الأحد، 21 فبراير 2010

عن وهم اسمه محمد البرادعي


د.ثائر دوري
 تجارة الوهم أكثر انواع التجارة  ربحاً و أقلها رأسمالاً و تكلفة ، فكل ما تحتاجه شخصاً يملك قلباً قوياً ، و ضميراً معدوماً .
و الوهم بضاعة يمكن بيعها في كل الأماكن و في كل المهن و لكل الأشخاص . يمكن أن يتاجر بها السياسيون ، و الأطباء ، و المهندسون ، و بائعو الجملة و المفرق ، و المقبلون على الزواج ، و الخارجون منه ، و الأصحاء ، و المرضى ، و الصغار و الكبار ، و الذكور ، و الإناث . و الوهم قد يبيعه الشخص لنفسه فيما يسمى بخداع النفس " أعلل النفس بالآمال .."و قد يشتريه الشخص من غيره . و قد يكون بيع الوهم مقنوناً كحال بطاقات اليانصيب ، و قد يكون ممنوعاً كبيع المخدرات . و هناك أشخاص ، بل  دول ، بل أنظمة اجتماعية متخصصة ببيع الأوهام كحال النظام العالمي الرأسمالي القائم القائم على وهم إمكانية الصعود الاجتماعي من طبقة لأخرى . كما أن زعيمة النظام الولايات المتحدة تعتبر تجارة الوهم جزءاً من قوتها الناعمة ، فمن الوهم المسمى  " الحلم الأمريكي" الذي باعته هوليوود لعشرات السنين و جنت منه مليارات الدولارات ، و دمرت به الاتحاد السوفيتي و منظومته قبل أن تكتشف الشعوب بعد الأزمة الاقتصادية العالمية أنها كانت تشتري مخدراً لا وجود له على أرض الواقع ، إلى الوهم  المسمى " رامبو " الذي اكتشف العالم أجمع في العراق أن عضلاته منفوخة بالسليكون و لا قيمة لها أمام الإرادة الإنسانية المصممة على نيل حريتها . لكن آلة صناعة الأوهام الأمريكية رغم كل النكبات التي أصيبت بها منذ عام 2003 و حتى اليوم لا تتوقف عن العمل فهي تصنع وهماً وراء الآخر .
 تجارة الوهم ككل تجارة تحتاج إلى بائع و مشتري ، فالمشتري طرف أساسي في دائرة بيع الوهم و لولا اقباله على هذه السلعة لانهارت تجارة الوهم  . و الإقبال على تجارة الوهم يزداد في الأوضاع الميؤوس منها ، فالتعلق بالأوهام يشتد مع اشتداد الأزمة و كلما كانت الأزمة أكثر استفحالاً و لا حل لها انتشرت الحلول السحرية و بشكل أسرع . فمنسوب الأوهام يرتفع مع اشتداد الأزمات و استعصائها.  و من المؤسف أن ترى أناس أذكياء ناجحون مهنياً يتحولون أمام سطوة الأوهام إلى أطفال صغار ، فتراهم ينتظرون بابا نويل الذي سيخرج من المدخنة حاملاً هدية العيد . أو يقتنعون و يقنعون الآخرين أن السماء ستمطر ذهباً ،و أن العنقاء طائر حقيقي . فها هو شخص ذكي و روائي حساس استطاع في اعماله أن يشخص أمراض المجتمع المصري ، و كذلك صحفية ناجحة نراهم يتعلقون بوهم رجل اسمه محمد البرادعي ، و يقدمونه للناس على أنه الرجل القادم من بين الغمام ليشفي الأبرص و يجعل المشلول يمشي و الأعمى يبصر ، و ليحيي العظام و هي رميم !
محمد البرادعي رجل ترأس منظمة دولية هامة ، و كلمة دولية لا يعني أنها تابعة لكل دول العالم ، بل هي تخفيف لكلمة أمريكية ، فمنظمة الطاقة الذرية مثلها مثل مجلس الأمن ، مؤسسة دولية تملكها الولايات المتحدة و شركائها ، فالرجل كان يعمل عند الولايات المتحدة و شركائها ، و لم يعرف عنه روح التمرد فقد أدار المؤسسة كما أراد مجلس ادارتها الغربي إذ كان يشهر سلاح التفتيش على المنشآت النووية عندما يطلب الغرب ذلك ، كما فعل في حالات ليبيا و العراق و ايران و كوريا الشمالية و سوريا ، أو كان يصمت صمت القبور و يصبح أعمى أصم أبكم عندما يطلب الغرب منه ذلك كما في حالة الملف النووي الصهيوني .و حتى عندما كان الملف العراقي على صفيح ساخن ، و مجلس الإدارة الغربي منقسم على نفسه فضل الرجل البقاء على مسافة من الشركاء الغربيين ، فلم يقترب من معارضي الحرب مثل الفرنسيين و الألمان ، و لم يبتعد كثيراً عن دعاة الحرب ، الأمريكيين و البريطانيين ، فكان يعطي كل طرف الحجج التي تدعم موقفه ، مبقياً على خطوطه مفتوحة مع طرفي مجلس الإدارة دون أن يغيب عن باله و لو للحظة واحدة أن الولايات المتحدة هي الشريك الأكبر ، و بالتالي فرضاها هو الأهم ، و مقارنة محمد بهانز بليكس السويدي ، أي غير العربي و غير المسلم ، و الذي كان في موقع مشابه لموقعه . هذه المقارنة ليست في صالح السيد البرادعي . و تقديراً لمواقفه كلها و تفانيه في خدمة الشركة التي يديرها فقد كافأه مجلس الإدارة بتعويض نهاية خدمة كبير و هو جائزة نوبل .
 إن السيد البرادعي كان موظفاً مخلصاً لمجلس الإدارة الذي يدير مؤسسته و يدير العالم ، نعني الغرب ، و على رأسه الولايات المتحدة ، و لا أعتقد أن السيد البرادعي يتخيل لنفسه دوراً آخر غير هذا الدور ، دور مدير مؤسسة تابعة للغرب . فقد قضى حياة مهنية ناجحة بالمعايير الغربية ، و بمعايير النجاح المادي و المهني ، دون أن يعني ذلك أنها ناجحة من الزاوية الأخلاقية و من زاوية الإنتماء القومي و الديني و الإنساني . رجل بهذه المواصفات لماذا نتوقع منه أن يدير مصر إذا وصل لحكمها بطريقة مختلفة ؟
هل أزمة مصر هي أزمة حكم شخص أو أسرة،حتى يعني استبدال الشخص أو الأسرة أن الأمور باتت تسير على ما يرام ؟ هل أزمة مصر أنها لا تدار بطريقة تابعة للغرب حتى نأتي بمدير غربي ناجح كالسيد البرادعي !
مصر مريضة بكامب ديفيد ، و بتبعيتها للنظام العالمي . مصر مريضة بالشيء الوحيد الذي يعرف محمد البرادعي فعله . فهل يكون الحل على طريقة "داوها بالتي كانت هي الداء".
أيها الروائي الكبير و أيتها الصحافية الناجحة كفاكما تعلقاً و بيعاً للأوهام ( لاحظ أن تاجر الوهم قد ينزلق ليجربه ). و ابحثوا عن حلول جدية لمشاكل مصر . كفاكم بيعاً لمخدر اسمه محمد البرادعي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق