الأحد، 21 فبراير 2010

مركزية القيمة الأخلاقية في العمل السياسي


بقلم:عبد السلام بوعائشة
السياسة في فهم عموم الناس هي شأن خاص بالذين يبحثون عن النفوذ والسلطة والحكم ويستعملون في سبيل غاياتهم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. وهي –أي السياسة- أيضا مرادف للقوة والمال والنفوذ إذا تعلقت بالحاكمين فيخافهم الناس ويوالونهم وكذلك مرادف للسجن والإبعاد والملاحقة إذا تعلقت بالمعارضين فيتبرأ الناس منهم ويهابون مخالطتهم. تلك هي السياسة كما استقرت في وجدان الشعب  بفعل ممارسات حكم البايات وحكم الاستعمار الفرنسي وحكم بورقيبة الفردي وتعمقت صورتها تلك بفعل ممارسات نخب الانتهازية والوصولية والارتزاق من على موائد السياسيين. وهي ذات السياسة التي تدفع يوميا بالناس للاستسلام  والقبول مكرهة بلعب دور الرعية تقاد ولا تقود وتدفع بالنخب الصادقة إلى زوايا التطهر الفكري و السياسي  و في أحسن الحالات إلى القبول بدور إشعال الشموع على تواضع نورها بدل أن تلعن ظلمات التردي والانحطاط .
هذا الفهم السائد للسياسة والمتمكن من أذهان عامة الشعب  على ما يحمله من مبررات مشروعة و أحكام قاسية على السياسة وعلى السياسيين يقف وراء كل هذا الجمود والركود الذي تعيشه الساحة السياسية والحزبية في البلاد ويفسر الأحكام السلبية التي يتداولها الناس في المجالس الخاصة عن الحكم والمعارضات كما يفسر عزوف الشباب عن الانخراط في  نشاط  سياسي سيطرت عليه ثقافة المصلحة الحزبية والشخصية على حساب المصلحة العامة .
هذا الفهم للسياسة يرفض أن يتزحزح من أذهان الناس رغم كل ما ترفعه الأحزاب من برامج وبدائل ورغم كل دعوات المشاركة في حياة الأحزاب وفي إدارة شؤون البلاد ولم يستطع نشاط الأحزاب بصفة عامة ولا الخطاب المعلن للسلطة  ولا الصحف الحزبية  رغم كل الجهود التي يبذلها القائمون عليها أن تبدل رأيا أو تحرك ساكنا في واقع اهتمام الناس بالعمل السياسي بالبلاد بل الأخطر من ذلك نرى أن تيار الانفلات من الشأن العام ومن المشاركة في الحياة السياسية و حياة الأحزاب يزداد حدة ويشهد نقلة نوعية في زمن العولمة  ازدادت معه غربة السياسة وعزلة أصحابها في كهوف مصالحهم واستحقاقاتهم الحزبية المعلقة فوق وعي الشعب و اهتماماته .
لا نريد الخوض في الأسباب التاريخية المرتبطة بالاستعمار التي قادت إلى هذا الوضع المعيق للتقدم بالسياسة والأحزاب كما لا نريد استبعاد المسؤولية الرئيسية التي تتحملها دولة الاستقلال في تثبيت و استمرار  الغربة بين السياسة والناس بما فتحته الدولة من منافذ أمام الخلط المتعمد بين الشأن العام والمصالح الخاصة وظواهر أخرى مما حول السياسة إلى سلم للمنافع الفردية وليس نشاطا لحل القضايا الاجتماعية. نريد فقط أن نشير إلى أن زمن العولمة بات يضيف أسبابا أكثر خطورة على مستقبل السياسة والأحزاب في البلاد بما أدخلته من ثقافة ليبرالية جديدة ومتوحشة لا تكتفي بالتطاول على الصالح العام في مضمونه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بل تتعداه إلى التطاول على تاريخ البلاد وشعبها ومنظومة أخلاقها وقيمها فتستبيح الذاكرة الوطنية وتسخر من رموزها وشهدائها وتستقوي على هويتها وسيادتها بهويات المستعمرين وسيادة مصالحهم دون اعتبار لكرامة أو عزة أو شرف . السياسة في زمن العولمة حولتها بعض الأحزاب والنخب إلى طابور خامس للنظام الرأسمالي العالمي ومشاريعه الغربية المتصارعة فجردوها من كل القيم الحضارية والوطنية  والأخلاقية المتأصلة في شعبنا فضلا عن قيم العدالة السياسية والاقتصادية والثقافية.
في زمن العولمة أصبح الشعب لدى هؤلاء مجرد كتل بشرية استهلاكية تحتاج للتوافق مع "سياسة "السوق الرأسمالي  فضلا عن" اقتصاد "السوق الرأسمالي مجردة من ثوب هويتها وتاريخها وقيمها ورسالة دينها الإسلامي . ولأنهم قد تجردوا سلفا عن كل ما يشدهم إلى تلك القيم والمبادئ فإنهم وجدوا في الاستعمار الجديد مدخلا إنسانيا وحداثيا ليمارسوا كل أنواع التخريب السياسي  واللغوي والتربوي والأخلاقي في حياة شعبنا ويستبيحوا حاضره ومستقبله.

هاته الأحزاب والنخب من طابور الانبتات والوكالة الأجنبية في بلادنا  تمارس ذات الدور الذي قام به العملاء والمرتزقة في بلاد الرافدين عندما رفعوا أسمى شعارات الديمقراطية والوطنية ليمكنوا للاستعمار الأمريكي من العراق ويدمروا البيت العربي على رؤوس أصحابه ثم ينتصبون حكاما بالوكالة يغازلون شعب العراق اليوم باسم الانتخابات والديمقراطية .
عن هؤلاء جميعا و أمثالهم في تونس قال  الشهيد صدام حسين "إذا خانتك قيم المبادئ فحاول أن لا تخونك قيم الرجولة"  وهو قول جوهره أن السياسة قبل أن تكون أحزابا و مبادئ وبرامج وخيارات حكم هي قبلا عن ذلك  موقف رجولي أخلاقي يثبت المناضلين في تربة شعوبهم و أوطانهم ويحفظ للإنسان قداسة  وجوده و وجود رسالته في الحياة قبل أن يحفظ  برامج سياسته في حكم الدول وإدارة الأحزاب وحتى تستقيم السياسة مع أخلاق الرجولة  وتتحرر من دنس الوصوليين والانتهازيين ومهربي الأوطان سنظل نحن في الاتحاد الديمقراطي الوحدوي مع غيرنا من القوى السياسية الوطنية المنتصرة للوطن والشعب والأمة حماة للذاكرة الوطنية ومدافعين عن مستقبل هذا البلد ومستقبل المشروع الوطني المقاوم سندا للشعب ولكل قواه الوطنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق