الأحد، 21 فبراير 2010

الكيان الصهيوني لن يضرب إيران


بقلم: رشيد شاهين

منذ فترة ليست قصيرة يتم الترويج لضربة (إسرائيلية) سيتم توجيهها إلى إيران، للسبب الذي بات معروفاً للجميع والمتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، ومن الملاحظ أن وتيرة الحديث عن مثل هذه الضربة تتصاعد أحياناً وتخفت أحياناً أخرى، وقد لوحظ أن وتيرة الحديث عن مثل هذه الضربة كانت قد تصاعدت بشكل كبير قبل ما يزيد على العامين، وصار الجميع يُدلي بدلوه حول (السيناريوهات) لمثل تلك الضربة وعن الأهداف التي قد تشملها ومدى نجاعتها وإمكانية تحقيق الأهداف ـ المرجوة ـ من قِبل القوة المهاجمة، وكانت معظم تلك (السيناريوهات) تتمحور حول توجيه الضربة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية للمواقع الإيرانية النووية والتي تنتشر على مسافة واسعة من الأراضي الإيرانية.
الآن وبعد ما يزيد على العامين، يتم الحديث بنفس الوتيرة عن إمكانية توجيه ضربة قوية للمنشآت الإيرانية ولكن بيدٍ (إسرائيلية) هذه المرة، ويتم رسم (سيناريوهات) مشابهة لتلك التي تم رسمها قبل عامين. وبنفس الطريقة السابقة، يختلف المحللون والمراقبون في هذا الشأن ويُدلي كل بدلوه في المسألة، ويُقدم الأدلة والبراهين التي من خلالها يحاول تعزيز وإسناد وجهة نظره والدفاع عن موقفه، ولكل حقه في أن يعتقد ما يشاء حيث أن المسألة خاضعة للتحليل كما الاجتهاد.
ما يطفو إلى السطح والعلن في العلاقات الإيرانية الأمريكية هو هذا التدهور بين الدولتين، إلا أن واقع الحال في العراق يشي بأن هنالك إنسجاماً وتفاهماً لا يعكس ما يُقال عن تدهور في العلاقات بين كل من إيران وأمريكا؛ حيث من الواضح أن هنالك تلاقٍ في المصالح بينهما فيما يتعلق بالسيطرة على العراق وإخضاعه، ويمكن ملاحظة الأطماع الإيرانية في العراق والتي لا تختلف كثيراً عن الأطماع الأمريكية، من خلال كل ما تقوم به إيران في الأراضي العراقية، والتي كان آخرها توغل القوات الإيرانية في الأراضي العراقية والسيطرة على حقل "الفكة" النفطي والذي يبعد حوالي 300 كيلومتر جنوب شرقي بغداد بمحافظة "ميسان". هذا التلاقي في المصالح بين الدولتين في أرض الرافدين لا بد ان يتم أخذه بعين الاعتبار في حال التفكير بتوجيـه ضربـة إلى إيران، بغض النظر عمن سـيقوم بتوجيـه الضربـة ـ (إسـرائيل) أو أمريكا ـ حيث من الواضح أن الولايات المتحدة تعلم يقيناً أن بإمكان إيران أن تُحرك جميع القوى والميليشـيات التابعـة لها في العراق من أجل تكبيد القوات الأمريكيـة المزيد من الخسـائر، وهذا ما لا يمكن أن تقبل به أو تتحملـه الولايات المتحدة، خاصـة في ظل تنامي قدرات المقاومـة العراقيـة المحسـوبـة في الأغلب على قوى مناوئـة لإيران بشـكل عام.
التبشير والتهليل عن استعدادات (إسرائيلية) لضرب المواقع النووية الإيرانية، يأتي على أرضية ما يُقال عن شعور (إسرائيل) بالرعب من إمكانية حصول إيران على السلاح النووي، خاصة في ظل المواقف الإيرانية المعلنة، وخاصة تلك التي تصدر عن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وما يُردده عن ضرورة مسح "الدولة الصهيونية" عن خريطة العالم، بالإضافة إلى ما يُقال عن اقتراب إيران من الوصول إلى صناعة القنبلة النووية، وكذلك التهديدات الإيرانية المستمرة بضرب العمق (الإسرائيلي) في حال إقدام أية جهة على ضرب إيران، وقد لوحظ حلال السنوات الأخيرة الاستعراضات العسكرية الإيرانية التي تُشير في مجملها إلى استعدادٍ عالٍ للرد على أي اعتداء.
الحقيقة ان ما تمت الإشارة إليه هو ليس بجديد، حيث أن الموقف الإيراني المعلن من (إسرائيل) ومن "المحرقة" أيضاً ومن استعداداها لتوجيه ضربات للعمق (الإسرائيلي) وإغلاق مضيق هرمز وضرب القواعد الأمريكية في الخليج، كل هذه المواقف ليست بجديدة وقد تم تكرارها على مدار الأعوام الأخيرة بشكل دائم. كما أن (إسرائيل) لم تتوقف عن القول بأن إيران ترغب في الحصول على السلاح النووي منذ سنين طويلة. إذن لماذا تريد (إسرائيل) أن توجه ضربة إلى إيران؟ ولماذا عليها أن توجه مثل هذه الضربة لإيران؟ ولماذا تقوم بالدور الذي يجب على الدول الأخرى القيام به؟ وهل هي على استعداد لتحمل تبعات مثل توجيه هذه الضربة؟ وكيف سيبدو "الوجه الإسرائيلي" في حال إقدام إيران على تنفيذ تهديداتها بضرب العمق (الإسرائيلي)؟ وماذا لو أقدمت القوى المؤيدة لإيران في المنطقة ـ "حماس" برغم استبعادنا لهذا الاحتمال عدا عن عدم فاعلية ما لدى "حماس" من أسلحة ـ و"حزب الله" بشكل خاص ـ بفتح جبهة على الحدود الشمالية لدولة الاحتلال؟ وهل يمكن للجبهة الداخلية (الإسرائيلية) أن تتحمل مثل هذه الضربات التي يمكن أن يتم توجيهها إلى العمق (الإسرائيلي) خاصة في ظل ما كان خلال الحرب على لبنان في العام 2006؟
إن الرد الإيراني على أي ضربة للمنشآت النووية الإيرانية سيكون بالضرورة هو نفسه، بغض النظر عن الطرف الذي سيُقدم على توجيه مثل هذه الضربة، فإيران سوف توجه ـ أو على الأقل هذا هو الموقف المعلن ـ ضربات إلى العمق (الإسرائيلي)، وهي ستقوم بضرب القواعد الأمريكية في دول الخليج، وستقوم بإغلاق مضيق هرمز.
إنـه من المسـتبعد أن تقوم (إسـرائيل) بلعب الدور الذي تعتقد بأنـه ليـس دورها، وهي بكل ما تُحاول الإيحاء بـه إلى العالم إنما تُمارس إبتزازاً جديداً من أجل أن يتم تزويدها بمزيدٍ من الأموال والأسـلحـة الأكثر تطوراً في العالم، وهي تسـتخدم تصريحات أحمدي نجاد المتعلقـة بـ "المحرقـة" وبمحوها عن خريطـة العالم من أجل المزيد من التحشـيد لسـياسـاتها العدوانيـة وسـيطرتها على فلسـطين وإخضاع المزيد من الدول العربيـة في المنطقـة.
(إسرائيل) وغيرها من الدول تعلم يقيناً بأن ضربة جوية لإيران لن تقضي على البرنامج النووي الإيراني، ذلك أن البرنامج الإيراني يختلف تماماً عن مفاعل "تموز" العراقي، وهو بالضرورة ليس الموقع السوري في "دير الزور"، الذي تم الانقضاض عليه بسهولة ويُسر أكبر بكثير مما اعتقدت (إسرائيل) نفسها. حيث تنتشر المواقع الإيرانية على بقعة شاسعة في الأراضي الإيرانية، هذا عدا عن قلة المعلومات الاستخبارية الحقيقية المتوافرة ليس فقط لدى (إسرائيل) لا بل ولدى دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
إن التهديدات (الإسرائيلية) أو الأمريكية بضرب المواقع الإيرانية إنما أفقدت مثل هذه العملية عنصر المفاجئة الحيوي للقيام بمثل هكذا عمليات أو ضربات، هذا العنصر الذي كان دوماً في صالح دولة الكيان الصهيوني سواء فيما يتعلق بمفاعل "تموز" أو "دير الزور" أو حتى حربها الغادرة عام 1967، ومن هنا فإن إقدام (إسرائيل) على مثل هذه المغامرة قد يكون بمثابة عملية إنتحارية غير مضمونة العواقب، وهي قد تُفقدها المزيد من "هيبتها" التي فقدت الكثير منها خلال حربها على لبنان.
ما يُقال عن تدريبات (إسـرائيليـة) مكثفـة من أجل القيام بمثل هذه العمليـة، يأتي ضمن الحرب النفسـيـة التي تتم ممارسـتها بين جميع الدول التي تبدو في حالـة عِداء وهي سـياسـة ليسـت جديدة أو مسـتحدثـة، وما قيام (إسـرائيل) بتلك التدريبات إلا جزءً من سـياسـتها واسـتراتيجيتها العسـكريـة التقليديـة منذ قيامها كدولـة عدوانيـة في المنطقـة، وهي تُمارس سـياسـتها هذه ضمن ـ وأعدوا لهم ما اسـتطعتم ـ على عكـس الدول العربيـة والإسـلاميـة التي هي بالضرورة أولى بإتباع مثل هذه السـياسـة المنصوص عليها قرآنياً!
إن (إسرائيل) وبرغم ما قد يُقال عن رغبتها في إضعاف إيران والقضاء على برنامجها النووي، لا تعيش بمعزلٍ عن دول العالم وعن الحليف الرئيسي لها ـ أمريكا ـ، وهي بالضرورة سوف تأخذ الموقف الأمريكي من الضربة بكثير من الاعتبار؛ حيث أنه من غير الممكن أن تقوم بذلك هكذا وبدون تنسيق كامل مع الولايات المتحدة، لا بل ومع دول عربية في المنطقة تُعتبر حليفة قوية للولايات المتحدة، وهي بدون شك سوف تكون سعيدة بالقضاء على القوة الإيرانية ولكنها ـ أي الدول العربية ـ لديها الكثير من المحاذير التي قد تمنعها من تسهيل العملية (الإسرائيلية) ـ وهذا ليس من قبيل الشعور بالشرف أو التعفف، لا داع للتذكير بمواقف تلك الدول خلال الحرب على العراق وما حدث عام 1991 ـ وإنما من قبيل الخوف وما قد تتعرض له عواصمها ومدنها من ضربات وردود فعل إيرانية.
إنه من غير المستبعد أن يتم التوصل إلى تفاهمات ليست بالضرورة معلنة بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) من جهة، بغض النظر عن وجود نية حقيقة (إسرائيلية) في توجيه ضربة إلى إيران أم لا، وكذلك بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران من جهة ثانية، كما أنه من غير المستبعد التوصل إلى تفاهمات سرية بين إيران و(إسرائيل)، ـ هنالك تجارب تاريخية أصبحت مفضوحة للجميع حول تعاون عسكري إيراني (إسرائيلي) خلال الحرب الإيرانية العراقية ـ وسوف يكون ذلك كله على حساب أمة العُربان وسوف يكون العراق أحد أهم عوامل ـ وضحايا ـ أية صفقات في هذا الإتجاه!
إن دولـة العدوان الصهيوني في فلسـطين تعرف تماماً أصول إدارة الإبتزاز والمناورة، وقد كانت تجربة الصواريخ العراقيـة التي ضربت المدن (الإسـرائيليـة) في العام 1991 خير دليلٍ على أن (إسـرائيل) تسـتطيع أن تُمارس ضبط النفـس والاسـتماع إلى نصائح الآخرين عندما يتطلب الأمر ذلك، لأنها تعلم الثمن الذي سـيتم دفعـه، وهو في الأغلب سـوف يخرج من خزائن الدول العربيـة. وهي بمثل هذه التهديدات إنما تسـعى إلى الحصول على صواريخ عابرة طويلـة المدى كتلك التي تم اسـتخدامها خلال الحرب على العراق ـ (توما هوك) و(كروز) المختلفـة وغيرها ـ.
إنه لمن الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكيـة لا تهتم كثيراً بالتنسـيق مع دول الجوار الإيراني العربيـة، لأنها تنظر إليها على أنها دول ضعيفـة وتابعـة بشـكل أو بآخر للسـياسـة الأمريكيـة الخارجيـة، وقد أثبتت التجارب التاريخيـة، أن هذه الدول لا تملك من قرارها إلا القليل!
(إسـرائيل) لن توجـه ضربـة إلى إيران؛ فهي إنما تريد مزيداً من الإبتزاز والاتفاقيات العسـكريـة والدفاعيـة سـواء مع الولايات المتحدة أو غيرها من دول العالم المتقدم، كما أنها تطمح إلى توطيد علاقاتها بالدول العربيـة في منطقة الخليج، من خلال تمرير سـياسـة الخداع التي تُمارسـها مع هذه الدول، والتي تنص "على أنها مع تلك الدول في خندق واحد". وهي بذلك تفتح أبواباً كانت شـبـه مغلقـة ـ أو مواربـة ـ حتى عهد قريب. وهي لن تُقدم على توجيـه ضربـة إلى إيران ما لم يتم ذلك بالتنسـيق مع الولايات المتحدة وموافقتها، كما أنه لا بد من التنسـيق مع الدول العربيـة أيضاً والتي تشـعر بأنها قد تكون مسـتهدفـة في حال توجيـه أية ضربات إلى إيران، ـ هذا على افتراض أن (إسـرائيل) سـوف توجـه ضربـة ـ وفي جميع الأحوال، فإن الخاسـر الوحيد هي الدول العربيـة، خاصـة إذا ما أثبتت التجربـة ـ وهي سـتثبت ـ أن هذه الدول عاجزة، ولن تكون قادرة على القيام بأي فعل تجاه أي هجوم إيراني، سـواء كان هذا الهجوم صاروخياً أو بأيـة طريقـة أخرى، لأن الولايات المتحدة سـوف تكون معنيـة قبل كل شـيء بتأمين وجودها وقواتها في الخليج، بالإضافـة إلى توفير غطاءٍ جوي متمكن ومحكم فقط لحمايـة دولـة العدوان الصهيوني في فلسـطين ولتذهب المدن العربيـة إلى الجحيم!!!
(إسـرائيل) لن تُقدم على توجيـه ضربـة إلى إيران، لأنـه إذا ما نفّذت إيران تهديداتها، فهذا يعني أن المنشـآت النفطيـة في دول الخليج سـوف تكون محل اسـتهداف، كما أنها إذا ما اسـتطاعت أن تُغلق مضيق هرمز فهذا يعني إيقاف تدفق النفط الخليجي إلى العالم، وهذا ما قد يتسـبب في أزمـة عالميـة لن تكون أقل ـ رعباً ـ عما كان عليـه الأمر عام 1973 عندما تم اسـتخدام سـلاح النفط لأول مرة في الصراع العربي (الإسـرائيلي)، وهذا ما لا يمكن أن توافق عليـه لا (إسـرائيل) ولا أمريكا ولا غيرهما من دول العالم، ناهيك عن دول الخليج التي سـتكون أحد المتضررين الأسـاسـيين من مثل هذا التوقف.
في النهاية، وبرغم كل ما نسمعه من جعجعة إيرانية أو (إسرائيلية)، فان كلا البلدين غير معنيين بإشعال حرب قد يكون لها أول لكن قد لا يكون لها آخر، ومن هنا فان إمكانيات البحث عن سُبل ـ ولو من تحت الطاولة ـ من أجل احتواء كل هذا التصعيد، سوف يكون أحد الخيارات الهامة في هذه المواجهة المعلنة والتي قد تقود إلى اتفاقات سرية غير معلنة كما تمت الإشارة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق