الأحد، 21 فبراير 2010

إيران و إسرائيل, الدَين و رد الدَين موسى مهدي الفاخر


 بقلم : موسى مهدي الفاخر
بما إن السياسة علم قائم بذاته يحتاج إلى ذكاء و فطنة و المسؤول السياسي لا يحق له أن يتصرف أو يتحدث حسب أهوائه.
 بل يجب عليه الدقة و توخي الحذر قبل أي تصريح يصدر منه. و بعيدا عن التصريحات المعروفة بزلة اللسان التي عادة ما تصدر من هذا المسؤول أو ذاك و تصحح في وقت لاحق. كل ما يحدث من مواقف وتصريحات لمسؤولي الدول هو أمر محسوب و له غاية معينة. أي أن الدول تغازل بعضها و تخدم بعضها بطرق غير مباشرة إذا وجدت نفسها قد تحرج  بالتعامل المباشر.
عندما واجهت إسرائيل انتقادات شديدة في أوربا نتيجة حصارها لقطاع غزة و تجويع مليون ونصف المليون إنسان في هذا القطاع، صرح أحمدي نجاد أنه يريد أن يمسح إسرائيل من خارطة العالم. فأصطف العالم الأوربي إلى جانب إسرائيل و أصبحت هي الضحية ومهددة بالزوال و ما على الأوروبيين إلا الوقوف إلى جانبها مدفوعين بعقدة المحرقة اليهودية التي يعيشها الإنسان الأوربي و يريد التكفير عن ذنبه و لو على حساب الآخرين. و أحمدي نجاد بتصريحه هذا بدل أن يمسح إسرائيل من خارطة العالم انتشلها من مأزقها الأوروبي. و حصل هو بالمقابل على رضا و سكوت المواطن العربي على كل تدخلاته في الوطن العربي لأنه أصبح المدافع الأول عن قضايا العرب في نظر البسطاء من الشعب العربي.
عندما انكشفت أوراق إيران الطائفية في العراق و ساءت سمعتها عند المواطن العربي جاء الدور على إسرائيل لترد الدين لإيران هذه المرة، فقبلت إسرائيل بصفقة تبادل الأسرى و أغلبهم من الفلسطينيين التي عقدها حزب الله المعروف بانتمائة لإيران، متزامنة مع تصريحات مسؤولي هذا الحزب الذين يعبرون عن ولائهم لولاية الفقيه و الغرض هو انقاذ صورة إيران الطائفية و ليس تحرير الفلسطينيين و الدليل التعثر المستمر في المفاوضات التي يقومون بها الفلسطينيون مباشرة مع إسرائيل رغم أن مطالبهم قد تكون أقل بكثير.
عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية قطاع غزة و دمرت كل مظاهر الحياة في هذا القطاع و استخدمت الأسلحة المحرمة و التقليدية معا ضد شعب أعزل و بعد أن صارت تسمع أصوات حرة في هذا البلد الأوروبي أو ذاك. و بعدما صار يتجرأ الكثير من الأوروبيين على خرق التابوهات و التحدث عن المحرقة اليهودية و التشكيك بها, جربت إيران سلسلة صواريخ و صرحت إن مداها يصل إلى إسرائيل و إلى أبعد من إسرائيل و الغريب إنها لم تقل إن هذه الصواريخ تصل مثلا إلى المكان الفلاني، رغم إن مدى هذه الصواريخ هو يصل إلى أبعد من إسرائيل بكثير. النتيجة أصبحت إسرائيل هذه المرة أيضا مهددة بصواريخ إيران و أصبحت هي الضحية و كممت الأفواه الحرة في أوروبا و لا أحد يتصور إن يوما ما قد يسقط صاروخ إيراني واحد على إسرائيل من أجل سواد عيون العرب إن كانوا في غزة أو لبنان أو المناطق العربية الأخرى.
و أخيرا وبعدما فاحت رائحة النظام الحاكم في إيران نتيجة تزويره للانتخابات و تعامله الهمجي مع المتظاهرين و إعدامه الأبرياء و بعد تلك الاغتصابات البشعة التي ارتكبت ضد المعتقلين المعارضين, قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عقد اجتماع تحضره إيران وجها لوجه مع منتقديها من المعارضة و الشعوب غير الفارسية المغلوبة على أمرها.  لهذا جاء الدور على إسرائيل لترد الدين هذه المرة، فانتقد المندوب الإسرائيلي إيران و لكن الغريب في الأمر إنه ذكر في انتقاده هذه المرة إن العرب في إيران و البهائيين و المسيحيين يتعرضون إلى تمييز عنصري. طبعا لم يذكر القوميات الأخرى لأنها لا تعنيه بشيء. ذكر البهائيين لأن هناك صلة بين البهائيين وإسرائيل بسبب وجود قبر رسول الله عند البهائيين ميرزا حسين علي في مدينة عكا في إسرائيل و ذكر المسيحيين ليكسب الغرب المسيحي إلى جانبه و ذكر العرب لأنه يريد أن يسدي خدمة أو بالأحرى يرد الدين لإيران لأنه يريد أن يبعد القضية العربية الأحوازية عن محيطها العربي بعد أن أصبحت تلامس الضمير العربي من خلال ما حققته من نجاح لا بأس به على مستوى الإعلام العربي لأنها قضية عادلة.
في النهاية الأجدر بإسرائيل أن تتحدث عن حق الشعب الفلسطيني الذي تنتهكه يوميا من ثم تستطيع أن تدافع عن هذا أو ذاك. و أيضا على إيران أن تستعد لرد الدين هي  لإسرائيل بتصريح فارغ جديد. و علينا نحن العرب أن نتفرج على حلقات هذا المسلسل المكسيكي الطويل الممل و على تبادل الأدوار بين إيران و إسرائيل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق