الأحد، 21 فبراير 2010

البرادعي..حراك سياسي أم اغتيال قادم


كتب: أحمد إسماعيل علي
 حراك جديد في الحياة السياسية المصرية أم سحابة صيف، وتأتي تقاليد الماضي بوجه مغاير بنفس المضمون؟..الديموقراطية..هل صارت عنوانًا فضفاضًا أم مضمونًا ينجز في رهن الواقع؟..
  لاشك أن قدوم محمد البرادعي إلى مصر بعد انتهاء فترة ولايته في منصب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أصاب مياه الحياة السياسية المصرية الغير راكدة بحجر أضخم مما اعتدنا عليه خلال نشؤ الحركات الاجتماعية والاحتجاجية وبروز شخصيات سياسية مناؤة للنظام المصري، مما يدلل على أن الحراك السياسي ربما يكون واقع قادم قريب.. وإن كان في حقيقته يصارع تلاطم الأمواج القديمة الجديدة، لكن صار هدفه الواضح المركز الآن هو الاستقرار على شاطئ التداول السياسي السلمي للسلطة.
 التنافس مستمر ممن طرحت أسمائهم لمنصب الرئيس المصري القادم سواء قبلو ذلك أم تدغدغت أمانيهم، لأن وسائل الإعلام وصفحات الجرائد تقوم بذلك وتحلل وتتنبأ وتجد في ذلك متعة لها وللقاريء، وتظل تقارنه أمام المنافس القادم عن الحزب الديموقراطي مجهول الشخصية الذي نتكهن أن يكون الرئيس مبارك أو نجله جمال، وربما يطرح إسم أخيه علاء مبارك الأكثر قبولا لدى الكثيرين من الشعب المصري ربما لبعده عن السياسة كما يعلن كثيرًا أثناء مداخلاته عبر البرامج الرياضية وتفاعله مع جماهير الكرة، التي يظن البعض أنها من الممكن أن تحسم موقعه سياسية، لكن بعيدا عن السياسة يتسم الرجل بخلق دامث.
 أما باقي الأحزاب التي استعدت لتحريك الفرصة خلال تعديلات دستورية تتناحر فيها مع الحزب الوطني، لفتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة دون كمائن سياسية أو دستورية أو حتى جنائية إن لزم مثل ما حدث لأيمن نور "الغد" ومع نعمان جمعة "الوفد" في الانتخابات الماضية، إذ ربما لازالت تدرس مرشحين لديها أو تستقطب مرشحين أقوياء، ليس شرطًا أن يكونوا من رحمها، التي تشكو الآن من عقم أصابها في انجاب شخصية فذة تدخل في غمار منافسة تاريخية، ربما محسومة لأوضاع الدستور إذا لم يتغير، مع هرقل الحزب الوطني الذي لا يقهره أحد!، لأنه ابن من أبناء الأساطير، أو لصالحها إن تعدلت الأمور بالنسبة لها.
  أريد القول أن تلك الأحزاب التي وصفت ولا زالت توصف إلى حد مختلف عن الماضي بالهشة وعدم امتلاكها قاعدة سياسية جماهيرية، تريد القفز عاليًا نحو السلطة عبر مرشح محلي صنع في مصر.. تاريخي كاريزمي كالسيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية، أو دولي مرموق كالدكتور محمد البرادعي، بل هناك من فكر في الدكتور أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل على الرغم من أنه صار رجل ينطلق لمهمات أميركية بحتة، بعد تنصيب الرئيس الأميركي باراك أوباما له كمبعوث له إلى الشرق الأوسط لشؤون العلم والتكنولوجيا، إلا أن سمته الفطري الجاذب، وجيناته الوراثية الفذة، مستفيدًا من تحليلات د.زويل شخصيًا، تجعل مواطنين يقفون منبهرين أمام حلاوة بيانه وطلاوة لسانه وسلامة منطقه، وعلمه وخفة ظله..ممزوج سحري لا يتوفر في انسان عادي، لكن كل هؤلاء يصطدمون بالدستور المصري، وخاصة المادة 76 منه.
 المعارضة السياسية ترى أنه يمكن تلبية الرغبة المصرية "الشرعية المصرية" بأن تضغط جماهير وقوى المعارضة على النظام حتى يرزح تحت وطأة مفاهيم جديدة تتسم بالمرونة لا الجمود.. العالمية لا الوطنية الشوفينية..المصلحة العليا للوطن بدلا من الاستئثار بالسلطة بداعي ودون داعي.
  لهجة التغيير السياسي صوتها أعلى الآن مع قدوم البرادعي وطرح اسماء كموسى وزويل، ولا ادري ربما آخرين قد يظهرون على الساحة في الوقت القريب، وذلك لهدف مرحلي هو العبور نحو تعديل الدستور قدر الإمكان، ثم الانتقال نحو الشخصية المختارة، التي في تصوري المتواضع يجب ان تتوفر في تلك الشخصية عناصر هامة ومؤثرة في حياة الإنسان والمواطن والمثقف في مصر.. فلا ينبغي ان يكون حاكم مصر شخص عادي او ضعيف الشخصية او غير مقبول على الرغم من انه قد يكون انسان طيب وعطوف وكريم، لكن ليست هذه فقط عناصر من يحكم مصر.
  كيف يمكن أن يتعامل النظام  المصري إذن مع تلك الحالة، هناك سيناريوهات ربما يجتهد الخاطر في طرحها ليس لعبقرية  او قدرة على التحليل السياسي العابر للمكان والزمان، وإنما لشواهد تاريخية أقربها حادث بنظير بوتو التي جاءت إلى باكستان منذ عامين أو ثلاثة لتنافس بقوة وكانت قاب قوسين او ادنى من اقصاء برويز مشرف الذي كان يحكم باكستان وقتها، لكن في مصر مع اختلاف الظروف وحجم الشخصية التي عادت محملة بطموح كرسي الرئاسة، ومثيرة لزوبعة ربما شعبية ضد نظام الحقبة المباركية الذي اتسم بالقوة على مدار سنوات حكمه، ولولا وهن رأسه وهو الرئيس مبارك وبلوغه من الكبر عتيًا ما يناهز الثمانين لما فكر احد بنفس الشكل والقوة للنيل من الكرسي الذي يلمع في عيون الكثيرين من الطموحين سياسيًا، منتظرين لفرصة، ربما يعتقدون أنها جاهزة لكن تحتاج لبعض الجهد.
النظام المصري لا يعتبر تلك لعبة كلعبة الكراسي "اللي يلحق يقعد"، وإنما هو مزيج بين متمني لشخصيات أحبها، وبين مصالح يضعها في أولى اولوياته، وهو السؤال المطروح ..ماذا بعد الخروج من السلطة؟، وهو التساؤل الكابوس الذي قد تكون الإجابة عليه يجعل الكثيرين من الخصوم السياسيين يذهبون للنيل ممن كانوا يحكمون في الماضي بأي داعي قضايا فساد.. حقوق إنسان وغيرها..لذا يتمسك النظام وأركانه بأن يلعبوا بحرفة ربما يظنه بعض مفكري واستراتيجي النظام أنجع، عبر الاتصال الخارجي وحسم الموقعه من الخارج وليس من خلال الشارع السياسي المصري فقط، لكن هل يصمت رجل الوكالة الدولية للطاقة الذرية القوي الذي أتى الى مصر وتعول المعارضة المصرية عليه بأن يقف أمام طواحين النظام المصري، لا كما يقف "دوانكشوت" الذي كان يسارع طواحين الهواء وفقط، بل ويريدونه ان يتغلب عليها في النهاية، معلنًا بداية النهاية لوضع سياسي ثقيل عليهم.  
قدوم البرادعي الجمعة الماضي وسط استقبال وصف بالجماهيري والشعبي، ليس وحده الكفيل بأن يحقق ما يرنو اليه الكثيرين من ابناء الشعب المصري بالتغيير السياسي السلمي الديمقراطي، لكن عوامل تتعلق بالتوفيق السياسي قد تكون ادعى.. بل وقد يدرك هؤلاء أن قدوم ذلك الرجل قد يدفع إلى المزيد من الضغط السياسي للمعارضة المصرية على صانع النظام المصري، وذلك لتعديل بعض مواد الدستور التي تعطل المنافسة القوية مع حزب اتسم بقوة السيطرة وحسم المواقع التنافسية لصالحه، وذلك بقوة السلطة وقوة المال وكل شيئ معه يستخدمه..
  لكن الخوف كما لفت في السطور الماضية الى الحالة الباكستانية أن تلجأ جهة ما لإفساد تلك الحالة السياسية الطبيعية حتى الآن، وأن تقصي الدماء رجل بحجم وقوة وتأثير البرادعي..كل الخشية من مؤامرة تحاك يراد طمس معالمها، ويكون المسؤول عنها شبح، ليس بالضرورة أن يكون من النظام الحاكم، وإن كان سيكون هو المستفيد النظري من اقصاء هذا الرجل او غيره، لكن ذلك عمليًا لا يفيد وبدوره يحدث حالة من البلبلة السياسية في مصر نخشى ان تكون كالحالة اللبنانية، على غرار وضع لبنان بعد رئيس الوزراء الراحل رفيق الحرير، بأن تدخل مصر في آتون لجنة تحقيق ومحكمة دولية، واستفزازات خارجية، وعقوبات، وابتزازات يرضخ لها الضعفاء من صانعو القرار السياسي لدينا لتلافي ذلك او بعض ذلك.. الحالة تلك تشاؤمية، لكن لا شيئ مستبعد مع استبعاده، هذا الذي يجب ان نفكر فيه.
  الحل سهل متعلق بحافة مرونة النظام السياسي وإعطاء فرصة تاريخية للنظام المصري لتفويت أي مخطط تخريبي للحياة السياسية المصرية في ظل حالة اصلاح لمعطل للحياة السياسية إذ لم يصل بعد إلى  حالة الخراب، ارجو الا نجلبه بأيدينا بمعاول هدم ذاتية، نتيجة نية مبيتة ثابتة للاستئثار بالسلطة، او تصفية حسابات، واستقواء بالخارج..ربما سحرة الفتن في دول معادية أو تدعي انها صديقة لنا تسلط علينا أفاعيها لتلدغ فينا الاستقرار وتحطم الآمال وتقتل الوحدة وتنشر أهدافها.
   لا أظن ان لكلامي صدى..وأبدو كثير التشاؤوم ولست أوفر أي تشاؤوم بل أبدو يائسًا محبطًا من تفكير ربما يترسخ عند الحزب الوطني في نواياه الدفينة بأن ينظر لعلاقته مع تلك القوى الناشئة والجارفة المحملة ببرامج مغايره لبرامجه على انها في حرب معه.لكن العقلاء يشجعون الاستقرار..المتسامحون يغفرون أخطاء الماضي للنظام، والتاريخيون العظماء يعطون الضوء الأخضر للحياة السياسية الديمقراطية..وصيانة الاستقرار والأمن القومي فالتصنع له هيئة مستقلة عن أي تمخض سياسي جديد ربما يكون غير محسوب واعتقد ان العقلاء في مصر كُثر وان مدراء  الحكم في بلادنا يستطيعون التفكير والتدبير والتقدم..ولننتظر منظر آخر.
باحث وكاتب في الشؤون العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق