتت تحظى بشرعية الامر الواقع،وقبول دولي ان ،لم يكن قانونا ،فعرفا، وان لم يكن علنا،فبين السطور وفي الوثائق السرية.
ان الموقف المتخاذل تجاه اسرائيل والمتشدد ضد ايران،يشير الى ان العرب وبخاصة اقطاب نظامه يعانون من "فوبيا ايران"و"الماسوخية"ازاء "اسرائيل"، اى انهم صاروا يخافون من الجار الايراني لمجرد ذكر اسمه، ولا يطيقون صبرا ان يختبروا نواياه ،ويفتحوا حوارا معه حول القضايا محل الخلاف،والمصالح المشتركة التى تبدو ذات رقعة عريضة امنيا وسياسيا واقتصاديا،وعلى الجانب الاخر نجدهم يرون فى اسرائيل كائنا عدوانيا ومتلاعبا بعملية التسوية ويرتكب جرائم ضد الانسانية
وينتهك الشرعية الدولية والقانون الدولي،ومع ذلك يستعذبون اهاناته وعدوانه،ويمهلونه مرة تلو الاخرى.

وبعيدا عن المقاربة السيكلوجية التى بها ظل من الواقع،ثمة حقيقتان لا يجب ان نغفل عنهما في هذا السياق ..ألولهما هو المتغير الامريكي الذي صار يتحكم في صنع القرار العربي ،فوجود تحفظ من جانب واشنطن على التقارب العربي الايراني،بل ومطالبتها وضغوطها  لجهة الاشتراك في حملتها الرامية لعزل ايران، وتشديد الحصار عليها دوليا ،بغية اجبارها على  التخلى عن حقها في امتلاك برنامج نووي،هو الذي يفسر جانبا من الموقف العربي المتشدد تجاه طهران، والتحفظ على اجراء حوار معها ،تمهيدا للانخراط معها في رابطة اقليمية .
ويمكن الاستدلال على هذا الطرح من خلال عدم الممانعة العربية او التحفظ  الامريكي على الدور التركي ،رغم كون انقرة قوة اقليمية،ولديها اجندة مصالح في المنطقة العربية،واتساع لمجال حركتها على الساحة العربية ، الذي لم يكن سيتم بهذه السهولة، لو لم يكن النظام العربي شائخا وعاجزا، واقطابه ،وبخاصة مصر فقدت فعاليتها ودينامكيتها ودورها، وتمدد الاخرون على حسابها بعد انكماشها.. وربما الترحيب الامريكي وعدم الممانعة العربية مرجعه الى ان تركيا تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع واشنطن وتعترف ب"اسرائيل"، وان اتخدت مواقف حاسمة ضدها مؤخرا وشهدت علاقتهما توترا ملحوظا ،خاصة منذ الحرب "الاسرائيلية" على غزة، عكس ايران ذات العداء التاريخي لامريكا المتواصل منذ اندلاع الثورة الايرانية، والتى تمثل خطرا على المصالح الاستراتجية في العراق وافغانستان والخليج،الى جانب موقفها الرافض للكيان الصهيوني، ودعمها لحركات المقاومة المسلحة ضده،ما مثل حجر عثرة في وجه المشاريع الصهيونية والامريكية المشتركة في المنطقة.
والحقيقة الاخرى،وهو التقديرات السياسية الخاطئة من جانب الساسة العرب الذين يرون في قوة ايران خطرا عليهم، وتهديدا، ربما يفوق التهديد الاسرائيلي، وان في اضعافها مكسبا استراتيجيا، في حين ان هذا هو التصور الامريكي الصهيوني الذي يتم تسويقه للحكام وللرأي العام العربي قبل العالمي، لسبب واضح للغاية، وهو تحقيق الالتزام الامريكي المعلن، والذي يتأكد في غير مناسبة بأمن اسرائيل.
في حين ان واقع الامر،ان العدو الحقيقي ليس للعرب فقط ولكن للعالم كله يتمثل في هذا الكيان العنصري الذي يمثل تهديدا حقيقيا للامن والسلم العالميين، وليس للمنطقة العربية فحسب..وسجل جرائمه لا يحتاج لكثير جهد للتعرف عليه،ولعل  ما فعله  مؤخرا من تزوير جوازات اوروبية  لاستخدامها في جريمة اغتيال القيادي بحماس محمود المبحوح لدليل بسيط على انتهاكه كل الاعراف والاساءة والاضرار ليس فقط بحق العرب.
لقد احسن موسى حين طرح هذه المبادرة التى طالبنا بها كثيرا، ويطالب بها كل المهمومين بمستقبل هذه الامة الراغبين في خروجها من مأزقها التاريخي ، حقا لقد آن الاوان للمسارعة بحوار مع ايران وتدشين هذه الرابطة ، لانه ليس ممكنا تهميش الدور الايراني ولا التركي، فضلا عن ضرورة الاعتراف بأن النظام العربي لم يعد قادرا بمفرده على مواجهة التحديات التى تواجهه،ويحتاج الى رافعة  من دول الجوار الاقليمي الذين يقفون معنا على ذات الارضية الثقافية والمصلحية، ولاشك ان مثل هذه الخطوة لو تمت لغيرت واقع العرب، ومكنتهم  من النهوض من كبوتهم، واعادة رسم خارطة مصالحه، وانهاء الارتهان المهين للسياسة الامريكية ،وانتهاج نهجا استقلاليا يقود الى القدرة على مواجهة الكيان الصهيوني، ووقف نفوذه وتمدده السرطاني.
لقد انخرطنا في كيانات عديدة ودخلنا في تحالفات وشراكات متنوعة مع الامريكان والاوروبيين،وانفتحنا على الكيان الصهيوني عدونا التاريخي،فلنعطى الفرصة لاختبار الحوار مع الجانب الايراني ،والاشتراك معه ومع الاتراك في هذا التحالف الجديد الذي يبدو متوزانا،ومبشرا بعهد جديد ،وبمكسب وافر لقواه الثلاث.
*كاتب صحفي مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق